محمد عبده... النهضة الفكرية والإصلاح المتدرج

خرج من دائرة السياسة بعد فشل الثورة العرابية

الشيخ محمد عبده
الشيخ محمد عبده
TT

محمد عبده... النهضة الفكرية والإصلاح المتدرج

الشيخ محمد عبده
الشيخ محمد عبده

يعد الإمام محمد عبده أبرز مفكري تيار حركة الإصلاح والنهضة في القرن التاسع عشر، مقتفياً في مراحل حياته الأولى آثار أستاذه الأفغاني، ولكنه خرج من دائرة السياسة بعد فشل الثورة العرابية، وما تبعها من احتلال بريطاني لمصر، فاختار منبر الإصلاح الفكري والديني، وركز عمله على النهضة الفكرية للبلاد، وسعى لإخراجها من حالة التخلف المقارن، وإعمال العقل كوسيلة للتقدم والرقي.
لقد بدأ محمد عبده مشواره في الأزهر الشريف، شأنه شأن آلاف الطلاب آنذاك، ولكنه تميز بالاطلاع على العلوم الغربية المختلفة التي لم تكن شائعة، متأثراً بأستاذه الأفغاني، وبدأ حياته الفكرية والعملية رافضاً الحالة العامة للتعليم والفكر، الذي اقتصر على علوم الدين فقط، وسعى لرأب الهوة بين الدين والعلم، ولكنه سرعان ما انخرط في دعم الثورة العرابية، التي رأى فيها وسيلة التقدم نحو الإصلاح، ومع فشلها تم سجنه ونفيه خارج البلاد، إلى أن عاد مرة أخرى ولكن ليس قبل أن يُصدر مجلة «العروة الوثقى» مع أستاذه الأفغاني في باريس.
وبعودته للقاهرة لم يعين شيخاً للأزهر الشريف كما كان يأمل؛ بل مفتياً للديار المصرية، فأثارت فتاواه عداوة المدرسة المحافظة بالأزهر، فعاش في صراعات فكرية ودينية مع هذا التيار الغالب إلى أن وافته المنية في 1905، ولكن ليس قبل أن يترك لنا علماً غزيراً وكتباً ومقالات؛ بل والأهم من ذلك تدشين مسلك عقلي يساهم في فهم الدين بشكل أكثر عصرية. وفي هذا الإطار يمكن التركيز على أهم إنجازاته لارتباطها المباشر بأزمتنا الفكرية، وذلك على النحو التالي:
أولاً: لعل أهم رسالة له هي التأكيد على استحالة التعارض بين الدين الإسلامي والعلم، فالإسلام دين الحق، ومن ثم فإن ثبوت أي حقيقة علمية يجعل من المستحيل تعارض حقيقتين، بالتالي فإن التوفيق مطلوب لإخراج الأمة من حالة اللبس والتشكيك. وهنا يلجأ الإمام إلى التأويل أو التفسير كوسيلة لتأكيد مصداقية الدين والعلم.
ثانياً: ارتباطاً بذلك، فالأمر يستتبع فرضية منطقية تالية، وهي عدم تعارض الإسلام والحداثة، وهو ما يستوجب بالضرورة تأكيد مراجعة الخطاب الديني النقلي السائد آنذاك، في حالة ما إذا طرحت فرضية التعارض بين الاثنين، فرسخ لجولة جديدة من التفاوت الممتد بين مدرسة النقل والعقل، وهو ليس بتوجه مستحدث على تاريخنا، فقد سبقته في ذلك تيارات مختلفة، ومدرستان عظيمتان متناقضتان، تزعمهما الغزالي وابن رشد - رحمهما الله - وهنا رأى أن كثيراً من المشكلات الناتجة عن الفكر الغالب منبعها الأساسي سوء فهم الدين والجهل بأصوله، ومن ثم أهمية تحرير الفكر من قيد التقليد في المسائل المهمة، مع ضرورة فهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلافات؛ لأن الإسلام دين عقل، ومن هذا المنطلق بنى جسره الفكري الداعي لأهمية التوفيق بين الإسلام والنظريات المدنية الحديثة.
ثالثاً: واتصالاً بما تقدم، شدد محمد عبده على أهمية الاعتناء وشمولية المناهج العملية؛ خاصة في الأزهر الشريف، فدعا إلى تجديد رؤية الأزهر بتدريس علوم أخرى مثل الفلسفة والتاريخ وغيرها، حتى يمكن الخروج بمشروع تحديثي للمجتمع كله، باعتباره المنارة الفكرية والمؤسسة التعليمية شبه الوحيدة في الدولة آنذاك، وهو ما سيعم بالفائدة الدين والمجتمع معاً.
رابعاً: إعلاء قيمة الوطن بمنأى عن الفكر الأممي المرتبط بالقومية الإسلامية متمثلة في الخلافة العثمانية، باعتبارها أداة ملحة للحداثة، فأكد أنه «... وجب على المصري حب الوطن من كل الوجوه، فهو سكنه الذي يبيت فيه آمناً، وهو مقامه الذي ينسب إليه... وهو الآن موضع حقوقه وواجباته»، أي أنه ثبَّت أو حتى دشن مفهوم الوطن والمواطنة بشكله الحديث، على اعتبارهما وسيلة الحماية الأولى للفرد، وهي غير مرتبطة بعقيدته، فمثّل هذا القاعدة التي انطلق منها تلميذه الشيخ على عبد الرازق، بعد عقدين، لتأكيد عدم وجوب الخلافة من الأساس.
خامساً: التأكيد على أن عملية الإصلاح السياسي تبدأ من المجتمع إلى القيادة وليس العكس، أي أنه وجب إصلاح الرعية وتعليمهم وتثقيفهم قبل أن تُمنح الإصلاحات، ويستتبع ذلك أن تبدأ فكرة الحكم النيابي من خلال المجالس الإقليمية، أو بمفهوم اليوم «المحليات»، ثم يتدرج الإصلاح إلى أن يطول الدولة وقيادتها كلها، وذلك على عكس أستاذه الأفغاني. والتقدير أن هذه النظرة جاءت بسبب الظروف السياسية المرتبطة بفشل الثورة العرابية واحتلال مصر.
يؤكد علم المنطق أن أحد أخطر المغالطات الفكرية «بالـAd Hominem» تحدث عندما نهاجم الشخص ذاته بدلاً من منطقية أفكاره، وهو ما يحدث حتى اليوم مع محمد عبده، بعد مرور أكثر من قرن على وفاته، فمهاجموه مستمرون في تطبيق المغالطة نفسها لدحض أفكاره دون القضاء عليها.
أما وقد مضى ما يزيد على القرن، فإن جملته الشهيرة «رأيت في أوروبا إسلاماً بلا مسلمين، وفي بلدنا مسلمين بلا إسلام» ترن في الآذان، فإذا كانت ناقوس خطر آنذاك، فإن استمرار انطباقها على أحوالنا اليوم يجب أن يكون بمثابة الصاعقة الفكرية لنا. ألم يئن الأوان لأن ندرك أن الإسلام - وهو هدية المولى لنا - يستحق منا أكثر من ذلك؟



