لم أتوقع في يوم من الأيام أن أصبح إعلامياً أو كاتباً صحافياً، وأتذكر أيام الطفولة لما كان والدي - رحمه الله - يسألني «يا ولدي يا محمد إذا كبرت شنو تبي تشتغل؟»، وكانت إجابتي «سأصبح طبيباً وجراحاً للقلب». وعشت هذا الحلم حتى نهاية الثانوية العامة، وكانوا ينادونني في البيت أيها الدكتور، لكن القدر، أو في الحقيقة كانت النسبة المئوية التي حصلت عليها في الثانوية العامة أجبرتني لأخذ بعثة خارجية على حساب الحكومة لدراسة الهندسة في مصر العروبة وليس الطب.
هنا انتهى حلم الدكتور لأبدأ حلماً آخر، وهو الدخول إلى العشق والحب والزواج، ويأتي القدر لأعشق وأتزوج وأنا طالب وأرزق بأول مولود (ولدي أحمد)، وأبدأ في تربيته أثناء الدراسة الجامعية، وأعيش معه حلماً آخر أن يصبح دكتوراً، لكن في النهاية أصبح محاسباً، وأتمنى له التوفيق.
بعد تخرجي في الجامعة أصبحت مهندساً ودخلت مجال العمل الحكومي القاتل للطموح وأحسست بأنني والكرسي واحد. كان برنامجي اليومي توقيع الحضور في الصباح، وأبدأ في أخذ فطوري ومن ثم قراءة الجريدة، وأنتظر حتى تأتي ساعة نهاية الدوام حتى أوقع الانصراف، وبذلك أكون موظفاً مثالياً. ثم كنت أعود إلى البيت لأعيش حياة رتيبة، وبخاصة وأنا في مقتبل العمر. اعتبرت ذلك قتلاً للطموح؛ فقررت البحث عن وظيفة بعد الظهر فوجدت الأبواب مغلقة. هنا كان القرار الحاسم بالدخول إلى عالم التجارة، وكانت أولى خطوات النجاح، بالإضافة إلى عملي الحكومي. لكن لم يتحقق الطموح الذي أسعى إليه، وبالصدفة دخلت إلى عالم الصحافة فكتبت أولى مقالاتي.
من ثم انطلقت لأكون محرراً حتى أصبحت من كتاب الصفحة الأولى، وتعلمت كيف أتحمل ضغوط العمل، وكيفية التغلب على الصعاب وحل المشكلات؛ فعشقت عالم الصحافة وأصبحت صحافياً بالإضافة إلى تجارتي وعملي الحكومي. لكن للأسف لم يتحقق طموحي.
وبالصدفة، عُرض عليّ من أحد ملاك الصحف والقنوات الخاصة بالكويت أن أكون مقدماً لأحد البرامج، فاستغربت هل ممكن أن يكون محمد الملا مذيعاً؟ كانت الإجابة «لا». فسألت نفسي التي قالت: «لا»... «لِمَ لا؟» فقالت نفسي اللوامة «لأن المذيع يجب أن يكون جميلاً، وأنا لست بجميل»، «وأن يكون في بعض المواقف بياعاً للكلام، وأنا لا أحب بيع الكلام ولا النفاق؛ لأني تعلمت من والدي أن أكون صادقاً مع نفسي ومع الآخرين».
أنا لا أحب الكذب ولا الكذابين؛ لذلك كرهت في بعض الأحيان عالم السياسية لما فيه من كثرة الهرج والكذب. بالفعل، مشيت في طريق الإعلام وأصبح لي برنامج شهير على المستوى العربي اسمه «الديوان»، وكنت أعرض السلبيات والإيجابيات والاجتماع مع المواطن المهموم حتى أصبحت مهموماً أكثر من الشاكي بسبب البيروقراطية الحكومية.
مع ذلك؛ لم أحقق طموحاتي... (والله... ثم والله) لو يسألوني ماذا طموحك؟ ستكون الإجابة «لا أعرف»؛ لأن ما بداخلي يسعى للأفضل، وأن أكون صادقاً مع نفسي والناس، لكنني أخاف أن ينتهي العمر ولم أحقق طموحاتي.
فجأة، قررت أن أستقيل من الصحافة والتلفزيون لأرتاح؛ لكنني بعد الإجازة قررت أن أستثمر في قناة على «يوتيوب» وأن يكون لي برنامج خاص اسمه «ديوان الملا»، ولي رسائلي السياسية الخاصة أدافع بها عن الأمة العربية، وأزرع في الشباب حب الأوطان، وأن يكون الولاء للوطن، وعشق العمل.
أحسست من خلال قناتي الخاصة بالانطلاقة الجديدة والحيوية الإعلامية لنشر الوعي وتنبيه الشعوب على خطورة ما يجري بمنطقتنا العربية، وأن أتكلم بكلمة الحق. هذه الاستقلالية أعطتني القوة، وأن أبني إعلاماً صادقاً ليس موجهاً، وأعطتني الحماس والطموح. اليوم أصبحت مستشاراً إعلامياً لنقابة الصحافيين الكويتية، ولي مقالة أسبوعية بجريدة «الكويتية»، ولي برنامج على قناتي الخاصة. مع ذلك، لم يتحقق الطموح الكامل؛ لأن الإعلام بحر واسع لا نهاية له، ويحتاج إلى ربان ماهر ذكي يبحر في هذا العالم وينجو من مخاطره.
في النهاية، رسالتي لمن يقرأ مقالتي بعد عمر 51 سنة، أن الإعلامي أو الصحافي إذا أراد الخلود يجب أن يكون صادقاً في كتاباته، وأن يعشق العمل والإبداع والابتكار والتطور في عمله، وأن يكون ولاؤه لوطنه فقط.
وما أحلم به حالياً أن أعيش باقي عمري في راحة بال. حان الوقت أن نزرع البسمة ونبتعد عن الإحباط. هذا دور الإعلام الحقيقي الذي يبني ولا يهدم؛ فالقلم في يد الصحافي سلاح قوي في البناء أو الهدم، وتجميع الشعوب أو تفريقها.
* إعلامي كويتي