تونس: العد العكسي لنهاية ائتلاف حاكم

سباق مع الزمن بين أنصار القطيعة ودعاة التوافق

تونس: العد العكسي لنهاية ائتلاف حاكم
TT

تونس: العد العكسي لنهاية ائتلاف حاكم

تونس: العد العكسي لنهاية ائتلاف حاكم

أحدثت تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن القطيعة مع حزب «حركة النهضة»، أكبر التنظيمات الإسلامية في تونس، زوبعةً غير مسبوقة داخل الطبقة السياسية وصناع القرار السياسي والمراقبين الأجانب لتجربة الانتقال الديمقراطي في البلاد. ولقد تراوحت ردود الفعل على تلك التصريحات بين استبشار بعض المعارضين بتصدّع الائتلاف الحاكم بين «النهضة» وحزب «نداء تونس» - حزب الرئيس -، واعتراضات قوية عليها في محاولة لتجنب القطيعة النهائية بين الحزبين اللذين اعتبر الرئيس التونسي وزعماء «النهضة» أن التوافق بينهما منذ خمس سنوات كان وراء نجاح ما سُمّي بالاستثناء الديمقراطي التونسي. فهل ينتصر دعاة العودة إلى القطيعة والصدام بين العلمانيين والإسلاميين، أم أولئك المتمسّكون بخيار التوافق وتبادل التنازلات السياسية؟ وكيف سيتطوّر المشهد السياسي بعد تعمّق الهوّة بين جناحي الحزب الحاكم من جهة، ومؤسستي رئاسة الجمهورية بزعامة الباجي قائد السبسي ورئاسة الحكومة بزعامة يوسف الشاهد من جهة ثانية؟

في ظل انحياز قيادة حزب «حركة النهضة» الإسلامي التونسي وعشرات من أعضاء البرلمان من تيارات مختلفة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مقابل اصطفاف قيادة النقابات والحزب الحاكم ضده، ارتسمت علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كان الشاهد وحلفاؤه سيربحون معركتهم المفتوحة مع قصر قرطاج الرئاسي ونجل الرئيس حافظ الباجي قائد السبسي وحلفائه، أم يحصل العكس.
إنه، حقاً، السباق مع الزمن بين أطراف سياسية واجتماعية كثيرة تسير في خطّين متوازيين: خط التوافق، وخط القطيعة والصدام، مع أن عين كل السياسيين مصوّبة منذ الآن نحو انتخابات العام المقبل الرئاسية والتشريعية التي أكد الرئيس التونسي تنظيمها في موعدها.
تصريحات الرئيس الباجي قائد السبسي تحدّثت لأول مرة منذ انتخابات 2014 عن القطيعة مع قيادة «النهضة»، على الرغم من تنويهه بعلاقاته الشخصية بزعيم الحركة راشد الغنوشي. في المقابل وجه علي العريِّض، رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس «النهضة»، رسائل تطمين جديدة للرئيس قائد السبسي. ولقد حاولت تصريحات العريِّض ورفاقه محاصرة الأزمة، ونفت أن تكون رئاسة الحركة أرادت توجيه رسائل سياسية إلى الرئيس توحي بالقطيعة معه ومع قيادة الحزب السياسي الذي أسسه قبل 6 سنوات، وتمكن بفضله من الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2014.

انحياز للشاهد ضد نجل الرئيس

غير أن المعطيات الموضوعية تؤكد أن الخلافات بين قيادات الحزبين الكبيرين المشاركين في الائتلاف الحاكم خلافات حقيقية، وتعمقت منذ مطلع العام الحالي بسبب معارضة قيادة «النهضة» دعوات الرئيس ونجله إلى إسقاط حكومة يوسف الشاهد، وانحيازها إليه في خلافاته مع زعيم الحزب الذي أوصله وغالبية الوزراء وأعضاء البرلمان إلى الحكم قبل 4 سنوات.
في المقابل، تمسكت «النهضة» بموقفها بحجة الدفاع عن الاستقرار الحكومي والسياسي وطنياً، وهذا، رغم المطالبات العلنية بإقالة الشاهد الصادرة عن الرئيس التونسي ونجله حافظ المدير التنفيذي للحزب الحاكم وعن زعيمي نقابات العمال نور الدين الطبوبي واتحاد رجال الأعمال سمير ماجول... وكذلك عن قيادات أحزاب المعارضة مثل عصام الشابي أمين عام «الحزب الجمهوري» وغازي الشواشي زعيم حزب «التيار الديمقراطي» ومحسن مرزوق الوزير السابق وزعيم حزب «مشروع تونس».

