«الشباب الصومالية»... تمدد تنظيمي وجغرافي تحت الهجمات

تتصدر المشهد الإرهابي في القرن الأفريقي

حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
TT

«الشباب الصومالية»... تمدد تنظيمي وجغرافي تحت الهجمات

حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)

تسارعت في الأسابيع الأخيرة وتيرة الهجمات التي تشنها «حركة الشباب» الصومالية، كما توسعت مساحة تحرك هذا التنظيم الإرهابي، لتشمل مناطق واسعة من جغرافية البلد الذي يعيش أزمة استقرار، في غياب جيش وطني منظم. وبحسب تقارير لباحثين ومراكز مختصة في القرن الأفريقي والمنظمات الإرهابية في الصومال، فإن النشاط النوعي الحالي لـ«الشباب المجاهدين»، بزعامة أحمد ديري أبو عبيدة، يعود لعاملين أساسيين.
ويتعلق الأول بالمرونة التي اكتسبها التنظيم، والتي أهلته للتكيف مع الظروف الصعبة التي عاشها في الفترة الممتدة بين 2014 و2017. أما العامل الثاني، فيتمثل في قدرة التنظيم على إعادة بناء نفسه، مع استقطاب مناصرين جدد، خصوصاً في الجنوب وعلى الحدود الكينية.
وتفيد عدة دراسات أن «حركة الشباب» الإرهابية حدث لها نوع من «الصحوة» مع مجيء الرئيس الصومالي الحالي محمد عبد الله محمد، في فبراير (شباط) 2017. ومن تلك التقارير التي تناولت هذا الوضع الجديد ما نشر أخيراً في مجلة «الحرب الطويلة»، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). فقد أشارت المجلة إلى عودة «حركة الشباب» الصومالية المتطرفة لصدارة المشهد الإرهابي في القرن الأفريقي، وبالصومال تحديداً، مما يشكل تحدياً للسلطات الرسمية، ولجهود القوات الأفريقية، وقوات «أفريكوم».
وفي هذا السياق، تتبعت المجلة هجمات تنظيم أحمد ديري أبو عبيدة في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2017 وأبريل (نيسان) 2018، مسجلة أن وتيرة هجماته الإرهابية تدل على نوعيتها، وازدياد عددها، وتوسيع الجغرافية المستهدفة من «حركة المجاهدين»، مما يؤشر إلى توسع تنظيمي، وقدرة فائقة على السيطرة والانتشار في جغرافية جديدة، لم يكن للتنظيم نفوذ قوي فيها.
فقد استطاعت «حركة الشباب» الإرهابية شن 418 هجوماً في ظرف 6 أشهر، وبالتحديد في الفترة ما بين أكتوبر 2017 وأبريل 2018، وتسارعت وتيرة هجماتها في شهر أغسطس (آب) الحالي، وأصبحت شبه يومية. وفي مؤشر على تصاعد قوة التنظيم الإرهابي، لم تعد هجماته تتركز على العاصمة مقديشو ونواحيها، التي شهدت 125 هجوماً في 6 أشهر، بل استطاع التنظيم الوصول إلى وسط وجنوب البلاد، وبلدات ومناطق بعيدة عن العاصمة، يسيطر عليها الجيش الصومالي والقوات الأفريقية، ونفذ فيها 277 هجوماً.
كما استطاعت هذه الحركة المتطرفة، المنبثقة عن اتحاد المحاكم الإسلامية الصومالية، أن تنفذ في الفترة المشار إليها أعلاه 16 هجوماً إرهابياً داخل التراب الكيني.

