الجزائر: عودة الجدل بخصوص ضحايا «قوارب الموت»

عائلات 15 مهاجراً سرياً تناشد السلطات البحث عنهم بعد اختفائهم لأكثر من سنة

TT

الجزائر: عودة الجدل بخصوص ضحايا «قوارب الموت»

ناشدت عائلات جزائرية سلطات البلاد بالبحث عن أبناء لها ركبوا البحر في صيف 2017 باتجاه الضفة الشمالية للبحر المتوسط، لكن لم يظهر عنهم أي خبر منذ أكثر من عام، بعد أن ضاقوا ذرعا بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، فغادروا بلدتهم بشرق العاصمة إلى أوروبا، وكان عددهم 15 شابا، أكبرهم يبلغ من العمر 30 سنة، وأصغرهم 18 عاما.
مراد ورمزي وياسين ومحمد وبلال... والآخرون، تركوا آباءهم وأمهاتهم في حيرة وقلق بالغين بسبب انقطاع الاتصال بهم، بعد ساعات قليلة فقط من ركوبهم قاربا تقليديا يملكه صياد في بومرداس، وهي مدينة ساحلية عرفت بوجود أشهر معاهد النفط والبتروكيمياء بها، ومعروفة أيضا بشواطئها الساحرة التي تعد في كل صيف منطلقا لموجهات هجرة سرية إلى إيطاليا وإسبانيا.
ومنذ أشهر، يسعى أفراد عائلات هؤلاء الشباب للعثور على أثر لهم، حيث كثفوا اتصالاتهم بوزارتي الداخلية والخارجية. لكن دون جدوى. وأول من أمس تجمعوا على شاطئ «الكاف»، الذي بدأت منه رحلة المهاجرين الشباب، لبحث تأسيس جمعية تحمل اسم قضيتهم، وتكون بمثابة إطار ينقلون من خلاله همهم للسلطات بالعاصمة، بعد أن فشلت كل مساعيهم على المستوى المحلي في إيجاد من يتكفل بأعمال البحث عنهم.
وبخصوص الإجراءات التي اتخذتها عائلات المفقودين، قال والد محمد لـ«الشرق الأوسط»: «قال لنا مسؤولون في الأمن وفي خفر السواحل في بومرداس إنهم لا يعرفون الشخص الذي يملك القارب، ولا يعرفون من قاده، ولا وجهة أبنائنا إنْ كانت إيطاليا أم إسبانيا... وأمام هذه الحالة لم يبق لنا إلا التوجه إلى رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية للضغط عليهما لتقوما بدورهما في البحث عن مواطنين جزائريين، اختفوا منذ سنة. ونعتزم معاودة الاتصال بوزارة الخارجية لتحرك سفارتيها لدى إسبانيا وإيطاليا للبحث عنهم، فقد يكون أبناؤنا معتقلين في هذين البلدين».
وتذكر والدة عمر الستينية أنها سمعت أن ابنها تعرض للاعتقال من طرف خفر السواحل الإسباني «كما سمعنا أنه مسجون في المغرب، وسمعنا أن القارب انقلب به ورفاقه، وأنهم غرقوا جميعا وأكلهم الحوت... وقد حاولت جاهدة منعه من المجازفة. لكنه أصر على الهجرة، بعد أن حاول مرات كثيرة الحصول على تأشيرة من سفارات فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، لكن كل طلباته رفضت». وكان غالبية أفراد هذه العائلات على علم بتخطيط أبنائهم للهجرة، وحاولوا ثنيهم عنها، لكن فشلوا تحت ضغط البطالة وعسر الحال.
وينقل بعض أصدقاء المختفين أن كل واحد منهم دفع 450 ألف دينار جزائري، أي ما يعادل 3 آلاف دولار أميركي لحجز مكان له في القارب الذي يسع 30 شخصا؛ حسبما قالوا. وذكر هؤلاء خلال لقاء بهم في بلدة زموري الساحلية أن مالك القارب شخص ثري من ولاية تيزي ووزو المجاورة، وأنه يشغل عدة قوارب للهجرة السرية، وأنه غير معروف لدى السلطات.
وتأتي صرخة آباء الشباب الـ15 المفقودين، بعد أسبوع من تعهد قطعه رئيس الوزراء أحمد أويحيى للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي زارت الجزائر، يتعلق بتسلم نحو 3 آلاف جزائري مقيمين في ألمانيا بطريقة غير قانونية، عدد كبير منهم طلبوا، حسب السلطات الألمانية، اللجوء السياسي؛ بناء على أسباب متعددة، منها أن الحكومة الجزائرية «تطاردهم من أجل مواقفهم السياسية»، وآخرون صرحوا بأنهم مثليون وأن المجتمع لا يتقبلهم، وكان هذا الموضوع بالذات محل أسئلة طرحها صحافيون ألمان على أويحيى أثناء مؤتمره الصحافي مع ميركل.
وقالت «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، في تقرير حديث، إن عدد الجزائريين الذين ركبوا «قوارب الموت» في سنة 2017، تجاوز 5 آلاف، من دون احتساب الذين غادروا البلاد بطريقة قانونية بلا عودة؛ أغلبهم سياح. كما ذكرت أن إحصاءات الحكومة بهذا الخصوص «بعيدة عن الواقع تماما». وطالبت المنظمة الحقوقية بـ«معالجة الظاهرة اقتصاديا واجتماعيا، بدل إنزال العقاب بالمهاجر السري»، في إشارة إلى تدابير في قانون العقوبات تتضمن سجن المهاجر السري لعامين، كما يسلط العقوبة نفسها على الأشخاص الذين يسهلون الهجرة السرية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.