معركة الكل ضد الكل

واستفحل الأمر منذ مايو (أيار) الماضي، عندما قرر الرئيس التونسي والزعيم المؤسس لـ«نداء تونس» تعليق العمل بما سُمّي بـ«وثيقة قرطاج» بنقاطها الـ64 التي صاغها مسؤولون في رئاسة الدولة وخبراء سياسيون ونقابيون طوال 4 أشهر، وضمنوها استراتيجية جديدة وتصورات شاملة لمعالجة مشكلات تونس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
والواقع، أن الأفرقاء السياسيين وصلوا إلى هذا المأزق بسبب اعتراض «النهضة» على النقطة 64 من «وثيقة قرطاج 2» الخاصة بتغيير رئيس الحكومة، ودعت إلى تكليف الحكومة نفسها بتنفيذ الاستراتيجية الجديدة واللجوء عند الاقتضاء إلى تغيير بعض الوزراء دون المساس برئيسها الشاهد. ومن ثم، تعمقت الهوة بين الطرفين لما أدلى الشاهد بحوار تلفزيوني حمّل فيه نجل الرئيس والمسؤول الأول في حزب «نداء تونس» حافظ قائد السبسي مسؤولية جلّ الأزمات التي تعاني منها البلاد ومؤسسات «نداء تونس»، وبينها خسارته نحو مليون صوت في الانتخابات البلدية العامة التي نظمت يوم 6 مايو الفائت مقارنة بانتخابات. يذكر أن «النداء» حصل في تلك الانتخابات على المرتبة الثانية بعد «النهضة» بعدما سبق له التفوق عليها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة بنحو نصف مليون صوت.
وهكذا، أوجدت «معركة الكل ضد الكل»، منذ مطلع الصيف المنقضي، اصطفافاً سياسياً بين قطبين سياسيين: الأول بزعامة رئيس الجمهورية ونجله وقطاع من كوادر «نداء تونس» والزعماء النقابيين، والثاني بزعامة رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي فتح في الوقت عينه عدداً من الملفات السياسية التي منحته شعبية نسبية، من بينها بعض ملفات سوء التصرف والفساد، واستفاد من دعم «النهضة» صاحبة الكتلة الأولى في البرلمان له. وفي ظل هذا الدعم والخلافات الكبيرة داخل حزب «النداء» والمعارضة الليبرالية واليسارية، عجزت رئاسة الجمهورية عن إقالة حكومة الشاهد عبر البرلمان.

