«الشباب الصومالية»... تمدد تنظيمي وجغرافي تحت الهجمات

تتصدر المشهد الإرهابي في القرن الأفريقي

حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
TT

«الشباب الصومالية»... تمدد تنظيمي وجغرافي تحت الهجمات

حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)
حجم الدمار الذي خلفته إحدى الهجمات الانتحارية في يوليو الماضي (أ.ب)

تسارعت في الأسابيع الأخيرة وتيرة الهجمات التي تشنها «حركة الشباب» الصومالية، كما توسعت مساحة تحرك هذا التنظيم الإرهابي، لتشمل مناطق واسعة من جغرافية البلد الذي يعيش أزمة استقرار، في غياب جيش وطني منظم. وبحسب تقارير لباحثين ومراكز مختصة في القرن الأفريقي والمنظمات الإرهابية في الصومال، فإن النشاط النوعي الحالي لـ«الشباب المجاهدين»، بزعامة أحمد ديري أبو عبيدة، يعود لعاملين أساسيين.
ويتعلق الأول بالمرونة التي اكتسبها التنظيم، والتي أهلته للتكيف مع الظروف الصعبة التي عاشها في الفترة الممتدة بين 2014 و2017. أما العامل الثاني، فيتمثل في قدرة التنظيم على إعادة بناء نفسه، مع استقطاب مناصرين جدد، خصوصاً في الجنوب وعلى الحدود الكينية.
وتفيد عدة دراسات أن «حركة الشباب» الإرهابية حدث لها نوع من «الصحوة» مع مجيء الرئيس الصومالي الحالي محمد عبد الله محمد، في فبراير (شباط) 2017. ومن تلك التقارير التي تناولت هذا الوضع الجديد ما نشر أخيراً في مجلة «الحرب الطويلة»، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). فقد أشارت المجلة إلى عودة «حركة الشباب» الصومالية المتطرفة لصدارة المشهد الإرهابي في القرن الأفريقي، وبالصومال تحديداً، مما يشكل تحدياً للسلطات الرسمية، ولجهود القوات الأفريقية، وقوات «أفريكوم».
وفي هذا السياق، تتبعت المجلة هجمات تنظيم أحمد ديري أبو عبيدة في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2017 وأبريل (نيسان) 2018، مسجلة أن وتيرة هجماته الإرهابية تدل على نوعيتها، وازدياد عددها، وتوسيع الجغرافية المستهدفة من «حركة المجاهدين»، مما يؤشر إلى توسع تنظيمي، وقدرة فائقة على السيطرة والانتشار في جغرافية جديدة، لم يكن للتنظيم نفوذ قوي فيها.
فقد استطاعت «حركة الشباب» الإرهابية شن 418 هجوماً في ظرف 6 أشهر، وبالتحديد في الفترة ما بين أكتوبر 2017 وأبريل 2018، وتسارعت وتيرة هجماتها في شهر أغسطس (آب) الحالي، وأصبحت شبه يومية. وفي مؤشر على تصاعد قوة التنظيم الإرهابي، لم تعد هجماته تتركز على العاصمة مقديشو ونواحيها، التي شهدت 125 هجوماً في 6 أشهر، بل استطاع التنظيم الوصول إلى وسط وجنوب البلاد، وبلدات ومناطق بعيدة عن العاصمة، يسيطر عليها الجيش الصومالي والقوات الأفريقية، ونفذ فيها 277 هجوماً.
كما استطاعت هذه الحركة المتطرفة، المنبثقة عن اتحاد المحاكم الإسلامية الصومالية، أن تنفذ في الفترة المشار إليها أعلاه 16 هجوماً إرهابياً داخل التراب الكيني.

