الدول الأوروبية تجازف بإغضاب واشنطن باتفاق مع إيران

TT

الدول الأوروبية تجازف بإغضاب واشنطن باتفاق مع إيران

جازفت فرنسا وبريطانيا وألمانيا بإثارة غضب الولايات المتحدة بعدما اتفقت مع روسيا والصين وكذلك إيران على تأسيس منشأة مالية في الاتحاد الأوروبي بغية تسهيل المدفوعات الخاصة بالواردات والصادرات الإيرانية بما في ذلك النفط، في خطوة رئيسية سعت إليها طهران بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015 وإعادة فرض العقوبات على النظام الإيراني.
ومن المقرر أن تُستأنف العقوبات الأميركية التي تكبّل مبيعات النفط الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
كان الرئيس ترمب قد قرر في مايو (أيار) الماضي، الانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، ومنها عقوبات تسعى لإجبار كبار مشتري النفط على الامتناع عن شراء الخام الإيراني. وشرح دبلوماسيٌّ أن الغاية من الاتفاق الجديد هي تلافي العقوبات الأميركية المقرر إعادة فرضها في نوفمبر المقبل والتي يمكن بموجبها لواشنطن استبعاد أي مصرف يسهّل معاملات النفط مع إيران من النظام المالي في الولايات المتحدة. وقال دبلوماسي فرنسي كبير: «المهم هو جعل كل الإمكانات متاحة بحيث نُظهر للإيرانيين أن الباب لن ينغلق».
وأخفق الاتحاد الأوروبي حتى الآن في صوغ إطار عمل قانوني قابل للتطبيق لحماية شركاته من العقوبات الأميركية التي يبدأ تطبيقها في نوفمبر، وتسعى لتكبيل مبيعات النفط الإيرانية ضمن إجراءات أخرى.
وأفاد وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وإيران في بيان مشترك بأن ما يطلق عليها «آلية خاصة محددة الغايات» ستساعد وتطمئن المشغلين الاقتصاديين الذين يواصلون العمل الشرعي مع إيران.
وجاء في البيان أن بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وإيران عقدت العزم على وضع آليات تسديد الأموال تتيح مواصلة التجارة مع إيران رغم شكوك عدد كبير من الدبلوماسيين بشأن إمكانية ذلك.
وأضافت المجموعة أنه «نظراً إلى الضرورة الملحة والحاجة إلى تحقيق نتائج ملموسة، رحب المشاركون بالاقتراحات العملية للحفاظ على قنوات تسديد الأموال وتطويرها خصوصاً وضع آلية محددة الغرض لتسهيل المدفوعات المتصلة بالصادرات الإيرانية التي تشمل النفط».
وقال دبلوماسيون أوروبيون إن فكرة الآلية محددة الغرض تهدف إلى إنشاء نظام مقايضة يشبه الذي استخدمه الاتحاد السوفياتي في أثناء الحرب الباردة لمقايضة سلع أوروبية بالنفط الإيراني من دون استخدام نقود. وهذا ما يعني أنه إذا باعت إيران نفطاً لإسبانيا مثلاً وباعت ألمانيا أجهزة لطهران، فإن عائدات الشحنة النفطية تستخدم في دفع المبلغ المترتب للشركة الألمانية.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي: «ستكون هناك غرفة للمقاصة تتحقق من أن قيمة السلع المصدّرة وتلك المستوردة من قبل إيران يعوض بعضهما عن بعض». وهذه الآلية «تحصن» الشارين والبائعين عبر تجنب صفقات بالدولار يمكن أن تفتح الباب لعقوبات أميركية. وأضاف أن «النفط هو المقابل الوحيد الذي يمكن لإيران تقديمه (...) والآلية تسمح باستخدام عائدات النفط لاستيراد سلع».
ومع أن الاتفاق النووي يرمي إلى منع طهران من تطوير أسلحة نووية، أعلن الرئيس ترمب انسحاب بلاده من جانب واحد من الاتفاق لأنه غير قوي بما يكفي ولا يشمل القضايا الأخرى التي تهم الولايات المتحدة وحلفاءها، مثل النفوذ العسكري الإيراني في الشرق الأوسط والبرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية. كما اتهمت الولايات المتحدة إيران بتشجيع الإرهاب الدولي.
ويعاني الاقتصاد الإيراني من العقوبات التي فرضتها واشنطن بعدما ابتعدت عن الاتفاق النووي. وهددت واشنطن بمعاقبة الشركات من الدول الأخرى التي تواصل التعامل مع إيران.
وفي تناقض حاد مع موقف الولايات المتحدة، لا تزال الدول الخمس الأخرى الموقِّعة على الاتفاق النووي ملتزمة به، ومن شبه المؤكد أن التسهيل المالي الجديد سيثير غضب إدارة ترمب.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يقف بجانب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موغيريني عندما صرحت للصحافيين عقب الاجتماع الوزاري المغلق، على هامش الاجتماعات رفيعة المستوى للدورة السنوية الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن المنشأة المالية تهدف أيضاً إلى الحفاظ على الاتفاق النووي.
ويفيد الاتحاد الأوروبي وإيران بأن الصفقة ناجحة، وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أقرت الآن 12 مرة بأن إيران تمتثل لالتزاماتها بموجب الاتفاق. وقالت: «من الناحية العملية، هذا يعني أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستنشئ كياناً قانونياً لتسهيل المعاملات المالية الشرعية مع إيران. وهذا سيسمح للشركات الأوروبية بمواصلة التجارة مع إيران وفقاً لقانون الاتحاد الأوروبي تكون مفتوحة لشركاء آخرين في العالم». وأضافت أن الاتفاق يأتي بعد تبادلات مكثفة، وأعلن أن اجتماع الخبراء التقنيين سيُعقد «لتفعيل» المنشأة المالية الجديدة.
وأفاد البيان المشترك بأن الدول الست التي وقّعت على الاتفاق النووي لعام 2015 «أكدت من جديد التزامها بتنفيذها الكامل والفعال بحسن نية وفي جو بنّاء». ووصفوا الاتفاق بأنه «عنصر أساسي في البنية العالمية لعدم الانتشار وإنجاز مهم للدبلوماسية المتعددة الأطراف». وكرروا ما جاء في بيانهم المشترك في 6 يوليو (تموز) «على وجه الخصوص من أجل اتخاذ إجراءات ملموسة وفعالة لتأمين قنوات دفع الأموال مع إيران».