«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
TT

«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)

تنظم هيئة المكتبات «معرض المخطوطات السعودي» في العاصمة الرياض خلال الفترة من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي إلى 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تحت شعار «حكايات تُروى لإرث يبقى»، الذي يتضمن مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى، التي تغطي مجالات معرفية متعددة.

ويضمُّ المعرض باقة متنوعة من الفعاليات المصاحبة، تشمل ورش عمل يقدمها نُخبةٌ من العلماء والباحثين، وتحظى بمشاركة المهتمين بالتراث المخطوط؛ لمعرفة أهمية المخطوطات، وتقنيات حفظها وترميمها، ورقمنتها وأرشفتها، إلى جانب دراستها وتحليلها.

كما يُقدم المعرض تجربةً إثرائية فريدة للزائر عبر أقسامه المختلفة، وعبر التجارب الرقمية وصناعة المحتوى، والاطلاع على جدارية المخطوطات.

ويسعى «معرض المخطوطات السعودي» إلى استضافة كثير من الزوار والمهتمين بالمخطوطات على مستوى محلي وإقليمي ودوليّ، سواءً كانوا من القُرّاء والباحثين، أو مُلّاك المخطوطات من الأفراد والمؤسسات، أو صناع المحتوى الذي يتناسب مع هذا المجال، بالإضافة إلى منسوبي المكتبات السعودية والعالمية، والجهات ذات العلاقة، وذلك لتوسيع دائرة التركيز على هذا المجال الفريد، وإضفاء مزيد من التواصل للإبقاء على رونقه والاهتمام به.

يأتي تنظيم هيئة المكتبات للمعرض بهدف إبراز دور السعودية في الاهتمام بحفظ التراث الثقافي المخطوط محلياً ودولياً، وعكس أهمية حفظ التراث المخطوط، وتيسيره، ونشره محلياً وعربياً، والإسهام في النمو الثقافي والاقتصادي للقطاع في مجال المخطوطات، وتسليط الضوء على الخبرات الوطنية في علم المخطوطات وترميمها، وتعزيز الوعي المعلوماتي حول قيمة المخطوطات وتاريخها الثقافي بوصفها إرثاً ثقافياً مُمتداً.