إيمانويل ماكرون... الجمهورية الخامسة تبحث عن توازنها المفقود

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام ضريح الجنرال شارل ديغول (أ. ف. ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام ضريح الجنرال شارل ديغول (أ. ف. ب)
TT

إيمانويل ماكرون... الجمهورية الخامسة تبحث عن توازنها المفقود

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام ضريح الجنرال شارل ديغول (أ. ف. ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام ضريح الجنرال شارل ديغول (أ. ف. ب)

يُجمع الخبراء والمراقبون السياسيون في فرنسا على أن الرئيس إيمانويل ماكرون الذي وصل إلى قصر الإليزيه في مايو (أيار) 2017 وسط موجة من التفاؤل بالتغيير خارج الأطر التقليدية للسياسة، صار في وضع صعب تعكسه استطلاعات الرأي من جهة وابتعاد عدد من معاونيه عنه من جهة أخرى.
لم تحجب الإجازة الصيفية السحب السوداء التي كانت تتجمع في أجواء الرئيس الشاب، وما أن عادت عجلة الحياة الفرنسية إلى الدوران بشكل عادي، حتى بدأت القواعد السياسية لماكرون تتفسخ. فالإدارة التي تلقت ضربة بسبب تصرف رجل الأمن الرئاسي ألكسندر بينالا، خسرت أيضا وزير البيئة المحبوب نيكولا أولو ووزير الداخلية المحنّك جيرار كولومب، بالإضافة إلى وزيرة الرياضة لورا فليسيل.
والأهم من هذا، أن شعبية ماكرون تتراجع شهرياً، وهي في بدايات أكتوبر (تشرين الأول) لا تتجاوز 30 في المائة نزولاً من 33 في المائة في بدايات سبتمبر (أيلول)، وفق استطلاع نشرت نتائجه صحيفة "لو فيغارو". ولا "يسبقه" في هذا إلا الرئيس السابق فرنسوا هولاند الذي تبخّرت شعبيته بسرعة صاروخية.
وسط هذه الأجواء، تتناقل وسائل الإعلام الفرنسية أخباراً عن مشاحنات وعدم انسجام بين أعضاء الفريق الحكومي الذي يرأسه إدوار فيليب. ويقال إن وزراء يتحدثون بشكل سلبي عن زملاء لهم. فالانتقادات والملاحظات اللاذعة المعهودة في أي نظام سياسي والتي اختفت مع بداية عهد ماكرون عاودت الظهور. أما تفاخر فيليب بأن أحداً في حكومته لا يتطلع إلى احتلال مكان شخص آخر أو يحاول إضعافه فيبدو أنه لم يعد في محلّه. ونسبت "لو فيغارو" إلى وزير قوله إن هذا الجو سيئ، "وعلينا أن نعمل على ألا يحدث ذلك بعد الآن. سلوك الفرد يجب أن يخدم المجموعة".
يبدو أن ماكرون "جنرال" لا يحسن إدارة ضباطه، ولا ينجح في توقع من سيتركه ويرحل، ولا يجيد وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ولا شك في أن كل هذا جعل الاشتراكي السابق جيرار كولومب يدير ظهره للحكومة ويقرر الترشح لرئاسة بلدية مدينة ليون مجدداً. وفي الجلسة الحكومية التي قُبلت فيها الاستقالة، رفض الرئيس التحدث عن "أزمة سياسية"، لكنه طلب من الحاضرين أن يتحملوا مسؤولياتهم ويكونوا في مستوى التطورات، كما نسبت وسائل إعلام إلى أحد المشاركين في الجلسة.
وتستغرب صحيفة "لو باريزيان" كيف يمكن للشخص الذي أتقن تجميع فريقه الانتخابي وإدارة حملته الرئاسية، أن يترك الأمور تتدهور بهذا الشكل. وتنقل عن أحد الوزراء قوله إن الرئيس كان يؤكد للجميع أن نيكولا أولو باقٍ في الحكومة حتى موعد انتخابات البرلمان الأوروبي أواخر مايو (أيار) 2019، فإذا به يستقيل في 29 أغسطس (آب) الماضي!
