كان الهدف الأساسي من تصميم «فيسبوك» موجها لعرض مواضيع ومواد قد يرغب مستخدموه في مشاركتها، والإعجاب بها، أو فتحها للاطلاع عليها. ولكنّ هذا التصميم هو نفسه الذي ساعد هذه المنصة على البراعة في نشر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة: فالكذبة الجيّدة هي تلك التي تعرض لكم الأشياء التي تريدون تصديقها، سواء كانت صحيحة أم لا... فتنشرون بالتالي أموراً تريدونها أن تكون صحيحة.
- «سيفبوك»
وعلى الرغم من أنّ المعلومات المغلوطة المنتشرة نفسها باتت موضوعاً مهماً مثيراً للجدل بعد انتخابات 2016 في الولايات المتحدة، لا تزال منصات مثل «فيسبوك» تعاني من صعوبة في تقليص دورها المتكرّر في تضخيم هذه المعلومات. هذه الصعوبة هي التي دفعت بين غروسر، فنان وأستاذ مساعد في جامعة إلينوي في إربانا - شامبين، إلى تقديم حلّ مضحك بعض الشيء: ماذا لو تخلّصنا من محتوى المنصة بالكامل؟
تتيح إضافة «سيفبوك» Safebook الجديدة التي طوّرها غروسر لنظام «كروم» للمشتركين معرفة كيف يعمل «فيسبوك» على تجربة أشياء جديدة عليهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ غروسر اعتاد تطوير أدوات تسمح لمستخدمي «فيسبوك» بتجربة أشياء جديدة على المنصّة.
ويلفت الباحث إلى أنّه وبعد تأمين استخدام الإضافة التي طوّرها، يستمرّ «فيسبوك» في العمل، ولكن دون أن يتضمن أي نصوص أو مواد مرئية.
أثناء اختبار غروسر لإضافته الجديدة، لاحظ أنه تمكّن من معرفة «فيسبوك» جيّداً، وأنّ الحذف الكلّي للمحتوى لم يمنعه فعلياً من استخدام المنصة. فقد استمرّ في نشر المواد والحصول على تفاعل الناس معها، بحسب ما قال في إحدى مقابلاته. وأضاف: «نشرت الكثير من المنشورات التجريبية، وتلقّيت الكثير من الإعجابات».
ويضيف غروسر: «هذه الإضافة لا تكشف لكم كم أصبحت هذا الوسيط راسخاً فحسب، بل أيضاً كيف يوجهنا لاستخدام نظامه». فليس محتوى «فيسبوك» هو الوحيد الذي يشكّل جزءا من حياتنا، لأننا أيضاً نعرف كيف نستخدم «فيسبوك»، بشكل فطري تقريباً، دون أي محتوى فعلي لإدارة طريقنا أثناء استخدامه.
- أدوات تطوير المنصات
من بين جميع اختبارات غروسر على «فيسبوك»، تعتبر إضافة «سيفبوك» دون شكّ التحوّل الأكثر جذرية للمنصة. طور الباحث سابقاً إضافة «غو راندو» Go Rando التي تزيل القيود عن التعبير على المنصّة بشكل يحوّل نقرة الإعجاب على منشور أحد الأصدقاء إلى لعبة أشبه بالروليت العاطفي. كما طوّر أداة أخرى تعرف بـ«ديميتريكيتور» Demetricator لتويتر وفيسبوك، ومهمتها إخفاء جميع الأرقام المربكة التي تشير إلى عدد الإعجابات أو إعادة التغريدات التي حصل عليها منشور معين، أو كم إشعار تلقيتم على منصات التواصل الاجتماعي. ويهدف تحميل «ديميتريكيتور» إلى حثّكم على التفكير في المحفزات التي تدفعكم إلى النشر والإعجاب، والعودة دائماً إلى هذه المنصات.
وقال غروسر ممازحاً عن «سيفبوك»: «أولاً، أزلت المقاييس، ثمّ أخفيت الصور، وبعدها زوّدت التفاعلات العاطفية بالعشوائية، فبقي القليل من (حسناً، هذا ما تبقى لديّ)». ولكنّه توقّع أنّ أحداً لن يستخدم هذه الإضافة لمدّة طويلة، لأنها ليست مرتبطة بالتسلية فحسب.