مقالات ذات صلة

مسؤولان أمميان ينقلان المخاوف السورية إلى مجلس الأمن

المشرق العربي المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن يتحدث عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من جنيف لأعضاء مجلس الأمن في نيويورك (الأمم المتحدة)

مسؤولان أمميان ينقلان المخاوف السورية إلى مجلس الأمن

نقل مسؤولان أمميان هواجس السوريين إلى مجلس الأمن بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وشدّدا على التمسك بمقتضيات القرار «2254» رغم تحفظات السلطات المؤقتة

علي بردى (واشنطن)
أوروبا جانب من الدمار جراء الغارات الروسية على مدينة تشيرنيف الأوكرانية (رويترز)

مقتل أكثر من 12300 مدني منذ بدء الحرب في أوكرانيا

قالت مسؤولة في الأمم المتحدة، اليوم (الأربعاء)، إن أكثر من 12300 مدني قُتلوا في الحرب الأوكرانية منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل نحو ثلاث سنوات.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)

نداء أممي لجمع 370 مليون دولار لمساعدة المتضررين من الحرب في لبنان

أطلقت الأمم المتّحدة والحكومة اللبنانية، الثلاثا،ء نداء جديدا لجمع تبرّعات بقيمة 371.4 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكّان المتضرّرين.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتّحدة)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
شمال افريقيا سودانيون يحاولون الدخول إلى حافلة في بورتسودان (أ.ف.ب)

بلينكن يؤكد ارتكاب «الدعم السريع» إبادة في السودان

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن واشنطن تأكدت أن أعضاء «قوات الدعم السريع» والجماعات المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في السودان.


استقالة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو

ترودو يعلن استقالته أمام الصحافيين في أوتاوا أمس (رويترز)
ترودو يعلن استقالته أمام الصحافيين في أوتاوا أمس (رويترز)
TT

استقالة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو

ترودو يعلن استقالته أمام الصحافيين في أوتاوا أمس (رويترز)
ترودو يعلن استقالته أمام الصحافيين في أوتاوا أمس (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أمس، استقالته من منصبه الذي يتولاه منذ 10 أعوام، موضحاً أنه سيواصل أداء مهامه إلى أن يختار حزبه خليفة له.

وقال ترودو، أمام الصحافيين في أوتاوا: «أعتزم الاستقالة من منصبي كرئيس للحزب والحكومة، بمجرّد أن يختار الحزب رئيسه المقبل».

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، أتت الخطوة بعدما واجه ترودو خلال الأسابيع الأخيرة ضغوطاً كثيرة، مع اقتراب الانتخابات التشريعية، إذ تراجعت شعبيته في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من عدة محاولات لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته، منتصف الشهر الفائت، البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تَلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.