ورقة الإسلام والحداثة

في هذه الأثناء تحرّكت قيادات من القطبين لبناء جبهات انتخابية سابقة لأوانها تأهباً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة في العام المقبل. ولقد استخدم الرئيس التونسي في الأثناء ورقة سياسية ثقافية اجتماعية توقّع أن ينجح من خلالها في توجيه ضربة قوية إلى «النهضة» وحلفائها، وبينهم رئيس حكومته المتمرد. إذ غيّر قائد السبسي سلاح الصراع فتبنّى مشروعاً جديداً لتعديل قانون الأحوال الشخصية المثير للجدل يشمل المساواة في الإرث، كانت قد أعدته لجنة من الخبراء العلمانيين الليبراليين واليساريين بزعامة الخبير في الدراسات الحضارية والأديان المقارنة عبد المجيد الشرفي والحقوقية النسوية بشرى بالحاج أحميدة. هذا المشروع نجح في إبراز اصطفاف انتخابي سابق مبكّر شبيه بما جرى في 2014 بين ما سُمّي بتياري الحداثة والهوية، أو تياري التجديد والمحافظة. وكسب قائد السبسي وأنصاره بفضل هذا المشروع دعماً كبيراً من داخل النخب الحداثية والنسوية والإعلامية والثقافية التونسية والأجنبية، مثلما كشفته وسائل الإعلام التونسية والمظاهرات المناصرة له والمعارضة لـ«حركة النهضة»، مع اتهامها بالمحافظة والتزمت.
بيد أن استطلاعات الرأي، التي أعدتها مراكز مستقلة تونسية وأجنبية، بينها مؤسسة «سيغما كونساي»، كشفت أن الغالبية الساحقة من التونسيين والتونسيات يتحفّظون على المشروع الرئاسي للمساواة بين الجنسين في الإرث، ويعارضون بقوة بعض توصياته التحررية الأخرى، بينها الإقرار بحقوق المثليين والعلاقات الجنسية خارج مؤسسة العائلة.
وبالتالي، استرجعت «النهضة» موضوعياً دعماً معنوياً وسياسياً من نحو مليون من ناخبيها المحافظين والمتدينين، الذي صوّتوا لمرشحيها في انتخابات 2011، ثم خسرت أصواتهم في انتخابات 2014 البرلمانية وانتخابات 2018 البلدية، في أعقاب ما اتهمت به من تنازلات سياسية وفقهية تحت ضغط العلمانيين والعواصم الغربية، وذلك في سياق محاولاتها البرهنة على الصبغة المدنية للحركة، وعلى قبولها التأقلم مع قيم الحداثة والمعاصرة.

الذكرى الخامسة للقاء باريس

هذا الاصطفاف السياسي والانتخابي، والبدء المبكّر لعملية التحضير لانتخابات 2019، أبرزا رئيس الحكومة يوسف الشاهد الشاب (42 سنة) في موقع المرشح الأوفر حظاً لخوض مغامرة الرئاسيات المقبلة. وحقاً، نجح الشاهد في أن يجمع حوله قطاعاً من كوادر حزبه ومن المنشقّين عنه، إلى جانب تيار من نشطاء «النهضة» الذي قد يكتفي بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية على غرار ما فعل في 2014، بسبب المعارضة الإقليمية والدولية لوجود محسوبين على تيارات الإسلام السياسي على رأس الدولة.
وعلى الرغم من أجواء الإجازات الصيفية والأعياد، تواصلت المقابلات بين قيادات من الحزبين الكبيرين من جهة، وبين الرئيس التونسي ورئيس «النهضة» حليف رئيس الحكومة من جهة ثانية. لكن الأوضاع تطورت سلباً، وكادت تؤدي إلى قطيعة عندما أدلى الرئيس التونسي بتصريحات تلفزيونية تتهم الحكومة الحالية ورئيسها بالولاء لـ«حركة النهضة»، وبخسران حزامها السياسي الذي كان يضم النقابات ونحو 5 أحزاب.