وأضاف: «هدفي هو تحويل هذه الإضافة إلى فرصة أخرى للبحث في كيفية تأثرنا بالوسائل». فعلى عكس «ديميتريكيتور»، لا يتوقع غروسر أن أحدا من المستخدمين سيبقي «سيفبوك» فعالاً لفترة طويلة، لأن المستخدم يظلّ قادراً على استخدام «فيسبوك» أثناء تشغيله، وبالتالي فإن القليل من الوقت يكفي لمعرفة ما يريد معرفته عبر هذه الإضافة.
من ناحية أخرى، يمثّل «سيفبوك» نوعاً من التعليق حول ما إذا كان «فيسبوك» يستطيع القيام بأي شيء لحلّ مشكلة نشر المعلومات المغلوطة التي لا تزال قائمة والتي لاحقت الشركة عام 2018، إلى جانب سائر آثاره السلبية، كزيادة القلق والانقسام العقائدي وتراجع الخصوصية.
ومن هنا، فإن اقتراحه بحذف المحتوى بالكامل ليس مزحة أيضاً.
وقال غروسر: «يمكنهم تجربة وتصحيح كلّ ما يريدونه في نظام المنصة عبر الاعتدال، والتعديلات الخوارزمية، ومقاييس السمعة، ولكنني أجزم بأنّ أي بديل سيتطلّب تحولاً جذرياً».
- حذف المحتوى
ويشير غروسر إلى جميع مشاريعه المرتبطة بالتواصل الاجتماعي على أنّها فنّ، ويقع «سيفبوك» في الجانب الفني من سلسلة المشاريع هذه. ولكنّ جاك دورسي، الرئيس التنفيذي لتويتر، تحدّث أخيراً عن إمكانية إيجاد حلّ يشبه «ديميتريكيتور» للمشاكل التي تواجهها المنصة. وفي مقابلة أجراها مع صحيفة «واشنطن بوست»، ذكر دورسي إمكانية تغيير كيفية عرض «تويتر» لعدد المتابعين. وتحدّث عن هذه الفكرة بشكل مطوّل خلال شهادة أدلى بها أمام لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأسبوع الفائت.
عندما تمّ تأسيس «تويتر» قبل 12 عاماً، قال دورسي: «يظهر عدد المتابعين على المنصة بحجم كبير وواضح، وبخطّ بسيط ولكنّ ملحوظ. هذا القرار وحده كفيل بتحفيز الناس على الرغبة بزيادة هذا العدد، وزيادته فعلاً. والسؤال الذي نطرحه اليوم هو: هل هذا هو الحافز الصحيح؟».
أشعرت تعليقات رئيس «تويتر» التنفيذي غروسر ببعض الأمل بأنّ «تويتر» يدرس ربّما أفكارا تشبه تلك التي يجرّبها في عمله. وقال الباحث: «هذه التعليقات الصادرة عن واحدة من هذه الشركات هي الأقرب إلى أفكاري، وهذا يعني أنهم لاحظوا أنّ شيئا ما يحصل بالفعل وعليها الاهتمام بحلّه».
وتثير إضافة «سيفبوك» سؤالاً واحداً واضحاً حول دور «فيسبوك» في مستقبلنا: «في حال كانت الطريقة الوحيدة التي يمكننا أن نحمي بها أنفسنا على فيسبوك هي حذف المحتوى بالكامل، لماذا لا نبادر أيضاً إلى إقفال حساباتنا نهائياً؟».
أكّد غروسر أنّ الناس لن تتخلى عن «فيسبوك»، وأنّه لا يسعى أصلاً إلى دفعهم للتخلّي عنه. ولكنّ الفكرة هي دفع المستخدمين إلى تصوّر كيف يمكن لهذه المنصة الفعالة أن تصبح أقلّ ضرراً للمجتمع، وإلى الوقت الطويل الذي يتطلّبه تطبيق الحلول على أرض الواقع.
وأخيراً، قال غروسر: «سيفبوك هو ردّ فعل جزئي على حقيقة أننا ما زلنا نتعامل مع المعلومات الكاذبة. نحن نتجه إلى الانتخابات القادمة، ولكن جهودنا في هذا الإطار أقلّ من كافية».
- خدمة «بلومبرغ»