الحريري متفائل بولادة الحكومة قريباً

مصادر القصر الجمهوري تؤكد وجود مناخ إيجابي للتشكيل

لقاء الحريري - عون أمس أطلق مناخ التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة (دالاتي ونهرا)
لقاء الحريري - عون أمس أطلق مناخ التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة (دالاتي ونهرا)
TT

الحريري متفائل بولادة الحكومة قريباً

لقاء الحريري - عون أمس أطلق مناخ التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة (دالاتي ونهرا)
لقاء الحريري - عون أمس أطلق مناخ التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة (دالاتي ونهرا)

استأنفت القيادات اللبنانية مشاوراتها في ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وسط أجواء تفاؤلية تعمد معظم الأطراف ضخها أمس، وتحدثت عن «بصيص أمل» قد يقود إلى ولادة الحكومة قريباً بعد مضي أربعة أشهر ونصف الشهر على عملية التكليف، وتوّج ذلك باللقاء الذي عقد بين رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلّف سعد الحريري في القصر الجمهوري، مساء أمس، وتقاطعت مع مواقف للقوى المعنية بتعقيدات الأزمة الحكومية، وعبّر الحريري بعد اجتماعه مع عون لمدة ساعة كاملة عن تفاؤله بإمكانية تشكيل الحكومة قريباً، وقال في تصريح مقتضب بعد اللقاء: «تشاورت مع فخامة الرئيس، واتفقنا على وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة بسبب الوضع الاقتصادي، وأنا متفائل جداً».
هذه الانفراجات عبّرت عنها مصادر القصر الجمهوري، التي كشفت عن «توفّر أجواء حقيقية لتشكيل الحكومة، هي عبارة عن أفكار واقتراحات بحثها الحريري من الرئيس عون». وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «معظم هذه الأفكار تتضمن إجابات على التحفظات التي وضعها رئيس الجمهورية على الصيغة السابقة، وهذا لا يعني أن الحكومة ستشكّل الآن، لكن بالتأكيد تكوّن مناخ جديد يشكّل أرضية لبحث جدي في تشكيلة الحكومة، وإذا ترجمت هذه الأجواء الإيجابية قد تبصر الحكومة النور في خلال أيام أو أسبوعين على أبعد تقدير».
أجواء التفاؤل هذه بدأ التمهيد لها من مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، حيث أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي أن «ألف باء الحلّ (للأزمات القائمة) يبدأ بتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن». وكشف عن «بصيص أمل في هذا المجال يتجلّى في لقاء الرئيسين عون والحريري».
في هذا الوقت بدا تيّار «المستقبل» أكثر حذراً من الإفراط في التفاؤل، كي لا يصاب اللبنانيون بالإحباط كما حصل في الأسابيع الماضية، ولفت عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» راشد فايد، إلى أن «موجات التفاؤل التي تطلقها بعض القيادات عادية، لكنها لا تعني أننا وصلنا إلى الحلول النهائية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أسبوعين حكي عن تنازلات قدّمتها الأطراف، وسرعان ما ثبت عدم صحتها، لكن اللبنانيين أدمنوا على رياضة التفاؤل والتشاؤم». ولفت إلى أن «لبنان لا يمكن أن يبقى بمعزل عن التطورات الخارجية، ولا يأخذ بالاعتبار خطورة التهديدات الإسرائيلية، ودخول العقوبات الأميركية الجديدة على إيران حيّز التنفيذ مطلع الشهر المقبل». وعمّا إذا كان تحريك الجمود ناجم عن ضغوط بدأ «حزب الله» يمارسها على حلفائه لتقديم تنازلات، أجاب فايد: «في لعبة عضّ الأصابع من يصرخ أولاً هو من يقدّم التنازلات».
ولا تخفي القوى السياسية خطورة التهديدات الإسرائيلية، والتحضير لمواجهتها بدءاً بتشكيل الحكومة، وشددت كتلة «التحرير والتنمية» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن «التصريحات والتهديدات الإسرائيلية تستدعي الوحدة الوطنية التي تشكل السلاح اللبناني وتدعو اللبنانيين إلى التعامل بجدية معها». ورأت أن «الوضع القائم يستدعي تشكيل حكومة لإخراج البلاد من الأزمات».
من جهته، اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أن «العقبة الوحيدة الأساسية أمام تشكيل الحكومة داخلية، وتتمثل بمحاولة تحجيم النتائج التي أفزرتها الانتخابات النيابية للقوات اللبنانية». وقال في تصريح: «الأرقام أكدت أن ثلث الصوت المسيحي صب لمصلحة (القوات) ما يفترض منطقيا حصولها على ثلث الصوت المسيحي في الحكومة، وها نحن نُحرم من هذا الحق». ورأى أن «لا لزوم لحكومة الضرورة، فثمة خطوات بالغة الأهمية يفترض اتخاذها اليوم قبل أن ينزلق البلد إلى الهاوية السحيقة، فليشكلوا الحكومة اليوم قبل الغد». وكشف جعجع عن «اجتماع تعقده كتلة (الجمهورية القوية) مطلع الأسبوع المقبل، بعد استكمال المشاورات لاتخاذ القرار النهائي في هذا الصدد، ومنع انزلاق البلد نحو مزيد من التدهور، وعليه ستنطلق الكتلة في اتجاه جميع الكتل النيابية وصولاً إلى الرئيسين الحريري وعون». ورأى أن «الخروج من أزمة التشكيل يتطلب تدخل رئيس الجمهورية شخصياً وإعطاء كل ذي حق حقه»، متمنياً على الرئيس شخصياً «الإقدام على هذه الخطوة لإحقاق الحق استناداً إلى نتائج الانتخابات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.