هجمات مكثفة
ويبدو أن تنظيم «حركة الشباب» استعاد قوته، وأصبحت تحركاته أكثر انسيابية، مع ربح حاضنة اجتماعية جديدة، في رقعة جغرافية شاسعة. وتدل على ذلك وتيرة الهجمات التي أخذت في الشهر الماضي طابعاً تصاعدياً ونوعياً، حيث تجاوزت في بعض الأحيان 3 هجمات في الأسبوع الواحد. فقد شن «شباب المجاهدين» هجوماً إرهابياً يوم 12 سبتمبر (أيلول) الحالي على مدينة مركا، مركز بإقليم شبيلي السفلى، التي تبعد بنحو 90 كيلومتراً عن العاصمة مقديشو، حيث اقتحم مقاتلو التنظيم بعض أحياء المدينة قبل أن ينسحبوا منها.
من جهتها، أشارت السلطات الكينية، الأسبوع الماضي، إلى أن تنظيم «حركة الشباب» استطاع رفع وتيرة الهجمات، وكذلك وسع من استقطابه للشباب في المحافظات الشمالية في كينيا، المتاخمة للحدود الصومالية. وأكد علي روبا، حاكم منديرا، أن مقاتلي التنظيم يقومون حالياً بعملية تجنيد واسعة على الحدود، وفي عمق التراب الكيني، مما يشكل تهديداً حقيقياً لبلده. كما أشار إلى أنه «لم يتغير أداء الحكومة الوطنية في مجال الأمن؛ نحن بحاجة إلى تحسين نهجنا لمعالجة التطرف والإرهاب».
ومن العمليات النوعية التي تشير إلى قدرة تنظيم الشباب على المس بالاستقرار، وإرباك الدولة الصومالية الهشة، الهجوم الذي نفذه التنظيم الإرهابي يوم 23 يوليو (تموز) الماضي على إحدى القواعد العسكرية جنوب الصومال، والذي أسفر عن مقتل 27 جندياً. وقد تمكنت الحركة من السيطرة على القاعدة العسكرية البعيدة عن ميناء كيسمايو نحو 50 كيلومتراً.
وفي السياق نفسه، نفذ التنظيم المتطرف هجوماً على عدة قواعد عسكرية لقوات الحكومة الصومالية في مدينة دينسور، بإقليم باي بولاية جنوب غربي الصومال، بداية الشهر الحالي. وبحسب تصريحات رسمية، فإن الهجمات أسفرت عن مقتل جندي صومالي، وإصابة اثنين آخرين، كما قتل 4 من مقاتلي «حركة الشباب» الذين شنوا هجوماً من عدة محاور على القواعد العسكرية.
وبعد يوم واحد فقط من هذه العملية، شنت «حركة الشباب المجاهدين» هجوماً كبيراً في ولاية غلمدغ. وأوضح أحمد دعالي جيلي أن التنظيم الإرهابي تمكن في هذا الهجوم من اختطاف ما يقرب من 70 شيخاً من شيوخ القبائل في الولاية، وتوجه بهم الإرهابيون لقاعدة الحركة بمدينة عيل بور، التي تسيطر عليها الحركة المتطرفة، والواقعة في الأقاليم الوسطى في الصومال.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم يأتي بعد تصاعد الخلافات بين قبائل المنطقة مع التنظيم الإرهابي، إثر مطالب من هذا الأخير تتعلق بتجنيد المزيد من أبناء المنطقة في صفوف مقاتلي «حركة الشباب». وتحولت الخلافات لمواجهات متقطعة في مناطق قريبة من مدينة حررطيري، في إقليم مدغ بالولاية، في شهر سبتمبر الحالي، قبل أن يشن التنظيم المتطرف هجومه على المنطقة، ويختطف الشيوخ، الذين لا يزالون رهائن بيد التنظيم.
وفيما يخص العاصمة ونواحيها، شن التنظيم الإرهابي، بقيادة أحمد ديري أبو عبيدة، هجوماً واسعاً على مدينة أفجوي القريبة من العاصمة مقديشو الأسبوع الماضي، واستمر القتال بين مقاتلي التنظيم والقوات الصومالية، مدعومة بالقوات الأفريقية، لساعات، تمكن فيها مقاتلو التنظيم الإرهابي من السيطرة على عدة أحياء بالمنطقة. كما أسفرت المعركة، وفقاً لبيانات رسمية، عن مقتل 3 جنود صوماليين، وجرح 6 آخرين، فيما تمكن الإرهابيون من الانسحاب من المنطقة.
وفي الإطار نفسه، شنت «حركة الشباب»، الأسبوع الماضي، هجوماً كبيراً على مدينة مركا، مركز محافظة شبيلي السفلى، جنوب العاصمة مقديشو، شارك فيه العشرات من مقاتلي التنظيم، ووقع خلاله تبادل عنيف لإطلاق النار، قبل أن ينسحب المهاجمون من المنطقة. وأشار مدير مركا، حسن معلم، إلى أن الهجوم فشل بفضل العمل الاستخباراتي، وعلم السلطات بتوقيت الهجوم الإرهابي.

