نسبة تلوث الهواء تخنق رئتي بيروت وتجلب لسكانها الأمراض

«يمكننا أن نعيش 40 يوما بلا طعام، و4 أيام بلا ماء، لكننا نموت بعد 4 دقائق بلا هواء». والسؤال هنا: ماذا عن جودة نوعية هذا الهواء؟ مع انقضاء كلّ يوم يتكبّد لبنان 470 ألف دولار من جراء تلوّث الهواء وحده، هذه هي تكلفة تأثير التلوّث على المؤشرات الصحيّة والمعطيات الاقتصادية المختلفة. فيما بلغت الكلفة السنوية لهذا التلوث 170 مليون دولار وفقا للتقديرات العلمية (البنك الدولي - 2011)؛ خسارة تُعدّ أحد مكوّنات الكلفة الإجمالية للتدهور البيئي التي تمثّل 3.4 في المائة من مجمل الناتج المحلي للبلاد سنويا.
فإلى الغذاء والماء ضرب التلوث هواء بيروت. قد لا يكون الخبر مفاجئا، لكن المستجد والخطير في آن هو أن تصل نسبة التلوث فيه إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، وتبلغ 300 في المائة من الحد المسموح به عالميا.
ويقول وهبي فرح، خبير في العلوم الفيزيائية في حديث لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في جامعة القديس يوسف: «تظهر الدراسة التي قامت بها (وحدة البحوث المشاركة حول نوعية الهواء) والمتخصصة بقياس مستويات الغازات السامة والمواد العالقة في الهواء في مدينة بيروت، أن تلوث الهواء فيها بات بمعدل ثلاثة أضعاف الحد المسموح به عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية، وذلك خلال السنوات الثلاث الأخيرة».
ويضيف: «ورشة العمل أظهرت أن التلوث يسيطر على الأجواء اللبنانية طوال 295 يوما، بينها ما لا يقل عن مائة يكون فيها التلوث في حالة الذروة، وهو رقم مرتفع جدا بالنسبة إلى بلد أخضر مثل لبنان».
وتضم وحدة البحوث باحثين من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف - والتي أنشاها المجلس الوطني للبحوث العلمية في أواخر عام 2008. وتظهر الدراسة أيضا أن المعدل السنوي لنسبة غاز ديوكسيد النيتروجين بلغت 58 ميكروغراما في المتر المكعّب، بينما المعدّل الأقصى الذي تسمح به منظمة الصحة العالمية لوجود هذا الملوّث هو 40 ميكروغراما في المتر المكعّب.
بعد النتائج الأولى، قام الفريق بإصدار المعدلات السنوية للملوث ثاني أكسيد الكربون في 23 موقع قياس موزعة على مساحة مدينة بيروت الإدارية، حيث جرى تركيب 4 محطات قياس مستمر لملوثات عدة في كل من الأشرفية والجامعة الأميركية وقريطم وحرش بيروت في الطيونة.
وبينت المعدلات تخطي نسبة التلوث بثاني أكسيد النيتروجين النسبة القصوى للمعدل السنوي المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية، حيث ارتفع معدله السنوي من عام 2009 إلى 2010 بنسبة 10 في المائة.
واللافت أن تلوث الهواء في بلد الأرز لم يعد ينحصر في المدن، بل امتد إلى ارتفاعات تراوحت بين 700 و900 متر عن سطح البحر، وأنه يكون في أدنى مستوى له في أوقات فصل الشتاء، أثناء تساقط الأمطار التي تسقط معها التلوث على الأرض، والتي لا تشكل سوى ما يقارب 75 يوما من أيام السنة وذلك حسب الإحصاءات لعام 2010.
من الناحية العلمية، فإن الهواء الذي نستنشقه في تلوث مستمر، ما دامت مصادر هذا التلوث قائمة تبث غازاتها السامة في الجو، حيث يوجد في الوقت الحاضر نحو 80 ألف مادّة سامّة تلوّث الهواء، وأكثرها خطورة هو غاز ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد الكربون والنيتروجين، إضافة إلى المواد الكيماوية السامة الناتجة عن المصانع.
ويستنشق الإنسان كل يوم من أيام حياته نحو 13.5 كلغم من الهواء، يتسرب من خلالها إلى جسمه كميات لا يستهان بها من المواد والغازات السامة، على الرغم من أن الإنسان مجهز بحواس شم تصد ملوثات الهواء، إلا أن طاقاتها محددة.
وانتقالا إلى التكلفة الصحية لمعالجة الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء، فقد بلغت 1,02 من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان. وفي هذا الصدد تحدثنا الدكتورة نجاة صليبا أستاذة الكيمياء التحليلية في الجامعة الأميركية في بيروت، مشددة على وجوب اتخاذ خطوات عملية لمواجهة هذه المخاطر. وتوضح: «إن المسبّبات وإن اختلفت، تجتمع فيما تؤدي إليه من نتائج ليس أقلها الحساسية والربو، وأخطرها سرطان الرئة، فضلا عن تأثير التلوث في الأجنة من الناحية الخلقية».
وتكشف أن «93 في المائة من سكان بيروت معرضون لأخطار تلوث الهواء التي تتسبب بأمراض سرطانية». مستخلصة معادلة: «زيادة التلوث تؤدي إلى زيادة الوفيات»، لافتة إلى أن التلوث يتصدر لائحة أهم أسباب الوفيات في لبنان، يليه التدخين، ثم حوادث السير.
وفي سياق متصل أظهرت الدراسة أن نسبة التلوث الناتج عن المحركات الكهربائية في منطقة الحمرا (في بيروت)، تشكل نموذجا مخيفا للتلوث.
ووفق منظمة الصحة العالمية فإن نسبة التلوث في هواء بيروت الكبرى بلغت مستويات مخيفة وباتت تشكل خطرا على الصحة، إذ سجلت ارتفاعا ملحوظا منذ عام 2009، حين أطلقت وحدة البحث في نوعية الهواء التابعة للمجلس الوطني للأبحاث العلمية الدراسة الأولى لتقييم انتشارها.
ولا عجب في أن تبلغ هذا الحد، مع وجود مليون و720 ألف سيارة في لبنان في عام 2013 وما تنفثه من سموم ثاني أكسيد الكربون، زد عليها وجود المعامل الكبرى لتوليد الكهرباء على مقربة من المناطق السكنية، إضافة إلى المعامل والمصانع ومكبّات النفايات المنتشرة بشكل عشوائي، فضلا عن تقلّص الغابات إلى سبعة في المائة من مساحة لبنان نتيجة الحرائق وانتشار المقالع والكسارات. وفي الوقت الذي تقترح فيه صليبا عددا من الحلول السريعة والبعيدة الأمد من بينها تنظيم قطاع النقل العام، والتشارك في النقل بالسيارة، واستعمال الدراجات الهوائية، نجد أن رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة النائب محمد قباني يشدد على وجوب إقرار مشروع قانون «حماية نوعية الهواء» الذي تناقشه اللجان المشتركة واعتماد مبدأ تقييم الأثر البيئي الذي نص عليه القانون 444-2002.