وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي... تنافس أم تكامل؟

صحافي لدى «رويترز»: «السوشيال ميديا» مفتاح للمصادر... وآخر بـ«شينخوا»: زادت الضغوط علينا

وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي... تنافس أم تكامل؟
TT

وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي... تنافس أم تكامل؟

وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي... تنافس أم تكامل؟

صنع وجود شبكات التواصل الاجتماعي تحولاً كبيراً في صناعة المحتوى الإعلامي في حين فتح الفضاء الأزرق باباً واسعاً ومجالاً أكثر لانتشار الأخبار ومساحة تأثيرها والتفاعل معها جماهيرياً. وفي ظل هيمنة «السوشيال ميديا» على صناعة الأخبار وبثها واستقطابها للجماهير، انسحب البساط تدرجياً من وكالات الأنباء العالمية في سرعة نقل الخبر وإتاحة تداوله عالمياً لحظة وقوعه؛ ما تسبب في «خلخلة» أسلوب عمل هذه الوكالات التي كانت قبل عقود هي المصدر الرئيسي للأخبار.

التواصل يعيد التشكيل
أشارت دراسة موسعة لمركز أبحاث «بيو» الأميركي بعنوان «كيف تعيد وسائل التواصل الاجتماعي تشكيل الأخبار»، إلى أن أكثر من نصف مستخدمي «السوشيال ميديا» يشاركون في نشر أخبار ومحتوى إعلامي يتضمن نصوصاً وصوراً ومقاطع فيديو. بينما أظهرت نتائج استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة «آي إن جي» مع عدد من الصحافيين الدوليين، أن 50 في المائة من الصحافيين يعتبرون «السوشيال ميديا» مصدراً حياً للأخبار رغم عدم مصداقيتها في كثير من الأحيان، في حين أن 73 في المائة منهم أكدوا أنهم يستعينون بالمواد والمحتوى الأكثر قيمة ومصداقية بالنسبة لهم مثل مقاطع الفيديو والتغريدات، ولا سيما التي تخص الزعماء والرؤساء وقادة الدول. بل ويعتقد أكثر من 60 في المائة من الصحافيين، أنه لا يمكن لأي وسيلة إعلامية أو وكالة أنباء الاستمرارية من دون شبكات التواصل الاجتماعي.
يرى مصطفى آيت ميهوب، نائب مدير الإعلام بوكالة الأنباء الجزائرية، أنه من الصعب تحديد العلاقة بين «السوشيال ميديا» ووكالات الأنباء باعتبارها سلبية أو إيجابية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، «فتحت مواقع التواصل الاجتماعي المجال للمواطن العادي للتعبير عن وجهة نظره، ونشر الأحداث الكبرى في نفس لحظة وقوعها، ورغم أن الغالبية العظمى ممن يطلق عليهم (الصحافي المواطن) غير مهنيين ومصادر غير موثقة؛ إلا أن (السوشيال ميديا) خلقت تنافسية مع كبرى وكالات الأنباء العالمية».
ويفسر ميهوب جانباً من سطوة «السوشيال ميديا» في أن «شبكات التواصل الاجتماعي هي الأقرب للجمهور، وأصبحت أداة لتشكيل الرأي العام، وهي أقل احترافية وغير مقيدة بأخلاقيات الصحافة، ولا تخضع للكثير من الضوابط قبل بث خبر ما». ويعتبرها بمثابة «إنذار» بوجود قصة خبرية يعمل عليها الصحافي بمزيد من الاحترافية ويغذيها بالتفاصيل. وذكر مثالاً: حينما نشرت مواقع «السوشيال ميديا» مقاطع فيديو لفيضانات «قسنطينة» بالجزائر، كان المواطن هو الأقرب للحدث، وتحرك الصحافيون لتغطية الحدث بالأرقام والإحصائيات وتمت الاستعانة بهذه المقاطع.
ميهوب أكد أن وكالات الأنباء في «مفترق الطرق» فيما يتعلق بصناعة الرأي العام والمحتوى الإعلامي، وعليها التأقلم مع تلك المواقع والشبكات؛ لأن «السوشيال ميديا» لا يمكن تجاوزها. مضيفاً، أن وكالات الأنباء تستخدم «السوشيال ميديا» لنقل الأخبار التي تصنعها لتصل للجمهور.
وحول الضغوط التي يمثلها «الزخم الإخباري» على «السوشيال ميديا» بالنسبة للصحافيين وأسلوب عملهم، أكد ميهوب، أن الصحافي لا بد أن يكون متابعاً جيداً للأحداث من حوله والأحداث الدولية، ووجود هذه المواقع شكل ضغطاً كبيراً، وبالطبع فإن بث خبر ما عبر «السوشيال ميديا» لا يمكن محاسبة الصحافي عليه؛ لكن تجاهل الصحافي وتأخره في تغطية هذا الحدث، هو ما يعتبر تقصيراً في تغطية الحدث.