هجمات مكثفة
ويبدو أن تنظيم «حركة الشباب» استعاد قوته، وأصبحت تحركاته أكثر انسيابية، مع ربح حاضنة اجتماعية جديدة، في رقعة جغرافية شاسعة. وتدل على ذلك وتيرة الهجمات التي أخذت في الشهر الماضي طابعاً تصاعدياً ونوعياً، حيث تجاوزت في بعض الأحيان 3 هجمات في الأسبوع الواحد. فقد شن «شباب المجاهدين» هجوماً إرهابياً يوم 12 سبتمبر (أيلول) الحالي على مدينة مركا، مركز بإقليم شبيلي السفلى، التي تبعد بنحو 90 كيلومتراً عن العاصمة مقديشو، حيث اقتحم مقاتلو التنظيم بعض أحياء المدينة قبل أن ينسحبوا منها.
من جهتها، أشارت السلطات الكينية، الأسبوع الماضي، إلى أن تنظيم «حركة الشباب» استطاع رفع وتيرة الهجمات، وكذلك وسع من استقطابه للشباب في المحافظات الشمالية في كينيا، المتاخمة للحدود الصومالية. وأكد علي روبا، حاكم منديرا، أن مقاتلي التنظيم يقومون حالياً بعملية تجنيد واسعة على الحدود، وفي عمق التراب الكيني، مما يشكل تهديداً حقيقياً لبلده. كما أشار إلى أنه «لم يتغير أداء الحكومة الوطنية في مجال الأمن؛ نحن بحاجة إلى تحسين نهجنا لمعالجة التطرف والإرهاب».
ومن العمليات النوعية التي تشير إلى قدرة تنظيم الشباب على المس بالاستقرار، وإرباك الدولة الصومالية الهشة، الهجوم الذي نفذه التنظيم الإرهابي يوم 23 يوليو (تموز) الماضي على إحدى القواعد العسكرية جنوب الصومال، والذي أسفر عن مقتل 27 جندياً. وقد تمكنت الحركة من السيطرة على القاعدة العسكرية البعيدة عن ميناء كيسمايو نحو 50 كيلومتراً.
وفي السياق نفسه، نفذ التنظيم المتطرف هجوماً على عدة قواعد عسكرية لقوات الحكومة الصومالية في مدينة دينسور، بإقليم باي بولاية جنوب غربي الصومال، بداية الشهر الحالي. وبحسب تصريحات رسمية، فإن الهجمات أسفرت عن مقتل جندي صومالي، وإصابة اثنين آخرين، كما قتل 4 من مقاتلي «حركة الشباب» الذين شنوا هجوماً من عدة محاور على القواعد العسكرية.
وبعد يوم واحد فقط من هذه العملية، شنت «حركة الشباب المجاهدين» هجوماً كبيراً في ولاية غلمدغ. وأوضح أحمد دعالي جيلي أن التنظيم الإرهابي تمكن في هذا الهجوم من اختطاف ما يقرب من 70 شيخاً من شيوخ القبائل في الولاية، وتوجه بهم الإرهابيون لقاعدة الحركة بمدينة عيل بور، التي تسيطر عليها الحركة المتطرفة، والواقعة في الأقاليم الوسطى في الصومال.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم يأتي بعد تصاعد الخلافات بين قبائل المنطقة مع التنظيم الإرهابي، إثر مطالب من هذا الأخير تتعلق بتجنيد المزيد من أبناء المنطقة في صفوف مقاتلي «حركة الشباب». وتحولت الخلافات لمواجهات متقطعة في مناطق قريبة من مدينة حررطيري، في إقليم مدغ بالولاية، في شهر سبتمبر الحالي، قبل أن يشن التنظيم المتطرف هجومه على المنطقة، ويختطف الشيوخ، الذين لا يزالون رهائن بيد التنظيم.
وفيما يخص العاصمة ونواحيها، شن التنظيم الإرهابي، بقيادة أحمد ديري أبو عبيدة، هجوماً واسعاً على مدينة أفجوي القريبة من العاصمة مقديشو الأسبوع الماضي، واستمر القتال بين مقاتلي التنظيم والقوات الصومالية، مدعومة بالقوات الأفريقية، لساعات، تمكن فيها مقاتلو التنظيم الإرهابي من السيطرة على عدة أحياء بالمنطقة. كما أسفرت المعركة، وفقاً لبيانات رسمية، عن مقتل 3 جنود صوماليين، وجرح 6 آخرين، فيما تمكن الإرهابيون من الانسحاب من المنطقة.
وفي الإطار نفسه، شنت «حركة الشباب»، الأسبوع الماضي، هجوماً كبيراً على مدينة مركا، مركز محافظة شبيلي السفلى، جنوب العاصمة مقديشو، شارك فيه العشرات من مقاتلي التنظيم، ووقع خلاله تبادل عنيف لإطلاق النار، قبل أن ينسحب المهاجمون من المنطقة. وأشار مدير مركا، حسن معلم، إلى أن الهجوم فشل بفضل العمل الاستخباراتي، وعلم السلطات بتوقيت الهجوم الإرهابي.

