«بريكست»: محافظون يدعمون بديلاً لخطة ماي

تواجه بريطانيا اليوم تحديات عدة، معظمها داخلي، وبعضها خارجي، يجتمع جلها تحت عنوان واحد: «بريكست». ففي الوقت الذي ينقسم فيه حزب العمال البريطاني بين مؤيد ورافض لتنظيم استفتاء ثانٍ، يعاني حزب المحافظين الحاكم من تصدعات عميقة تهدد استمرار الحكومة التي تقودها تيريزا ماي.
وفي حين تحاول النخب السياسية البريطانية تجاوز التخبط الذي وقعت فيه منذ استفتاء يونيو (حزيران) 2016، تضغط بروكسل على لندن لتقديم صيغة مقبولة تؤطر العلاقة بين الجانبين قبل حلول موعد «الطلاق» المحدد بعد ستة أشهر. وتعتمد العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية والاجتماعية والدبلوماسية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي على هذا الاتفاق الذي لم تبرز معالمه بعد.
واجتمعت ماي مع وزرائها في وقت متأخر أمس لبحث مصير «خطة تشيكرز»، التي طرحتها من مقر إقامتها الريفي (تشيكرز)، والتي تدعو إلى تشكيل «كتيب قواعد مشتركة لتجارة البضائع» بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بما فيها المنتجات الزراعية، والاتفاق على «تجانس قانوني» بين لندن وبروكسل، بهدف تيسير تبادل البضائع والخدمات، مع تفادي عودة الحدود بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية.
وتسببت هذه الخطة فور الإعلان عنها بعاصفة سياسية داخل حزب المحافظين، استقال على أثرها وزيري الخارجية بوريس جونسون و«بريكست» ديفيد ديفس. كما أن قادة الاتحاد الأوروبي، الذين سعت ماي إلى إقناعهم في قمة سالزبورغ الأسبوع الماضي، رفضوا طرحها الذي يستثني حرية حركة الأشخاص بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
وفيما تضاعفت الشكوك حول قدرة ماي على الصمود أمام منتقديها من داخل الحزب المحافظ، دعم وزير «بريكست» السابق ديفيد ديفس، والنائب المحافظ المثير للجدل جاكوب ريس موغ، خطة بديلة، انتشرت باسم «الخيار الكندي المحسن».
وتنص الخطة، التي دعمها النائبان البارزان أمس في لندن، على «اتفاق تجارة حرة محسن» مع الاتحاد الأوروبي بعد «بريكست»، شبيه باتفاق كندا، وفق ما نقلته شبكة «سكاي نيوز». ويقوم اتفاق التجارة الحرة، المعروف بـ«الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة»، الذي تفاوضت عليه أوتاوا مع بروكسل لمدة سبع سنوات، على إزاحة معظم الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع، وبعض المفروضة على الخدمات. ويستثني الاتفاق بعض المواد الغذائية «الحساسة»، على غرار البيض والدواجن. كما تطالب بروكسل كندا بالامتثال لمعاييرها دون المساهمة في صياغتها أو التصويت عليها، فضلاً عن توضيح مصدر تصنيع البضائع المصدرة، ما يعيق أو يؤخر عملية التصدير.
وتحت هذا الخيار، قد تواجه المصارف البريطانية عوائق للوصول إلى السوق الأوروبية.
وسبق أن رفضت رئيسة الوزراء، في خطاب ألقته بفلورنس، هذا الخيار، معتبرة أن «بريطانيا قادرة على التوصل لاتفاق أحسن من ذلك». كما انتقد «10 داونينغ ستريت» (مقر رئاسة الوزراء) تداعيات هذه الخطة المحتملة على الحدود بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية. والتقت ماي، أمس، بالنائب الأوروبي ورئيس الوزراء البلجيكي السابق غاي فيرهوفتساد لبحث المفاوضات الجارية بين الجانبين، مشددة على ضرورة إيجاد صيغة للعلاقة الاقتصادية بعد بريكست، وسبل تفادي عودة الحدود بين آيرلندا وآيرلندا الشمالية. وأكّدت ماي أن حكومتها ستقدم اقتراحاً حول القضية العالقة الثانية لبروكسل، وفق متحدث باسم رئاسة الوزراء.
وفي الجانب الآخر من المشهد السياسي البريطاني، يشهد حزب العمال كذلك انقسامات واضحة تجاه استراتيجية «بريكست». فقد وافقت قيادة الحزب، أمس، في ليفربول، على هامش المؤتمر السنوي، على إجراء تصويت على اقتراح «بجعل كل الخيارات متاحة» حول «بريكست»، لكنها رفضت اقتراحاً بإجراء استفتاء ثانٍ حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يتضمن خيار البقاء في التكتل.
وأجرى قادة الحزب نقاشاً استمر خمس ساعات، قبل الاتفاق على صياغة نص الاقتراح، الذي سيتم التصويت عليه اليوم. واتّفق قادة الحزب على الدفع باتجاه إجراء انتخابات عامة، في حال أسقط البرلمان اتفاقاً نهائياً بين الاتحاد الأوروبي وحكومة تيريزا ماي، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن متحدث باسم الحزب.
وقال وزير المال في حكومة الظل جون ماكدونل إنه «تم الاتفاق على أنه في حال لم تجر انتخابات عامة، على حزب العمال دعم كل الخيارات المطروحة على الطاولة، بما في ذلك الدفع باتجاه استفتاء».
إلا أن جزءاً كبيراً من قاعدة العمال الانتخابية يدفع باتجاه تنظيم استفتاء جديد على «بريكست». وقد شارك نحو خمسة آلاف شخص في مظاهرة لمطالبة الحزب بتأييد استفتاء يتضمن خيار بقاء البلاد ضمن الاتحاد الأوروبي، لكن وزير المال في حكومة الظل قال إن أي استفتاء يجب أن يكون محصوراً بآلية قبول الاتفاق، أو فرض تمديد المفاوضات، من دون خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي، وصرح لإذاعة «بي بي سي راديو 4» قائلاً: «في حال لم نتوصل لانتخابات عامة، فسنلجأ للاستفتاء»، موضحاً أن الاستفتاء يجب أن يكون حول الاتفاق في ذاته.
وعلى صعيد آخر، دعا حزب العمال إلى حملة تأميم شامل، وإلى خطة جديدة لمنح العمال حصة من أرباح الشركات، الأمر الذي رفضته المؤسسات التجارية الكبرى. وطرح ماكدونل مشاريع لإعادة تأميم قطاعات المياه والسكك الحديدية والطاقة وخدمات البريد خلال خمس سنوات، وقال إن «الشعب اكتفى من التعرض للسرقة بسبب الخصخصة»، وسط تصفيق الحاضرين.
ويبدي قسم كبير من البريطانيين عدم رضاه عن خدمات الشركات المخصخصة، لا سيما التأخير الذي يطول مواعيد وصول القطارات، والمشكلات التقنية، والزيادة التي تلحق بفواتير المياه.