مصادر غير موثوقة
أكد سامح صلاح، الصحافي بوكالة «رويترز»، أن «السوشيال ميديا» لا تعتبر مصادر موثوقة للأخبار، لكنها بمثابة «مفتاح» لمصادر وخيوط لقصص خبرية، وبخاصة في حالة الكوارث الطبيعة والأحداث الإرهابية، وتوفر للصحافي عيناً أخرى لعمل تغطيات حية لأحداث خارج نطاقه الجغرافي، وتجعله في قلب الحدث، ويمكنه بعدها التواصل مع المصادر وأخذ تصريحات عبر طرق عدة، ومثال على ذلك تغطيات جوائز دولية مثل «البوكر» و«نوبل» وغيرهما، حيث يتم بث هذه الفعاليات مباشرة في حين يقوم الصحافيون عبر العالم بتغطيتها عن بعد.
ويعتبر صلاح، أن طبيعة العلاقة بين «السوشيال ميديا» ووكالات الأنباء ذات بعد تكاملي؛ لكنها تضع على الصحافي الذي يعمل في وكالة أنباء دولية مهمة التحري بدقة، وتدعيم قصته الخبرية بمزيد من المصادر وتغطية كافة الزوايا المتعلقة بها، وأيضاً تمد الصحافي بالمواعيد والفعاليات القريبة منه، أو التي تقع في دائرة اهتماماته. مشيراً إلى أنها «تمد الصحافي بالحدث ورد الفعل حوله من دون الحاجة إلى فريق عمل كبير وتحركات واتصالات؛ مما يساعد الصحافي على تغطية الحدث بسرعة ومواكبته، وهو ما يحدث مثلاً عند تغطية أحداث متعلقة باختيار فيلم ما للترشح للأوسكار أو إطلاق عمل فني أو أدبي، وهكذا».
وحول طبيعة العمل الصحافي لوكالات الأنباء في ظل هيمنة «السوشيال ميديا»، يقول الصحافي عماد الأزرق، بوكالة الأنباء الصينية «شينخوا» لـ«الشرق الأوسط»، «بالتأكيد وجودها خلق قدراً كبيراً ومتزايداً من المنافسة والضغوط على الصحافي؛ إذ لم تعد المنافسة ما بين وكالات أنباء عدة فقط، وإنما دخل فيها ملايين المتنافسين، ومع ذلك يبقى صحافي الوكالة مقيداً بالتوثق من المعلومة من مصادرها، وحريصاً على ألا ينجر في سباق السرعة على حساب الدقة، وبخاصة في الوكالات الرسمية الناطقة باسم دول لما يمكن أن يسببه ذلك من مشكلات للدولة وليس للوكالة فقط.
ويشير الأزرق إلى أن «هناك الكثير من القصص الخبرية التي تكون مواقع التواصل الاجتماعي هي مفتاحها، وبخاصة فيما يتعلق القصص الخبرية للتجارب الشخصية أو العمل الأهلي البعيد عن الأضواء»، مؤكداً «لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بشكل كبير على الإعلام بشكل عام، وعلى عمل صحافيي وكالات الأنباء والمؤسسات الإخبارية الدولية بشكل خاص، ومن هذه التأثيرات ما هو إيجابي، وإن كان أكثرها سلبياً من وجهة نظري».

تطور التقنية والمنبر
يفند الأزرق التأثيرات الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي على طبيعة عمل الوكالات، قائلاً «سهلت من التواصل مع الكثير من المصادر، والحصول على بعض المعلومات موثقة من مصادرها»... أما عن التأثيرات السلبية لها، فيقول «لم تعد وكالات الأنباء العالمية هي مصدر المعلومة كما كان من قبل، ولم يعد صحافيو وكالات الأنباء دائماً الأسبق في الحصول على المعلومة؛ بل أصبح كل مستخدم لوسائل الاتصال الحديثة من (جوال وحاسب آلي) بمختلف أنواعها ومسمياتها، أسبق في الحصول على المعلومة ونشرها كل في مكانه. ونظراً لتحول المواطنين العاديين لمصادر للمعلومات كلٌ في موقعه ومكانه، فقد صارت وسائل التواصل الاجتماعي التي يبلغ مستخدميها بالملايين أكثر انتشاراً وقدرة في الحصول على المعلومة قبل غيرها من وسائل الإعلام التقليدية، ومنها وكالات الأنباء».
ويؤكد الأزرق، أن «لجوء كل الأجهزة الرسمية وغير الرسمية والأشخاص البارزين إلى إنشاء صفحات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي، جعل من الصعب انفراد وكالات الأنباء بالمعلومات، وأصبحت مساحة السبق الصحافي للوكالة محدوداً، وفي مجالات محدودة». وصارعت كل وكالات الأنباء تقريباً إلى إيجاد مكان لها على وسائل التواصل الاجتماعي وإنشاء صفحات لها عليها، ووكالة أنباء «شينخوا» الصينية من بين تلك الوكالات التي أنشأت صفحات لها على «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي وبمختلف اللغات.