وتستنتج الصحيفة نفسها أن ماكرون لا يرى الأمور بوضوح، وأن الكل كان يعلم أن أولو سيترك الحكومة، لكن الرئيس تصرف وكأن شيئاً لم يكن. وتنقل عن الوزير نفسه الذي لم تسمّه، أن كثرا كانوا يشعرون بانزعاج كولومب ويُسرّون إلى الرئيس بوجوب إخراجه من الحكومة بهدوء، لكنه لم يفعل، فحصلت الاستقالة بهذه الطريقة.
ويذهب موقع "كوزور"، وهو منبر فكري، إلى حد السؤال: "هل لا يزال إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية؟". ويقول صاحب السؤال الكاتب الصحافي دافيد ديغوي، إن أخطاء الرئيس ظهرت جلية مع واقعة اعتداء حارسه ألكسندر بينالا على عامل خلال مسيرة للعمال في عيدهم، يوم الأول من مايو الماضي، منتحلاً صفة شرطي. ويشبّه ماكرون بمدير عام لـ "شركة فرنسا الناشئة".
ويستخلص ديغوي من استقالة كولومب أمرين: الأول هو أن أحد أهم داعمي إيمانويل ماكرون في الوصول إلى الرئاسة، كان من أول الممتعضين منه، والثاني أن هذا التطور أعاد توزيع مراكز القوى في أعلى هرم السلطة التنفيذية لمصلحة رئيس الوزراء إدوار فيليب الذي وحده يبدو متماسكاً حتى الآن. وهذا يقود إلى التساؤل عمن سيقود البلاد في المرحلة المقبلة: قصر الإليزيه الرئاسي أم قصر ماتينيون الحكومي؟
تصف الصحافية المخضرمة غيلين أوتنهايمر، رئيسة تحرير موقع "تشالنج"، ماكرون بأنه "سياسي من النوع الثالث، جسم غامض، نموذج أولي. ونموذج أولي فريد من نوعه، آسر، واعد جدا، ولكنه كائن هش". وترى أن الطريقة التي فرض بها كولومب على الرئيس قبول استقالته لا سابق لها.
واعتبرت الكاتبة أن ثمة "خفة لا تصدق في قمة هرم الدولة". واستغربت كيف أن وزير البيئة يسمح لنفسه بالقول إنه استقال لأنه اكتشف، بعد سنة، أنه لا يصلح للسياسة التي تتطلب الكثير من التنازلات. وكذلك كيف يقدم وزير الداخلية على ترك منصبه الحساس من دون أن يفصح عن السبب، لكي ينكفئ نحو رئاسة بلدية مدينة.
المؤكد أن هناك خللاً كبيراً في إدارة الدولة الفرنسية. وثمة من يلفت إلى أن ماكرون بنى اندفاعة حركته السياسية على ضيق الفرنسيين بأحزابهم التقليدية، لكنه لم يرسم لهم سياسة جديدة واضحة... ويجب أن نتذكر أن الرجل ليس مسؤولاً عن فرنسا وحدها، بل هو القائد الأول المفترض في الاتحاد الأوروبي الآن، لأن الشريك القوي الآخر، أنجيلا ميركل، غارق في مشكلات داخلية نتجت عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وهكذا تبدو السفينة الأوروبية التي توشك على فقدان جزء مهم من هيكلها بخروج بريطانيا القريب، تواجه الأنواء بلا قبطان متمكّن...
في الذكرى الستين لاعتماد دستور الجمهورية الخامسة، وضع إيمانويل ماكرون إكليلا من الزهر على ضريح مؤسس هذه الجمهورية الجنرال شارل ديغول في قرية كولومبي لي دو زيغليز الصغيرة... ولعل المناسبة لا تحتاج إلى تعليق.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».