البرلمان اللبناني يعقد جلسته التشريعية الأولى على وقع تحركات الشارع

أقرّ قانون النفايات الصلبة بالأكثرية رغم اعتراض الجمعيات البيئية عليه

صيادون يرمون صناراتهم في البحر الملوث بالنفايات قرب بيروت أمس (أ.ف ب)
صيادون يرمون صناراتهم في البحر الملوث بالنفايات قرب بيروت أمس (أ.ف ب)
TT

البرلمان اللبناني يعقد جلسته التشريعية الأولى على وقع تحركات الشارع

صيادون يرمون صناراتهم في البحر الملوث بالنفايات قرب بيروت أمس (أ.ف ب)
صيادون يرمون صناراتهم في البحر الملوث بالنفايات قرب بيروت أمس (أ.ف ب)

عقد البرلمان اللبناني جلسته التشريعية الأولى أمس في ظل حكومة تصريف الأعمال وعلى وقع تحركات شعبية رافضة بشكل أساسي إقرار قانون إدارة النفايات الصلبة، الذي ينص على إنشاء المحارق، ومطالبة بإقرار قانون المخفيين قسرا.
وتجاوز المجلس الذي انعقد تحت عنوان «تشريع الضرورة» مسألة الانعقاد في غياب الحكومة، لكن تعثر عملية تأليف الحكومة الجديدة كان حاضرا بقوة في كلمات النواب. وناقش المجلس أمس جدول أعمال من 29 بندا أبرزها ما يتعلق بالمعاملات الإلكترونية والوساطة القضائية وحماية كاشفي الفساد ومكافحة الفساد في عقود النفط والغاز.
وفي مستهل الجلسة، رد رئيس البرلمان نلبيه بري على انتقاد البعض لقانونية الجلسات في ظل عدم وجود حكومة فاعلة، قائلا: «إننا نشرّع دستوريا بناءً للمادة 69 التي تعطينا الحق وليست المرة الأولى وهذا يوحي للبنانيين أن الحالة في البلد عادية». ولم يغب موضوع تشكيل الحكومة عن مداخلات النواب الذين دعا عدد منهم إلى ضرورة الإسراع في التأليف، وطالبت النائبة بولا يعقوبيان في كلمة لها بحكومة تكنوقراط مصغّرة.
ومع اعتباره أن التشريع في ظل حكومة تصريف الأعمال غير مريح، رأى النائب في «القوات اللبنانية» جورج عقيص أن الوضع الحالي دفع الكتل لحضور الجلسة لمسؤوليتها تجاه الشعب داعيا الحكومة للاجتماع والبحث في موضوع الكهرباء.
كذلك اعتبر النائب في «الوطني الحر» آلان عون أنه إذا «كان السيئ أن نشرع من دون وجود حكومة كاملة الأوصاف، فإن الأسوأ أن نشل المجلس النيابي، وفي الأزمة الاقتصادية ليس الحل بتسجيل المواقف السياسية، بل بإيجاد الإصلاحات الموجعة، وليس المهم التشريع بوجود حكومة أو من دون حكومة، بل المهم أن نشرع لمصلحة الناس والتخفيف من معاناتها».
ورأى النائب جميل السيد أن الجلسة غير فاعلة وطالب بتحويلها إلى جلسة لمناقشة التأخير في تأليف الحكومة، قائلا «التكليف هو ملك المجلس مجتمعا وعدم التأليف فشل يحسب عليه».
من جهته، دق عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أنور الخليل ناقوس الخطر من وضع الليرة «إذا لم نذهب إلى تشكيل حكومة تعيد الثقة بالدولة». وقال «نعلم جميعاً ما يعيق تشكيل الحكومة».
أما النائب أسامة سعد، فرأى في مداخلته أن «الفشل في تأليف الحكومة يعني أن البلد يعاني من فراغ سياسي مدو لا تعوضه جلسات التشريع على أهميتها»، فيما تحدث النائب في «الوطني الحر» سليم عون، فقال «ما نعيشه اليوم هو واحد من اثنين، إما هناك قوى لا تريد استمرار التسوية السياسية التي أمنت الاستقرار أو هناك من لا يريد احترام نتائج الانتخابات النيابية».
وانتقد رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل التأخير في تشكيل الحكومة، وقال في مداخلته: «التأخير في تأليف الحكومة جريمة وإذا لم تكن هناك قدرة على توزيع الحصص فلتشكّل حكومة من اختصاصيين»، مطالبا بحوار اقتصادي. واعتبر أن «القوانين لا تصبح نافذة في ظل حكومة تصريف أعمال»، وهو ما ردّ عليه بري بالقول «ستصبح نافذة وحبة مسك».