خلط أوراق

قيادة «حركة النهضة»، من جانبها، ردّت الفعل، وشنّت حملة واسعة لمنع القطيعة مع الرئيس التونسي والموالين له في حزبه عبر نشر رسالة مطوّلة وجهها رئيسها راشد الغنوشي إلى الرأي العام في مختلف وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية بمناسبة الذكرى الخامسة لـ«لقاء باريس» بينه وبين الباجي قائد السبسي الذي كان يتزعّم المعارضة. وأسفر اللقاء، الذي عقد في أغسطس (آب) 2013، بعد أسابيع قليلة من إسقاط حكم الدكتور محمد مرسي و«الإخوان المسلمين» في مصر، عن اتفاق بين قائد السبسي والغنوشي على أن تتنازل «النهضة» عن السلطة لفائدة «حكومة تكنوقراط» تشرف على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في 2014. وذكر الغنوشي، في رسالته المفتوحة إلى الشعب وإلى السياسيين، في الذكرى الخامسة لـ«اتفاق باريس»، بأن حركته تنازلت عن الحكم وهي في أوج القوة... فجنّبت البلاد أزمات وصراعات وحمامات دم، وأنجحت مجدداً خيار التوافق التونسي والانتقال الديمقراطي السلمي.
ونوّه الوزير السابق للخارجية رفيق عبد السلام (من «النهضة») بالمناسبة بحاجة تونس إلى التمسك بخيار التوافق بين قطبي الائتلاف الحاكم الذي بدأ في باريس في صيف 2013 بين قائد السبسي والغنوشي. وأورد عبد السلام أن التوافق بين «النهضة» مع الباجي قائد السبسي وأنصاره «لم يكن صفقة انتهازية أو خياراً تكتيكياً أو مناورة ظرفية، بل خياراً مبدئياً استفادت منه تونس وكل الأطراف... وأن حركة النهضة خرجت من الحكم في موفى 2013 ولكنها لم تخرج من السياسة. لم تنقذ نفسها وحسب من محرقة كانت تعد لها، بل أنقذت بانسحابها من السلطة الثورة من الارتداد، وأنقذت ما غدا يعرف بالنموذج التونسي والاستثناء التونسي: واحة للحرية والديمقراطية وسط فضاء عربي ضربه إعصار مدمّر».
كذلك اعتبر الوزير السابق للعدل نور الدين البحيري، أن البلد سيكون عرضة لمفاجآت خطيرة إذا ما ساير دعاة القطيعة والصدام والعنف والابتعاد عن مسار التوافق السياسي والمجتمعي بين قيادات الحزبين الكبيرين وبقية مكوّنات المجتمع المدني.

تطمينات وميزان قوى

ولكن، في مثل هذه الظروف، ثمة من يسأل: هل يكفي التذكير بهذا المسار لإقناع قائد السبسي وأنصاره وخصومه العلمانيين والليبراليين واليساريين المناصرين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بضرورة تجنب «سيناريو» دفع تونس مجدداً نحو القطيعة والعنف والعنف المضاد بين حزبي «النداء» و«النهضة»، أو بين تياري الحداثيين والمحافظين؟ وألن تربك أوضاع تونس الاقتصادية والاجتماعية، التي تدهورت كثيراً، دعاة الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتساهم في تفجير اضطرابات اجتماعية وأمنية جديدة يكون الشباب والعاطلون وقودها؟
الجميع في الحكم والمعارضة، داخل التيارات الحداثية والمحافظة، يقرّ بأن الأوضاع باتت هشة جداً في تونس وفي محيطها الإقليمي، وبأن انهيار العملة التونسية واستفحال المديونية وتنامي العجز التجاري ونسب البطالة والفقر، من التطورات الخطرة التي لا يخدمها إضعاف الدولة المركزية والإدارة، أو دفع السياسيين نحو القطيعة والصدام والعنف والعنف المضاد.

اليسار التونسي: المستفيدون من القطيعة كثيرون

> لكن، في الوقت ذاته كشفت ردود فعل زعماء من المعارضة اليسارية مثل حمّة الهمامي زعيم حزب «العمال الشيوعي»، وزياد الأخضر زعيم حزب «الوطنيين الديمقراطيين»، ومحمد عبو زعيم «التيار الديمقراطي»، أن المستفيدين من القطيعة بين حزبي الائتلاف الحاكم كثيرون. ولعل الأهم بالنسبة لهؤلاء جميعاً تحسين موقع الأطراف السياسية والحزبية المعارضة في الوقت نفسه للإسلاميين ولحلفائهم أنصار النظام السابق تحت يافطة حزب «نداء تونس» حيناً و«الائتلاف الوطني» حيناً آخر.
ويقلل الهمامي والأخضر ورفاقهما في اليسار النقابي والسياسي من أهمية الحديث عن قطيعة وصدام بين قيادات «النهضة» و«النداء»، أو بين قائد السبسي والشاهد والغنوشي، ويعتبرون أن أركان السلطة الحالية جميعاً «متحالفون مع مناصري الرأسمالية التقليدية داخل تونس، ومن بين تلامذة صندوق النقد الدولي والرأسمالية العالمية المتوحشة من جهة ثانية».
كذلك كشفت ردود فعل قياديين بارزين في اتحاد نقابات العمال، مثل سامي الطاهري وسمير الشفي، أن «الاتحاد العام التونسي للشغل» ماضٍ في التصعيد الاجتماعي، وفي التلويح بالإضراب العام في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين، لأسباب عديدة؛ من بينها محاولة إسقاط الحكومة وتغيير المشهد السياسي بما من شأنه إبراز قوة سياسية ثالثة تستفيد من تراجع شعبية حزبي الائتلاف الحاكم الحالي والفوز بغالبية نسبية في انتخابات العام المقبل.

