كثبان الرمال تعانق أمواج البحر في ميناء العقير السعودي

تتلوى كثبان الرمال على امتداد البصر، لتصافح أمواج البحر على الساحل الخليجي للأحساء؛ حيث تشكل لوحة بصرية رائعة؛ لكّن هذا الموقع الذي أصبح ملاذاً لسكان واحة الأحساء، ويوفر فرصاً للاستثمار السياحي، مسكون بعبق التاريخ يمتد مئات السنين.
مثّل ميناء العقير، وهو أقدم ميناء بحري في السعودية، ويتربع على ساحل الخليج العربي، أهمية بالغة خاصة؛ فقد كان العثمانيون خلال حكمهم الخليج يعتمدون على ميناء العقير الذي كانت ترسو فيه سفن النقل والبضائع، وكان طريق التواصل مع تركيا والعالم. وفي عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود شهد الميناء التاريخي عقد اتفاقيات ومفاوضات سياسية، وكان البوابة الاقتصادية لبداية الدولة السعودية، والميناء الرئيس الذي ‏يفد إليه الزائرون لوسط الجزيرة العربية وشرقها، وفي هذا الميناء وقع الملك عبد العزيز معاهدة العقير لترسيم الحدود مع بيرسي كوكس، في 2 ديسمبر (كانون الأول) عام 1922.
وفي تقرير لها، رصدت دارة الملك عبد العزيز الأثر السياسي ‏والتجاري والعسكري والفكري لميناء العقير، الذي شهد أحداثاً مختلفة في عهد الملك المؤسس، عندما اتخذه مقراً ‏لمقابلة الدبلوماسيين الأجانب وإجراء المفاوضات مع القوى الدولية السياسية في المنطقة.
وبفعل تحول الطرق التجارية بعد اكتشاف النفط في بقيق ‏والظهران، تراجعت أهمية العقير لوجود طرق حديثة معبدة، وبناء عدد من الموانئ الحديثة، ‏قريبة من منابع النفط والأسواق التجارية في المنطقة الشرقية.‏
وقالت الدارة إن الملك عبد العزيز قام بتطوير الميناء، وذلك عبر إنشاء الجمارك، والجوازات، والفرضة، ‏ومبنى الخان، ومبنى الإمارة، والحصن، والمسجد، وعين الماء، وبرج أبو زهمول؛ حيث أصبح العقير شريان الحياة لوسط الجزيرة العربية وشرقها، وكانت البضائع ‏والأغذية وغيرها ترد إلى قلب الجزيرة العربية والعاصمة الرياض عبر هذا الميناء المهم، وشهد هذا الميناء في عهده تنظيمات كثيرة لضمان استمراره في أداء دوره ‏الاقتصادي في البلاد.‏
وذكرت الدارة أن ميناء العقير التاريخي بدأت أهميته كميناء لشرق الجزيرة العربية ووسطها تتقلص في عام ‏ 1377هـ - 1957م، عندما بدأ العمل في إنشاء ميناء الدمام وخط السكة الحديد، والبحث ‏عن طرق أقرب وأسهل لمصادر النفط المكتشف آنذاك، وذلك لتسهيل نقله وما يحتاج إليه ‏من مواد، وتسهيل وصول العاملين فيه لمناطق العمل بيسر وبأقل كلفة، وبذلك أسدل الستار ‏على آخر أدوار ميناء العقير.‏
وفيما يتعلق بمكانة العقير السياحية، عدت الدارة ساحل العقير من أجمل السواحل في المملكة، ويتميز بتداخل مياه ‏الخليج بالشواطئ الرملية الضحلة، وتنوع المظاهر الجغرافية، وكثرة الرؤوس ‏والخلجان والجزر؛ حيث توجد بالعقير عدة جزر، من أهمها جزيرة الزخنونية ‏وجزيرة الفطيم، كما يستقبل شاطئ العقير آلاف الزوار والسياح طيلة أيام العام، ويجذب الشاطئ ‏الذي يبعد نحو 65 كيلومتراً عن مدينة الهفوف، كثيراً من المرتادين من مختلف ‏مناطق المملكة؛ خصوصاً من الأحساء والمنطقة الشرقية ومنطقة الرياض، ‏ويصل العدد اليومي لقاصدي الشاطئ قبل تطويره خلال المواسم والعطلات، ‏إلى أكثر من 28 ألف زائر‎.‎
وأشادت الدارة باهتمام الدولة بميناء العقير تاريخياً؛ حيث تم تسجيل مبنى الجمارك في ميناء العقير في سجل ‏الآثار الوطني، وترميم مباني المستودعات والجمارك والميناء في العقير؛‏ لافتة إلى أن العقير بمحافظة الأحساء، ترتبط بمدينة الجرهاء القديمة، وتستقي أهميتها التاريخية من كونها مكان توقيع معاهدة العقير المعروفة في عهد الملك عبد العزيز.
والعقير كوجهة سياحية، تمثل باكورة المنتجات السياحية المتكاملة في السعودية، تتميز بخصائص تاريخية وأثرية متفردة، ‏بالإضافة إلى الطبيعة الرائعة والشواطئ البحرية، وكوجهة ‏سياحية ساحلية كبرى متعددة الاستخدامات. وفي 10 سبتمبر (أيلول) 2013، تمّ تأسيس شركة لتطوير العقير برأسمال 2.7 مليار ريال (720 مليون دولار)، سبق ذلك تخصيص الحكومة السعودية مخصصات مالية لخدمات البنية الأساسية لمنطقة التطوير في العقير السياحية، بمبلغ 1.4 مليار ‏ريال (373 مليون دولار)‎.‎
وتمتد شواطئ العقير على مسافة 24 كيلومتراً على ساحل ‏الخليج العربي، ويبعد المشروع عن مدينتي الدمام والهفوف مسافة لا تتجاوز 70 كيلومتراً، ‏ومسافة 400 كيلومتر عن مدينة الرياض.‏
ويضم المشروع عدداً من مرافق الترفيه، إضافة إلى مناطق الشواطئ، ومواقع أثرية، ومواقع تراث عمراني، ومرافق ‏سياحية تتضمن إيواءً فندقياً ووحدات مفروشة، ومنازل ووحدات سكنية، ومراكز تجارية تضم مكاتب ومتاجر ‏البيع بالتجزئة، ومرافق رياضية ومرافق تعليمية، ومراكز ‏عناية صحية، وخدمات متنزهات، وكل ما يلزم ذلك من بنية أساسية.
ويستقبل شاطئ العقير معدلات عالية من الزائرين، تصل في المتوسط إلى أكثر من 20 ألف زائر في المناسبات، وتشتمل المنطقة الترفيهية على عناصر عدة، من بينها بحيرات مائية تحوي جزراً وجسوراً وألعاباً مائية، تصل مساحة مسطحاتها إلى أكثر من 30 ألف متر مربع، ومسطحات خضراء بمساحة 120 ألف متر مربع، زرع فيها أكثر من 1350 شجرة كبيرة، و40 ألف شجيرة ذات تشكيلات زهرية متنوعة، وملاعب وميادين وممرات للمشاة.