المحافظون يفتتحون مؤتمرهم السنوي وسط انقسام شديد حول «بريكست»

56 % من البريطانيين يعتقدون أن تداعيات الخروج ستكون أسوأ من المتوقع

وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي قد يتحدى تيريزا ماي للفوز بزعامة حزب المحافظين استقال من الحكومة لاعتراضه على خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي (أ.ب)
وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي قد يتحدى تيريزا ماي للفوز بزعامة حزب المحافظين استقال من الحكومة لاعتراضه على خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي (أ.ب)
TT

المحافظون يفتتحون مؤتمرهم السنوي وسط انقسام شديد حول «بريكست»

وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي قد يتحدى تيريزا ماي للفوز بزعامة حزب المحافظين استقال من الحكومة لاعتراضه على خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي (أ.ب)
وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي قد يتحدى تيريزا ماي للفوز بزعامة حزب المحافظين استقال من الحكومة لاعتراضه على خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي (أ.ب)

تواجه رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي ضغوطا كبيرة بسبب سياستها المتعلقة بالخروج، حتى داخل حزبها (المحافظين). وستضطر ماي إلى مواجهة خصومها خلال مؤتمر الحزب الذي يبدأ أعماله اليوم الأحد وعلى مدار أربعة أيام في مدينة برمنغهام بوسط إنجلترا. ومع بدء توافد أمس السبت أعضاء الحزب، وسط انقسام شديد بينهم على خطة ماي للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، كشف استطلاع أن غالبية مواطني البلاد يرون أن تداعيات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ستكون أسوأ مما توقعوه إبان إجراء الاستفتاء على مغادرة التكتل، قبل عامين. وأوضحت نتائج الاستطلاع التي نشرتها شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية البريطانية أمس السبت أن 56 في المائة من البريطانيين يرون أن تداعيات الخروج ستكون أسوأ مما كان متوقعا قبل عامين، مقابل 9 في المائة فقط توقعوا أن ينتهي الخروج بصورة أفضل، فيما لم يغير 26 في المائة رأيهم منذ إجراء الاستفتاء صيف 2016. حيث توقعوا أن تكون تداعيات الخروج بنفس درجة السوء التي ذكروها من قبل. وأظهرت النتائج استطلاع معهد «سكاي داتا» أن 43 في المائة ممن صوتوا لصالح الانفصال في استفتاء يونيو (حزيران) 2016 أصبحوا لا يتوقعون أن يكون للخروج عواقب إيجابية على بلادهم، كما اعتقدوا في السابق، مقابل 15 في المائة منهم رأوا أن مستقبل بريطانيا سيكون أفضل مما توقعوه، بينما ظل 34 في المائة ممن صوتوا للانفصال، عند رأيهم.
وبحسب التخطيط الحالي، من المنتظر أن تنفصل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي في التاسع والعشرين من مارس (آذار) المقبل، غير أن المفاوضات بين الجانبين لا تمضي قدما. وقالت ماي إن المحادثات بهذا الصدد تواجه أزمة، مما ينذر بخروج بريطانيا دون اتفاق الأمر الذي سيؤثر بقوة على الاقتصاد البريطاني، كما حذر البنك المركزي البريطاني. وبينما شددت ماي على أن خطة «تشيكرز» هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق قال زعماء بالاتحاد الأوروبي إن بعض المقترحات الواردة فيها غير مقبولة كما هدد كثير من المحافظين بالتصويت ضد اتفاق يعتمد على هذه الخطة. ومع وصول مشرعين ممثلين للمحافظين وأعضاء بالحزب لحضور المؤتمر السنوي، حيث من المتوقع أن يبدأ المؤتمر في أجواء صعبة اليوم الأحد قال كثير منهم إن خطة «تشيكرز» لا مجال لتطبيقها ويجب التخلص منها نهائيا. ودعا وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي استقال بسبب هذه الأزمة، وهو من دعاة الخروج من الاتحاد، إلى اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي مؤكدا أن المقترحات الحالية ستجعل بريطانيا «خاضعة» للاتحاد. ورغم أن ماي ووزراء حكومتها يواصلون التعبير بثقة عن إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي للخروج من الاتحاد، فإنهم أيضا يؤكدون أن «عدم إبرام اتفاق سيكون أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ».
ومن جانب آخر ذكر نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فالديس دومبروفسكيس، أن خطط إيطاليا لزيادة عجزها العام بشكل كبير لا تتماشى على الإطلاق والتزامات ضبط الميزانية الخاصة بالاتحاد الأوروبي. وقال دومبروفسكيس، في حوار مع صحيفة «كوريري ديلا سيرا»: «من الواضح أن استراتيجية الميزانية، التي جرى تقديمها وتتوقع زيادة كبيرة في العجز الميزانية وليس خفضا، تتعارض مع التزامات إيطاليا». وكانت الحكومة الإيطالية الشعبوية قد حددت عجزها المستهدف لعام 2019 بنسبة 4.‏2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وليس نسبة الـ8.‏0 في المائة التي حددتها الإدارة السابقة ونسبة الـ6.‏1 في المائة التي أوصى بها وزير الاقتصاد جيوفاني تريا. والخطوة التالية هي أن تقدم إيطاليا خططا مفصلة عن الميزانية لمفوضية الاتحاد الأوروبي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويمكن أن ترفضها المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، أو تطالب بمراجعات جوهرية.
ويهدف الاقتراض الإضافي إلى تمويل خفض سن التقاعد وخفض الضرائب، وإعانات الدخل الأساسية للفقراء وهو ما تعهد به حزبا حركة خمس نجوم والرابطة الشمالية قبل الفوز بانتخابات مارس (آذار). يشار إلى أن زيادة أعلى في العجز تعتبر مشكلة لإيطاليا لأن دينها العام هو واحد من بين الأعلى في العالم، حيث تبلغ نسبته 130 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل نسبة الـ60 في المائة التي تستهدفها منطقة اليورو.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