خمس ساعات تكشف عن وضع إنساني كارثي

«الشرق الأوسط» تعايش المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة خلال الهدنة

مشهد عام للسوق في حي الشيخ رضوان في غزة خلال الهدنة
مشهد عام للسوق في حي الشيخ رضوان في غزة خلال الهدنة
TT

خمس ساعات تكشف عن وضع إنساني كارثي

مشهد عام للسوق في حي الشيخ رضوان في غزة خلال الهدنة
مشهد عام للسوق في حي الشيخ رضوان في غزة خلال الهدنة

ما إن أعلن في وسائل الإعلام عن توافق فلسطيني - إسرائيلي لتثبيت «هدنة إنسانية» عرضها المبعوث الخاص للأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط» روبرت سيري على إسرائيل وحركة حماس في غزة، حتى تنفس سكان قطاع غزة الصعداء، وتجهزوا لاستغلال الهدنة التي استمرت خمس ساعات فقط، تفقدوا خلالها، أحوالهم المعيشية والبيوت التي دمرها الاحتلال غالبا على رؤوس سكانها.
وانتشر آلاف الفلسطينيين في شوارع مدينة غزة والمدن والمخيمات الفلسطينية، يتفقدون الدمار الذي لحق بالمنازل التي ألقت عليها الطائرات الإسرائيلية ما لا يقل عن ثمانية آلاف طن من المتفجرات، خلال العدوان الذي دخل أمس، يومه العاشر، فيما استقبلت عوائل الضحايا المواطنين في بيوتها بعد أن حرمتها الحرب الدائرة من فتح بيوت عزاء لأبنائها.
عماد النجار، واحد من بين أربعة أشقاء يقطنون في منزل مكون من ثلاثة طوابق دمرته طائرات حربية، استغل الهدنة المحدودة وغادر مدرسة تابعة للأونروا لجأ إليها للاحتماء مع عائلته فيها. ذهب عماد لتفقد ما تبقى من منزله، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الطائرات استهدفت البيت بأربعة صواريخ حوله إلى ركام، وأحدثت أضرارا في منازل الجيران الذين اضطروا لإخلاء منازلهم أيضا، واللجوء إلى مدارس الأونروا في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
وقال النجار، وهو عاطل عن العمل منذ سنوات طويلة، بفعل الحصار الإسرائيلي، إنه لا يملك أي مال لإعادة بناء منزله المدمر أو استئجار شقة سكنية تستر عائلته، مستدركا «كما أنه لا توجد في غزة أي مواد بناء تمكنني من بناء المنزل في حال توفر المال».
وأشار إلى أنه منذ تدمير منزل عائلته في اليوم الخامس للحرب، اضطر للبقاء في مدرسة الشاطئ للبنين إلى جانب العشرات من العائلات التي وصلت إلى المدرسة من مناطق عدة، بسبب تدمير منازلها أو منازل أخرى مجاورة.
ويقول طفله «جهاد» (6 أعوام)، وكان يرافق والده: «القصف على البيت كان مخيفا جدا.. كل الناس هربت من بيوتها.. إحنا خُفنا كثير».
وعلى بعد عشرات الأمتار من منزل عائلة النجار، جلس «أبو ماهر كلاب» (57 عاما)، على أنقاض منزله يتحسس بعينيه ما تبقى منه بعد أن حولته الطائرات إلى ركام حتى من دون إنذار. مشيرا إلى أنه فوجئ في تمام الساعة الثالثة من فجر اليوم الثامن للعملية، بإطلاق صاروخ من طائرة استطلاع على المنزل، فسارع هو وزوجته وأبناؤه إلى المغادرة على عجل من دون أن يتمكنوا من أخذ ما يحتاجونه من ملابس قبل أن تعاود طائرة حربية تدمير المنزل بشكل كامل.
ولفت إلى أن عائلته تشتتت بين منازل عدة لأقربائهم، بعد أن غادرت زوجته إلى منزل شقيقها، فيما غادرت زوجات أبنائه وأطفالهم إلى منازل أخرى، مشيرا إلى أنه لم يتحمل نقل عائلته إلى إحدى المدارس التي تمتلئ بالمواطنين الذين فروا من منازلهم ولم يتوفر لهم إلا القليل من الاحتياجات.
