تنعكس أزمة الأسواق الناشئة بشكل واضح على عملات البلدان النامية، ويظهر من تحليل لأداء هذه العملات خلال شهر أغسطس (آب) الماضي كيف يتخارج الكثيرون من الاستثمار فيها.
خلال شهر أغسطس تدهورت قيمة العملة الوطنية الأرجنتينية المعروفة باسم «بيزو»؛ إذ تراجعت بنسبة 7 في المائة أمام الدولار خلال ساعات معدودة من هذا الشهر، وخسرت عملة تركيا «الليرة» ثلث قيمتها أمام الدولار خلال ذات الشهر.
ويرصد الخبراء المصرفيون في مدينة المال بألمانيا، فرانكفورت، تراجعاً محدوداً أمام العملة الأميركية لكل من الراند الجنوب أفريقي، الذي تراجعت قيمته أمام الدولار 1.5 في المائة، واليوان الصيني والروبل الهندي وتراجعت قيمتهما أمام العملة الأميركية بنحو 1.25 في المائة.
يقول غوستاف باخ، المحلل المالي في بورصة فرانكفورت، إن قرارات المستثمرين الألمان فيما يتعلق بعملات الدول النامية مرتبطة بشدة بأوضاع مؤشر «بلومبيرغ» الذي يواكب على مدار الساعة أنشطة تجارة الفائدة (كاري ترايد) المتعلقة بعملات ثماني دول نامية.
ويعرّف هذا المحلل تجارة الفائدة بأنها عملية اقتراض الأموال بمعدلات فائدة منخفضة من دولة معينة ليتم استثمارها في أصول ذات معدلات فائدة مرتفعة في دولة أخرى للاستفادة من فروق معدلات الفائدة.
ويضيف غوستاف باخ، أن مؤشر «بلومبيرغ» تراجع 6 في المائة منذ نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي. وهذا أسوأ تراجع له منذ تأسيسه في عام 1999. ومن المعروف أن شهر أغسطس هو دائماً من بين الأشهر الصعبة، خصوصاً للعاملين في أسواق الصرف، حيث يشهد حجم التداولات داخله تراجعاً ملحوظاً؛ نظراً لتغيُّب عدد كبير من الموظفين عن أماكن عملهم لقضاء عطلة الصيف. ويؤدي تراجع حجم التداولات إلى تقلبات حادة في أسعار الأصول السوقية مسبباً خسائر مالية. علاوة على ذلك، كانت أزمتا الأرجنتين وتركيا من بين العوامل التي أدت إلى تضخيم حجم هذه الخسائر بصورة خرجت عن سيطرة المشغّلين في الأسواق المالية.
ويستطرد الخبير باخ قائلاً، إنه منذ بداية العام خسر البيزو الأرجنتيني 45 في المائة من قيمته أمام الدولار. وساهم في هذا التدهور القيمي الحاد لجوء حكومة بوينس آيرس إلى طلب تسريع تسليم القرض الذي خصصه لها صندوق النقد الدولي وفق اتفاقية أبرمت في 29 مايو (أيار) الماضي وتصل قيمته إلى 50 مليار دولار.
وحتى الآن لم يسجل اقتصاد الأرجنتين أي انتعاش، وفشلت الحكومة في خفض التضخم لديها من 30 إلى 15 في المائة، وتأتي أزمتها الراهنة على خلفية غياب للكثير من الإصلاحات الاقتصادية الضرورية خلال العقود الأخيرة.
وتسبب طلب الأرجنتين الحصول المسبّق على قرض الصندوق في موجة من الذعر في صفوف المدّخرين والمستثمرين المحليين والأجانب، مثل الألمان الذين بدأوا في الانسحاب التدريجي من أسواق الصرف المحلية. مع ذلك؛ لم يقرر المستثمرون الألمان في المشروعات الزراعية الأرجنتينية الانسحاب بعد؛ لأن تنسيق هذه المشروعات يتم مباشرة مع الجهات الحكومية التي لا علاقة لها بتقلبات الأسواق المالية.
ويختم الخبير بقوله «على صعيد الليرة التركية فهي انتهت مجدداً تحت ضغوط عاتية جرّاء احتمال استقالة أركان كيليمسي نائب حاكم المصرف المركزي التركي من منصبه. فهو اليوم عضو في مجلس إدارة بنك التنمية التركي، ومن غير المستبعد أن يقدم استقالته أيضاً بين ليلة وضحاها».
ومنذ إعادة انتخابه في شهر يونيو (حزيران) الماضي، بدأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في ممارسة ضغوط ثقيلة على المصرف المركزي التركي لتخفيض نسب الفوائد أو الإبقاء على ما هي عليه، على الرغم من التزايد السريع للتضخم المالي في بلاده. ويبدو أن نائب حاكم المصرف المركزي كان بين المسؤولين رفيعي المستوى القلائل القادرين على الوقوف في وجه الأوامر الحكومية. في الوقت الحاضر، ترك أكثر من 60 في المائة من المستثمرين الألمان أنشطتهم هناك، ومن ضمنها كل ما له علاقة بأسواق الصرف.
المستثمرون الألمان يبتعدون عن أسواق المال التركية والأرجنتينية
المستثمرون الألمان يبتعدون عن أسواق المال التركية والأرجنتينية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة