دي إتش لورنس شاعراً

ظل صاحب «عشيق الليدي تشاترلي» يمارس الشعر في فترات متقطعة طيلة حياته

دي إتش لورنس شاعراً
TT

دي إتش لورنس شاعراً

دي إتش لورنس شاعراً

الأديب الإنجليزي دي إتش لورنس (1885 - 1930) معروف في أوساطنا الأدبية، كما هو معروف في الأوساط الأدبية الأجنبية، بأنه روائي في المحل الأول. إنه مؤلف روايات: «أبناء وعشاق»، و«قوس قزح»، و«نساء عاشقات»، و«عشيق الليدي تشاترلي» (كلها مترجمة إلى العربية)، وغيرها. ولكن إنتاجه الغزير في حياته القصيرة نسبياً (توفي بذات الصدر في فرنسا عن خمسة وأربعين عاماً) قد غطى أجناساً أدبية مختلفة: قصص قصيرة، وحكايات متوسطة الطول (نوفيلا)، ومسرحيات، ورسائل شخصية (تعادل في الأهمية رسائل جون كيتس)، ونقد أدبي، وكتب رحلات عن إيطاليا والمكسيك وأستراليا، ودواوين شعرية، وكتاب في التاريخ الأوروبي، وكتابات في علم النفس، فضلاً عن لوحات من الفن التشكيلي أبدعتها فرشاته.
ومن بين هذه الإنجازات المتنوعة، تبرز قصائد لورنس بوصفها تلي في الأهمية رواياته، فقد كان في أساسه شاعراً، حتى حين يكتب القصة. وكان أول عمل ينشر له مجموعة من القصائد التي ظهرت في مجلة «ذا إنجليش رفيو» عام 1910، وقد ظل يمارس الشعر على فترات متقطعة طيلة حياته.
ولم تعرف حياتنا الأدبية لورنس شاعراً إلا من خلال أعمال قليلة، أذكر منها ترجمة ماهر البطوطي الممتازة لقصيدته «سفينة الموت» (وهي من آخر ما كتب، وتعد تتويجاً جليلاً لمسيرته الشعرية، بل الحياتية). وثمة ترجمة متوسطة المستوى، بقلم طاهر البربري، لقصائد من لورنس، تحت عنوان «أرض المساء.. وقصائد أخرى» (المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة).
واليوم، تصدر الهيئة المصرية العامة للكتاب «المختار من شعر د. ه. لورنس»، من اختيار وترجمة وتقديم الدكتور محمد عناني، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة مترجم شكسبير وميلتون وبايرون وغيرهم. وهي ترجمة شعرية تسعى إلى إيجاد معادل لموسيقى لورنس في لغته، فهي تترجم شعره المقفى إلى شعر عربي مقفى، وتترجم شعره المرسل إلى شعر مرسل، يلتزم الوزن ولا يلتزم القافية. ولأن المترجم شاعر واسع المعرفة بأوزان الشعر العربي وأعاريضه، فإنه يتمكن من الانتقال على درجات السلم النغمي كافة، بما يساوق نغمة لورنس ودفقاته الفكرية والشعورية. وهكذا، نجد عناني في ترجمته لقصيدة لورنس «الثعبان» مثلاً يراوح بين بحر الرمل وبحر الخبب القريب من إيقاع النثر.
وتكشف هذه المختارات عن تنوع الحالات النفسية، وتعدد الأوتار التي يعزف عليها لورنس ألحانه: فهنا قصائد حب رومانسية، وأهاجٍ ساخرة، وقصائد تعليمية النبرة، تتضمن تعليقاته في السياسة والدين، وقصائد نقد اجتماعي، وقصائد في وصف الطبيعة والكائنات، من طير وحيوان وزهر.
وتمتاز ترجمة عناني، إلى جانب بلاغتها، بالأمانة مع النص، فهو ينقله كاملاً، ولا يغفل منه شيئاً. ولا تقف قيود الوزن والقافية حائلاً بينه وبين أداء المعنى كاملاً، ونقل كل ما في القصيدة، فكراً وصوراً وإيقاعاً. هذه مثلاً قصيدة قصيرة للورنس، أترجمها نثراً (فلست أملك موهبة القريض) ترجمة حرفية:
فلنكن رجالاً
«نشدتكم الله، دعونا نكن رجالاً / لا قروداً أو آلات عاقلة / نجلس بذيولنا ملتفة / على حين تسلينا الآلة: المذياع أو الفيلم أو الحاكي / قروداً ذات ابتسامة عذبة على وجوهها».
وهذه ترجمة عناني الشعرية:
فلنكن رجالاً
«الآن استحلفكم / بالله فلنكن رجالاً لا قروداً / ها هنا نشغل الآلات / أو جالسين بالذيول حولنا ملتفة / وننشد الترفيه بالمذياع أو بالفيلم أو بالحاكي / هذي قرود ذات بسمة لطيفة على الوجوه / بلا دلالة».
أترى المترجم هنا قد أغفل شيئاً واحداً من الأصل؟ هكذا تكون الترجمة الأمينة البليغة بين يدي المترجم القدير الذي هو في الوقت ذاته أستاذ جامعي واسع العلم، وأديب مرهف الحس.
مآخذي على الكتاب قليلة، تعد على أصابع اليد الواحدة؛ يذهب عناني في مقدمته القيمة إلى أن لورنس متأثر بالوجودية الألمانية، وهذا عندي موضع شك. فالتواريخ وحدها تنقض هذه الدعوى. إن كتاب هيدجر الأكبر «الوجود والزمان» لم يظهر إلا في 1927، أي قبل وفاة لورنس في مارس (آذار) 1930 بأقل من ثلاثة أعوام. ولا أحسب لورنس، وقد كان يعاني من نزيف الدم في سنواته الأخيرة، كان يملك الطاقة على قراءة نثر هيدجر أو هوسرل الفلسفي الألماني العسير. والأدب الوجودي بحق لم يظهر إلا بعد وفاة لورنس بسنوات («غثيان» سارتر في 1938، و«غريب» كامو في 1942،... إلخ)، وربما كان الأدق أن يقال إن لورنس - مثل نيتشه ودوستويفسكي - كان من المرهصين بالأدب الوجودي، قبل أن تشيع هذه التسمية، ابتداء من ثلاثينات القرن الماضي.
كذلك من الإسراف في التبسيط أن يقول عناني إن لورنس كان ينظر إلى المرأة على أنها «كائن جميل خلق للحب والإنجاب». كلا، لقد كانت نظرته أعمق من ذلك بكثير، وأغنى بالتوترات والازدواج الوجداني، لقد كان أقرب إلى الكاتب السويدي سترندبرج، في نظرته إلى العلاقة بين الجنسين على أنها مبارزة قاتلة وصراع دام من أجل السيطرة، تمتزج فيه عواطف الحب والكراهية، والانجذاب والنفور، والتقارب والتباعد، والسادية والماذوكية. ولولا هذا التعقيد في نظرة لورنس إلى المرأة، لما وجدنا من قرائه الإناث من يرفعنه إلى أعلى مكان، ومن يهاجمنه بأقسى العبارات (من النوع الأول الشاعرة الأميركية إيمي لويل، ومن النوع الثاني الناقدة النسوية الأميركية كيت ميليت).
كذلك ترد في قصائد لورنس أسماء مثل «لورنا دون» و«كورو». وكان يجمل بالمترجم أن يورد تعريفاً وجيزاً بهم. فليس كل قارئ عربي بعارف أن «لورنا دون» اسم رواية مغامرات، تدور أحداثها في مقاطعة ديفون الإنجليزية، في أواخر القرن السابع عشر، وهي من تأليف الروائي الإنجليزي آر دي بلاكمور، وقد صدرت في 1869. وليس الكل عارفاً بأن كامي كورو مصور مناظر طبيعية خلوية فرنسي من القرن التاسع عشر. ثمة حاجة هنا إلى هوامش شارحة قصيرة.



وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
TT

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)

حث الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الأدب والنشر والترجمة، السبت، الطلاب المبتعثين في برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» في اليابان، على أهمية التأهيل العلمي والأكاديمي في التخصصات الثقافية للإسهام بعد تخرجهم في رحلة تطوير المنظومة الثقافية في بلادهم.

وأكد الأمير بدر بن عبد الله، خلال لقائه عدداً من الطلاب المبتعثين في مقر إقامته في طوكيو، دعم القيادة السعودية لكل ما من شأنه تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة.

ويُقام البرنامج التدريبي بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة، وشركة «مانجا للإنتاج»، التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، الذي يستهدف موهوبي فن المانجا ضمن برنامج تدريبي احترافي باستخدام التقنيات اليابانية؛ منبع هذا الفن.

حضر اللقاء الدكتور محمد علوان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، والدكتور عصام بخاري الرئيس التنفيذي لشركة «مانجا للإنتاج»، وعددٌ من الطلاب والطالبات المبتعثين لدراسة فن المانجا في أكاديمية كادوكاوا، إحدى أكبر الأكاديميات في اليابان، التي تهتم بتدريب واستقطاب الخبرات والمهتمين بصناعة القصص المصورة.

يشار إلى أن البرنامج التدريبي يتضمن 3 مراحل رئيسية، بدءاً من ورش العمل الافتراضية التي تقدم نظرةً عامة حول مراحل صناعة القصص المصورة، تليها مرحلة البرنامج التدريبي المكثّف، ومن ثم ابتعاث المتدربين إلى اليابان للالتحاق بأكاديمية كادوكاوا الرائدة في مجال صناعة المانجا عالمياً.

كما تم ضمن البرنامج إطلاق عدد من المسابقات المتعلقة بفن المانجا، وهي مسابقة «منجنها» لتحويل الأمثلة العربية إلى مانجا، ومسابقة «مانجا القصيد» لتحويل القصائد العربية إلى مانجا، ومؤخراً بالتزامن مع عام الإبل 2024 أُطلقت مسابقة «مانجا الإبل» للتعبير عن أصالة ورمزية الإبل في الثقافة السعودية بفن المانجا.

وتجاوز عدد المستفيدين من البرنامج 1850 متدرباً ومتدربة في الورش الافتراضية، وتأهل منهم 115 للبرنامج التدريبي المكثّف، أنتجوا 115 قصة مصورة، وابتُعث 21 متدرباً ومتدربة إلى اليابان؛ لصقل مواهبهم على أيدي خُبراء في هذا الفن، إضافة إلى استقبال 133 مشاركة في مسابقة «منجنها»، وما يزيد على 70 مشاركة في مسابقة «مانجا القصيد»، وأكثر من 50 مشاركة في «مانجا الإبل».

يذكر أن هيئة الأدب والنشر والترجمة تقدم برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» بالتعاون مع شركة «مانجا للإنتاج»، بهدف تأسيس جيل مهتم بمجال صناعة المانجا، وصقل مهارات الموهوبين، ودعم بيئة المحتوى الإبداعي في المملكة.