مخاوف من سحب البساط
من الناحية الأكاديمية، أكد الدكتور محمد سعد إبراهيم، عميد المعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق، لـ«الشرق الأوسط»، أن أغلب الدراسات واستطلاعات الرأي لكبرى المراكز البحثية في مجال الإعلام، تؤكد أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت دون منازع المصدر الأول للخبر، في حين كانت وكالات الأنباء هي المصدر الرئيسي قبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، التي خلق وجودها زعزعة لهذه الوكالات من الناحية المهنية في ظل تراجع الصحافة المطبوعة والوسائل التقليدية للإعلام التي كانت تستند على الأخبار التي تبثها الوكالات في حين أصبحت «السوشيال ميديا» مصادر للأخبار.
ويشير إبراهيم إلى أن وكالات الأنباء العالمية الكبرى لا تزال أداة دعائية ومهمة لدى الدول الكبرى؛ لكن هذا لا ينفي الحالة التكاملية وتلاشي الحواجز بين شبكات التواصل ووكالات الأنباء واستخدامهما معاً في تشكيل الرأي العام الدولي.
كما يعتبر الدكتور باديس لونيس، الأستاذ بقسم الإعلام والاتصال بجامعة باتنة بالجزائر، أن العلاقة بين وسائل الإعلام المختلفة هي علاقة تكاملية، ورغم أن الطرح الذي يقول بالتنافس بينها، يستند إلى حقائق تاريخية أيضاً «منها: تناقص جمهور وسيلة معينة بظهور أخرى»، فإن الحقيقة التاريخية البارزة التي لا تناقش هي أن لا وسيلة جديدة استطاعت أن تلغي تماماً الوسيلة التي سبقتها. بل ربما تكون دافعاً لها للتجدد «لا التبدد». ‏هذه العلاقة صارت أكثر مدعاة للطرح مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي وصعود ما سُمي بصحافة المواطن التي حظيت بحفاوة بالغة، إلى الحد الذي وضع الإعلام أمام مساءلات جدية وحاسمة جعلت القائمين عليه يعيدون حساباتهم للتعامل والتأقلم مع الوضع غير المسبوق والاستفادة بقدر الإمكان من المزايا التي تقدمها صحافة لا تحتاج إلى كثير من التعقيدات المادية والتنظيمية.
ويلفت إلى أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على عمل صحافيي وكالات الأنباء والمؤسسات الإخبارية الدولية ومختلف الوسائل الإعلامية الأخرى هو استمرارية لفكرة التكامل الأولى. ‏فهذه الشبكات قدمت خدمة كبيرة للصحافيين في إيجاد موضوعات وقضايا وأحداث لتغطيتها ومتابعتها حتى أن كثيراً من الفضائيات الدولية لم تكتف بتخصيص أركان ضمن برامج حول هذه الموضوعات، بل إنها خصصت برامج بأكملها: مهمتها فقط متابعة جديد تلك الشبكات.
ويؤكد أستاذ الإعلام بجامعة باتنة الجزائرية، أنها «حالة من تبادل للأدوار بشكل تلقائي، لكنه يساهم في تحقيق إشباعات معينة لدى جميع الإطراف»، ‏أما فيما يخص الضغوط التي تقع على عاتق الصحافي وهو يتابع جديد تلك الشبكات، فلا يخفى على أحد أن جل إن لم نقل جميع وسائل الإعلام ووكالات الإنباء صارت تشكل متخصصين وفرقاً من الصحافيين، مهمتهم الجلوس أمام حواسيبهم وهواتفهم النقالة فقط لمتابعة كل كلمة أو «هاشتاغ» أو صورة أو فيديو مثير للانتباه (الاشتباه). ‏وصار من اليسير متابعة ما يشغل الرأي العام العالمي أو المحلي أكثر من ذي قبل من خلال هذه الشبكات وصار تردد الوسومات والتراندينغ مفتاحاً موجهاً للصحافي، الذي عليه أيضاً، أن يتحلى بالذكاء والفطنة لـ«شم» وتوقع تطورات معينة لاقتناصها والحصول على السبق الذي يبحث عنه.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.