ويشير نجله «محمود» (29 عاما)، إلى أنهم شاهدوا تدمير منزلهم بأعينهم في لحظة استهدافه، ثم تركوه وعادوا لتفقده مع إعلان الهدنة القصيرة، واصفا إسرائيل بـ«الهمجية والبربرية» لاستهدافها منازل المدنيين الآمنين في منازلهم.
وأضاف غاضبا «مش عارفين وين نروح بحالنا.. ما ظل عنا شيء لا أساس ولا بيت ولا مال.. ما حدا في العالم مهتم لغزة وإحنا لوحدنا تحت النار».
وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» إن أعداد النازحين للمدارس يتزايد من يوم لآخر بفعل الاستهداف المباشر والواضح لمنازل المدنيين، مشيرة إلى أن آخر الإحصائيات تظهر وجود أكثر من 22 ألف فلسطيني في المدارس.
واضطرت عوائل الشهداء في قطاع غزة إلى دفن أبنائها سريعا من دون فتح أي بيوت للعزاء وعدم القدرة على التحرك في الشوارع. واكتفت عائلة «محمد سالم» (33 عاما) في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، وهو واحد من بين مئات ضحايا الغارات الإسرائيلية في القطاع، بدفن نجلها في مقبرة الشهداء بمدينة غزة، وتأجيل فتح بيت العزاء إلى ما بعد انتهاء الحرب.
ويقول أبو عادل سالم أحد أفراد العائلة من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، إنه نجح في استغلال الهدنة القصيرة للذهاب إلى مدينة غزة لتقديم واجب العزاء في استشهاد أحد أفراد عائلته.
وكانت الهدنة المحدودة بدأت عند الساعة العاشرة بالتوقيت المحلي (السابعة بتوقيت غرينتش) وانتهت عند الساعة الثالثة من بعد الظهر (الثانية عشرة بتوقيت غرينتش)، فتحت خلالها البنوك أبوابها بتوافق بين الفصائل، لتمكين موظفي السلطة الفلسطينية من استلام رواتبهم التي تأخر صرفها 15 يوما بفعل الخلافات حول رواتب موظفي حكومة حماس سابقا، وبفعل العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة لاحقا.
وتدافع عشرات الآلاف من الموظفين أمام البنوك في مدن غزة كلها. وقال الموظف علاء كريزم لـ«الشرق الأوسط» «لم يتبق لدينا مال لكي نوفر ما نحتاجه لأبنائنا ولعوائلنا من مواد غذائية وغيرها، في ظل عدم توفر الراتب طيلة الأيام الماضية». مشيرا إلى أن الهدنة خطوة جيدة لكي يستطيع المواطنون التسوق وتوفير الحد الأدنى مما يحتاجونه في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.
وفتحت المحال التجارية في الأسواق كافة أبوابها أمام المواطنين، وخاصة الموظفين الذين تسلموا رواتبهم، ولوحظ حركة كبيرة في عملية البيع والشراء. وقال أبو أحمد الدنف، أحد تجار اللحوم لـ«الشرق الأوسط»، إن الهدنة وحدها من دون صرف رواتب الموظفين، لم يكن لها معنى لعدم توفر الأموال لدى الناس لشراء مستلزماتهم، مستدركا «صرف الرواتب منح الباعة والمشترين على حد سواء، الفرصة للتزود بما يحتاجه كل منهم».
ويبلغ عدد الموظفين العاملين في السلطة الفلسطينية في قطاع غزة نحو 75 ألفا، ويعتمد مئات الآلاف من السكان على الرواتب التي تصرف لأولئك الموظفين.
ويقول أحمد النحال الذي يملك بسطة صغيرة لبيع الخضار في سوق حي الشيخ رضوان، إنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تفتح الأسواق تخوفا من استهدافها، ولعدم توفر المال لدى المواطنين بسبب توقف صرف الرواتب التي تعتمد الأسواق في الحركة الشرائية عليها.
وأشار إلى أن التهدئة سنحت للموظفين تسلم رواتبهم، كما أنها سنحت للباعة فتح محلاتهم لكسب قوت يومهم. متمنيا أن تعود الحياة طبيعية إلى غزة خلال أيام من خلال هدنة تحقق للشعب مطالبه برفع الحصار المفروض على القطاع منذ ثماني سنوات.



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.