الغارات الأميركية
ووفقاً للمتغيرات الجديدة، التي أخذت بعين الاعتبار هشاشة الوضع الأمني والمؤسساتي الصومالي، تحاول الولايات المتحدة الأميركية تقديم مزيد من الدعم، عبر تكثيف الغارات على مواقع «حركة الشباب» الصومالية. ومن الغارات الأخيرة الحديثة المعلنة، من طرف الجيش الأميركي، على مواقع لتنظيم الشباب، ما أعلنته قيادة «أفريكوم»، الشهر الماضي، وهي التي أسفرت عن مقتل 3 من مقاتلي حركة الشباب، في منطقة تبعد 40 كم من العاصمة الصومالية مقديشو.
وفي مؤشر واضح على تصاعد الغارات الجوية ضد التنظيم المتطرف، شنت طائرة، يعتقد أنها أميركية، هجوماً يوم الفاتح من سبتمبر على قاعدة عسكرية لـ«حركة الشباب» بمدينة بؤالي، مركز إقليم جوبا الوسطى، جنوب الصومال. وبعد أسبوع من هذا الحدث، عادت طائرة مجهولة لتنفيذ هجوم ليلي في منطقة بمدينة جلب» في إقليم جوبا الوسطى، جنوب الصومال، أسفر عن قتل قيادي من «حركة الشباب».
ووفقاً لأحدث تقرير لمجلة «الحرب الطويلة»، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، فإن السياسة الجديدة لتتبع الإرهابيين بالصومال تتركز على «حركة الشباب»، في سعي حثيث للحد من نفوذ التنظيم وتقويض قوته. فقد أشار الباحث المتخصص بيل روجيو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمحرر بمجلة «الحرب الطويلة» التابعة لوزارة الدفاع، والباحثة أليكساندرا جوتوسكي، محللة الشؤون العسكرية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أن وتيرة الغارات أظهرت ارتفاعاً في الغارات الجوية المستهدفة لتنظيم الشباب. ويبدو أن كثافة الهجمات الجوية تتجه لتجاوز الرقم القياسي المسجل لسنة 2017، حيث يشير الباحثان إلى أن «أفريكوم» شنت 21 ضربة ضد حركة الشباب في الصومال حتى الآن (مع غارتين غير معلنتين، مشار إليهما أعلاه).
هذا، ويلاحظ أن الهجمات الجوية سنة 2018 ضد حركة الشباب متفرقة، وأكثر توسعاً جغرافياً، من نظيرتها لسنة 2017، مما يدل على توسع نفوذ تنظيم «حركة الشباب» من الناحية الجغرافية. ويشير كل من الباحث بيل روجيو والباحثة أليكساندرا جوتوسكي في هذا الصدد إلى الغارتين الجويتين في يونيو (حزيران) 2018، اللتين شنتهما الولايات المتحدة ضد حركة الشباب في محيط بوساسو، شمال الصومال، وغارات شهر أغسطس 2018، حيث استؤنفت الهجمات في الجنوب، بعيداً عن العاصمة مقديشو.
ورغم كل هذه المجهودات، فإن «حركة الشباب» لا يزال قادراً على الضرب بقوة في أماكن عدة داخل العاصمة، وفي وسط البلاد وجنوبه. وتعترف التقارير الرسمية الأميركية بأن الجهد المبذول سنة 2017 لم يكن كافياً، وأن هناك صعوبات تعترض الانتصار على «الشباب المجاهدين»، خصوصاً أن الصومال دولة من دون جيش.
وبهذا، يفسر التقرير الأخير لمجلة «الحرب الطويلة» تركز «الهجمات الأميركية الجوية لعام 2017 ضد حركة الشباب بشكل كامل في جنوب الصومال، خصوصاً بمنطقة جيليب والمناطق المحيطة بها، التي تعتبرها ملاذاً آمناً ومعروفاً لشبكة القاعدة في شرق أفريقيا». ووفقاً للتقارير الأميركية الصادرة عن وزارة الخارجية حول الإرهاب لعام 2016، فإن حركة الشباب تحتفظ بملاذ آمن في وادي نهر جوبا، وتسيطر على «عدة قرى وبلدات في جميع أنحاء منطقة جوبالاند، بما في ذلك جانايل وجيليب وكونيو بارو».
وبكلمة، يمكن القول إن هناك عوامل داخلية تساعد على العودة القوية لحركة الشباب الإرهابية. ومن هذه العوامل المثارة في الأسبوعين الأولين من أغسطس 2018 ما يرتبط بالصراعات الدائمة الجارية وسط النخبة العسكرية والأمنية والسياسية الصومالية.
يشار إلى أن نشر وثيقة تتهم مدير الاستخبارات بالتعاون مع «الشباب»، جاء بعد إصدار الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو مرسوماً رئاسياً أعفى بموجبه عبد الله عبد الله من قيادة وكالة المخابرات الوطنية، كما جرده المرسوم من جميع الرتب العسكرية، واتهمه بخرق قانون القوات المسلحة، والقوانين الفرعية المنظمة لوكالة الاستخبارات والأمن القومي.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».