موازين القوى... والبديل المحتمل

يعتبر وزير التربية السابق والقيادي في حزب «نداء تونس» ناجي جلول، أن المشهد السياسي القادم في تونس لن يتحكم فيه مستقبلاً حزبا «النهضة» و«النداء»، ولكن الطرف السياسي الجديد الذي يمكن أن يفوز بأغلبية نسبية في الانتخابات البلدية المقبلة.
ويمضي جلول قائلاً: «إذا كانت كتلة حركة النهضة في البرلمان تحكمت في المشهد السياسي الحالي اعتماداً على 68 نائباً من بين 217 عضواً في البرلمان، واستفادت من تشرذم السياسيين، فإن البرلمان المقبل يمكن أن تتحكم فيه كتلة سياسية جديدة لديها أقل من 50 نائباً فقط». كما اعتبر 80 من بين قيادات حزب الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي أعلنوا انشقاقهم مؤخراً، وبينهم الوزيران السابقان عدنان منصر وطارق الكحلاوي، أن المشهد السياسي أصبح اليوم هشاً جداً، ويفتقر إلى زعماء يحترمون فعلاً الديمقراطية داخل أحزابهم وفي البلاد.
ومن ثم، ثمة من يتساءل: كيف سيتغير المشهد السياسي قبل انتخابات العام المقبل في ظل كل هذه التعقيدات؟ وهل يمكن صنع زعماء جدد في ظرف بضعة أشهر يكونون قادرين على كسب ثقة ملايين الناخبين؟ وهل يمكن لغالبية الناخبين والشباب المصابين بالإحباط بسبب إخفاقات أغلب النخب الليبرالية واليسارية والإسلامية الحاكمة والمعارضة أن يسترجعوا الثقة في صناديق الاقتراع وفي شعارات التداول السلمي على السلطة؟
كل الفرضيات واردة... لكن يبدو اليوم أن السباق على أشده بين أنصار التهدئة والتوافق من جهة، ودعاة القطيعة والصدام من جهة ثانية.
المعركة في 2013 حُسمت لصالح أنصار التوافق والائتلاف، لأن موازين القوى الداخلية والخارجية لم تكن لصالح حكومة «النهضة» وحلفائها ولا لفائدة معارضيها الاستئصاليين، وبينهم رموز النظام السابق. واليوم قد يستفيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد وأنصاره، وبينهم وزراء وبرلمانيون ورجال أعمال، من إعلان القطيعة بين قصر قرطاج وقيادة «النهضة» لبناء حركة سياسية ثالثة مطلع العام الجديد تكون نواتها كتلة برلمانية جديدة ترفع شعار «التغيير» وكسب انتخابات موفى 2019.
كذلك قد تدعم بعض لوبيات المال والإعلام طرفاً سياسياً جديداً يعدّل المشهد السياسي، ويضع حداً للاستقطاب الثنائي الذي تعاني منه تونس منذ 40 سنة بين قطبين يتنازعان الحداثة والمحافظة، أو الليبرالية والدفاع عن الأصالة والهوية، أو العلمانية والإسلام.
وفي كل الحالات لا بد من توافر شروط عديدة، من بينها بروز زعماء جديد يتمتعون بالمصداقية والإشعاع، ويتصالحون مع الشباب والطبقات الوسطى والشعبية التي تعمقت القطيعة بينها وبين كل السياسيين بيمينهم ويسارهم منذ سنوات.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.