الغارات الأميركية
ووفقاً للمتغيرات الجديدة، التي أخذت بعين الاعتبار هشاشة الوضع الأمني والمؤسساتي الصومالي، تحاول الولايات المتحدة الأميركية تقديم مزيد من الدعم، عبر تكثيف الغارات على مواقع «حركة الشباب» الصومالية. ومن الغارات الأخيرة الحديثة المعلنة، من طرف الجيش الأميركي، على مواقع لتنظيم الشباب، ما أعلنته قيادة «أفريكوم»، الشهر الماضي، وهي التي أسفرت عن مقتل 3 من مقاتلي حركة الشباب، في منطقة تبعد 40 كم من العاصمة الصومالية مقديشو.
وفي مؤشر واضح على تصاعد الغارات الجوية ضد التنظيم المتطرف، شنت طائرة، يعتقد أنها أميركية، هجوماً يوم الفاتح من سبتمبر على قاعدة عسكرية لـ«حركة الشباب» بمدينة بؤالي، مركز إقليم جوبا الوسطى، جنوب الصومال. وبعد أسبوع من هذا الحدث، عادت طائرة مجهولة لتنفيذ هجوم ليلي في منطقة بمدينة جلب» في إقليم جوبا الوسطى، جنوب الصومال، أسفر عن قتل قيادي من «حركة الشباب».
ووفقاً لأحدث تقرير لمجلة «الحرب الطويلة»، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، فإن السياسة الجديدة لتتبع الإرهابيين بالصومال تتركز على «حركة الشباب»، في سعي حثيث للحد من نفوذ التنظيم وتقويض قوته. فقد أشار الباحث المتخصص بيل روجيو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمحرر بمجلة «الحرب الطويلة» التابعة لوزارة الدفاع، والباحثة أليكساندرا جوتوسكي، محللة الشؤون العسكرية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أن وتيرة الغارات أظهرت ارتفاعاً في الغارات الجوية المستهدفة لتنظيم الشباب. ويبدو أن كثافة الهجمات الجوية تتجه لتجاوز الرقم القياسي المسجل لسنة 2017، حيث يشير الباحثان إلى أن «أفريكوم» شنت 21 ضربة ضد حركة الشباب في الصومال حتى الآن (مع غارتين غير معلنتين، مشار إليهما أعلاه).
هذا، ويلاحظ أن الهجمات الجوية سنة 2018 ضد حركة الشباب متفرقة، وأكثر توسعاً جغرافياً، من نظيرتها لسنة 2017، مما يدل على توسع نفوذ تنظيم «حركة الشباب» من الناحية الجغرافية. ويشير كل من الباحث بيل روجيو والباحثة أليكساندرا جوتوسكي في هذا الصدد إلى الغارتين الجويتين في يونيو (حزيران) 2018، اللتين شنتهما الولايات المتحدة ضد حركة الشباب في محيط بوساسو، شمال الصومال، وغارات شهر أغسطس 2018، حيث استؤنفت الهجمات في الجنوب، بعيداً عن العاصمة مقديشو.
ورغم كل هذه المجهودات، فإن «حركة الشباب» لا يزال قادراً على الضرب بقوة في أماكن عدة داخل العاصمة، وفي وسط البلاد وجنوبه. وتعترف التقارير الرسمية الأميركية بأن الجهد المبذول سنة 2017 لم يكن كافياً، وأن هناك صعوبات تعترض الانتصار على «الشباب المجاهدين»، خصوصاً أن الصومال دولة من دون جيش.
وبهذا، يفسر التقرير الأخير لمجلة «الحرب الطويلة» تركز «الهجمات الأميركية الجوية لعام 2017 ضد حركة الشباب بشكل كامل في جنوب الصومال، خصوصاً بمنطقة جيليب والمناطق المحيطة بها، التي تعتبرها ملاذاً آمناً ومعروفاً لشبكة القاعدة في شرق أفريقيا». ووفقاً للتقارير الأميركية الصادرة عن وزارة الخارجية حول الإرهاب لعام 2016، فإن حركة الشباب تحتفظ بملاذ آمن في وادي نهر جوبا، وتسيطر على «عدة قرى وبلدات في جميع أنحاء منطقة جوبالاند، بما في ذلك جانايل وجيليب وكونيو بارو».
وبكلمة، يمكن القول إن هناك عوامل داخلية تساعد على العودة القوية لحركة الشباب الإرهابية. ومن هذه العوامل المثارة في الأسبوعين الأولين من أغسطس 2018 ما يرتبط بالصراعات الدائمة الجارية وسط النخبة العسكرية والأمنية والسياسية الصومالية.
يشار إلى أن نشر وثيقة تتهم مدير الاستخبارات بالتعاون مع «الشباب»، جاء بعد إصدار الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو مرسوماً رئاسياً أعفى بموجبه عبد الله عبد الله من قيادة وكالة المخابرات الوطنية، كما جرده المرسوم من جميع الرتب العسكرية، واتهمه بخرق قانون القوات المسلحة، والقوانين الفرعية المنظمة لوكالة الاستخبارات والأمن القومي.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».