ماذا بقي من الحركات النسوية؟

على هامش كتاب «الخروج من العزلة»

ماذا بقي من الحركات النسوية؟
TT

ماذا بقي من الحركات النسوية؟

ماذا بقي من الحركات النسوية؟

تطرح ناهد بدوية في كتابها «الخروج من العزلة» الفلسفة النقدية النسوية من جميع جوانبها.
وتقسم كتابها بشكل أكاديمي ناجح إلى عدة وحدات تعطي القارئ فكرة شاملة عن فلسفة الحركات النسوية، مستعرضة المراحل التي مرت بها من المرحلة الأولى إلى الثالثة. وهي تنتقل بسلاسة من مرحلة إلى أخرى، مستعرضة كلا منها بدقة، متناولة أغلب المعلومات والمصادر المتعلقة بها لتنقل لنا صرخة المرأة، المتكررة في المرحلتين الأولى والثانية، في وجه الرجل: «أنا مثلك لماذا تضطهدني؟»، فيما كانت صرخة امرأة النسوية الثالثة «أنا مختلفة عنك ولكني لست أقل منك، ولا أكثر منك، لماذا تضطهدني؟».
تطرقت الباحثة في البدء إلى «الفلسفة النسوية والإبستمولوجيا»، و«الفلسفة النسوية والعلم»، «والفلسفة النسوية والأخلاق»، ثم «النظرية النقدية النسوية»، و«النسوية الليبرالية»، «والنسوية الاشتراكية الماركسية»، إضافة إلى «النسوية الوجودية»، و«النسوية الراديكالية» «ونسوية ما بعد الحداثة» و«النسوية الإيكولوجية البيئية»، وكذلك تناولت «نضال المثليات» و«حركة النسويات السوداوات»، «والنسوية المتعددة الثقافات»، وكذلك «النسوية المعتمدة على التحليل النفسي»، وأخيرا «النسوية التطورية والرجال النسويون».
تقول في مقدمتها: «ما حاولت تقديمه في هذا الكتاب بصورة رئيسة هو التعريف بالنسوية الثالثة والنظرية النسوية الحديثة، ثم رصد تاريخ تطور الأفكار النسوية. والأفكار النسوية بالتعريف هي الأفكار التي تبحث في المشكلة التي تتعلق، كما ذكرنا، بأقوى هرم سلطة في التاريخ، وأكثرها مقاومة تأبيا على التغيير، ألا وهو الهرم الجنساني (أي تسيد الرجل على المرأة وتهميشها).
غطت ناهد بدوية معظم آراء المفكرين الأجانب الذين درسوا هذه الموضوعات، وناضلوا لأجلها، أما بالنسبة للنساء الرائدات العرب، فاكتفت بذكر نوال السعداوي الناقدة والكاتبة المصرية التي دافعت عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص. وكنا نتمنى لو أنها أشارت إلى جهود بعض المناضلات الرائدات في هذه الحركة النسوية، أمثال المغربية فاطمة المرنيسي الكاتبة المعاصرة التي ناضلت من أجل المساواة وحقوق المرأة، وكتبت أبحاثا كثيرة عن المرأة والمجتمع العربي، وحصلت على جائزة أمير أستورياس للأدب.
ومن جهة أخرى، الرائدة هدى الشعراوي التي أسست «الاتحاد النسائي المصري»، وشغلت منصب رئاسته حتى عام 1947. لتصبح فيما بعد رئيسة «الاتحاد النسائي العربي».
أكثر ما يلفت انتباهنا في كتاب ناهد بدوية «الخروج من العزلة» أنها اكتفت بجمع المصادر وتوثيقها دون تحليلها أو إعطاء اقتراحات أو طرح حلول أو إلقاء الضوء على طرق قد تساعد المرأة في التخلص من عزلتها، والتحرر من تلك الزنزانة التي تتعذب داخلها، بسبب العقلية السائدة والمسيطرة على المجتمع. ومن البديهي أن نظرة الشعوب إلى المرأة قد تغيرت عبر التاريخ؛ ففي المجتمعات البدائية الأولى كانت المرأة الأم تحظى بالسلطة العليا. ومع نمو المجتمع البرجوازي، ثم انتقاله إلى مرحلة الرأسمالية، أصبحت السلطة كاملة في يد الرجل.
لكن المرأة في أوروبا، بفضل نضال الحركات النسائية الطويلة، حصلت اليوم على كثير من حقوقها، كما فرضت الأنظمة العلمانية الديمقراطية المعاملة المتساوية بين الجنسين، خالقة بذلك إمكانيات التطور المتكافئ. ولكن يبقى السؤال الموجع متى تتحرر المرأة العربية ومتى تحصل على حقوقها كفرد لا يقل شأنا عن الرجل في مجتمعاتنا؟ للأسف، لم تناقش ناهد عدوية التأثيرات التاريخية والاجتماعية والثقافية التي على وضعية المرأة في العالم العربي، ولم تتطرق أيضا إلى تصورات كثير من قطاعات المجتمع وقسم من رجال الدين، البعيدة عن جوهر الدين وتعاليمه حول مكانة المرأة.. هذه التصورات التي كرست النظرة الدونية للمرأة، والتي انعكست في أمثال ومقولات اتخذت لبوس الحقائق الخالدة التي لا تقبل المراجعة.
والمسألة الثانية، إن الكتاب، الصادر حديثا، جاء متأخرا جدا، بعد شبه موت الحركة النسوية في أوروبا وحصول النساء على حقوقهن إلى حد بعيد.. كان ليحظى باهتمام أكبر لو أنه صدر أثناء المعارك الفكرية النسوية... ولكنه يبقى توثيقا لأحداث وحركات ظهرت في الماضي، ويمكن عده تاريخا للنظريات، ولكل ما يتعلق بالنسوية.
وأخيرا، هل ستساعد الثورات العربية المرأة في الخروج من عزلتها، تغيير واقعها ومجتمعها «لأن عصرنا الراهن عصر التعلم والعلم والاتصالات الرائع سوف يعطي الأطراف الراغبة بالتغيير قوة إضافية عالية القدرة، وسوف تنجح في مبتغاها»، كما تتساءل ناهد بدوية؟



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.