وتركزت مداخلات نواب آخرين على مطالب اجتماعية عدة، حيث طالب عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض الحكومة «بالتزام القوانين وإعادة الصلاحيات للبلديات» وقال: 80 في المائة من المياه ملوثة والمطلوب استراتيجية كاملة لإدارة المياه. كما دعا النائب في «كتلة الجمهورية القوية» زياد الحواط، «بإضافة الاعتمادات المالية لوزارة الصحة لتأمين أدوية مرض السرطان»، وإلى «ضرورة الاهتمام بهذا القطاع وتأمين الطبابة للمواطن اللبناني كون هذا الأمر يعتبر من أبسط الحقوق الإنسانية».
بدوره رأى رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان «أن فرض الضرائب من دون قانون هو مخالفة دستورية». وقال «من المفروض العودة لمجلس النواب وتبرير الضريبة لا أن يتم ذلك من خلال قرارات تصدر عن مجلس الوزراء، لافتا إلى أن الرسوم تحتاج لدراسة مستفيضة لأن الدين كبر وحجم الاقتصاد بات أصغر».
وبعد الانتهاء من مداخلات النواب، بدأ البحث في جدول الأعمال المؤلف من 29 بندا على رأسه بند إدارة النفايات الصلبة الذي ترفضه الجمعيات البيئية. وقد وجهت «الحركة البيئية اللبنانية» كتابا مفتوحا حول مخاطره إلى رئيس مجلس النواب قبيل الجلسة. ورأت النائبة بولا يعقوبيان في مداخلتها، أن «هذا القانون يجب ألا يمر وهو من القرن الماضي»، داعية إلى إعادته إلى اللجان المشتركة ودراسته مجددا. وأعربت عن أسفها لأن «الدولة تتخذ الخيار الأسوأ والأغلى أكان ماديا أو بيئيا وصحيا»، مشيرة إلى أن «القانون يعطي الضوء الأخضر للبلديات للمباشرة بالحرق»، فرد عضو «اللقاء الديمقراطي»، النائب أكرم شهيب عليها قائلا: إن هذا القانون لا علاقة له بالمحارق بل هو «قانون إطار» يفتح المجالات على أكثر من احتمال.
وبدوره قال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تعليقا حول هذا الموضوع: «طلبنا من البلديات بموجب تعاميم بموضوع النفايات أن يعطونا حوافز ولكن لم يرد أي منها، باستثناء بلدية أو بلديتين». مؤكدا «لا أقبل أن يقال عن لبنان إنه غير قادر على استخدام تكنولوجيا كالمحارق، ولا سيما أن لدينا كفاءات في البلد لنستعملها، وهذا القانون يحتاج إلى بعض التعديلات ولكنه يبقى ضرورة للبدء من مكان صحيح». وشدّد بالقول: «لا أدافع عن المحارق لكنني ضد القول إنه لا يمكن العمل بها كغيرنا من الدول، ومن لديه حلول أفضل فليقدّمها إلى الحكومة». وسأل «ماذا نريد غير المحارق؟ ما هي الحلول التي قدموها للاستثمار فيها؟ يجب فتح الباب لأي وسيلة وواجبنا كدولة أن نتأكد من أن تنفذ بشكل صحيح». واعتبر أن قانون النفايات «يضع الإطار والحلول لنسير فيها». وحين رد عليه الرئيس بري أنه «إذا كان هناك بعض التعديلات فليعد هذا القانون إلى اللجان المشتركة»، أجاب الحريري «الأمور لن تتحسن». وبعد المباحثات، أقرّ مجلس النواب مشروع القانون المتعلق بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، وقد تم التصويت عليه بالأكثرية وانفرد نواب حزب الكتائب بمعارضة المشروع والتصويت ضده بعد انسحاب يعقوبيان من الجلسة، وفشل محاولات رده إلى اللجان لإعادة صوغ بعض المواد وخصوصا تلك المتعلقة بالهيئة الوطنية لإدارة ملف النفايات ولمن تعود الوصاية عليه، بحيث سقط اقتراح أن تتبع لرئيس الوزراء وبقي وزير البيئة هو الوصي على الهيئة.
ورفع بري الجلسة الأولى عند الثالثة بعد الظهر قبل أن تستكمل عند السادسة مساء للبحث فيما تبقى من البنود.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.