جوازات السفر السورية بـ2500 دولار في السوق السوداء

اتجاه دمشق لتغييرها يهدد المعارضة بـ«الإقامة الجبرية»

جوازات السفر السورية بـ2500 دولار في السوق السوداء
TT

جوازات السفر السورية بـ2500 دولار في السوق السوداء

جوازات السفر السورية بـ2500 دولار في السوق السوداء

تمادت السلطات السورية بعيدا في الضغط على معارضيها المقيمين في الخارج على الرغم من «نصائح روسية» قيل إنها أسديت إليها لعدم القيام بتغيير جوازات السفر السورية الرسمية، بما يعنيه ذلك من حرمان آلاف المعارضين من التجول بحرية في العالم بسبب عدم قدرتهم على استصدار جوازات سفر جديدة أو تجديد الموجود في حوزتهم، كما قد تنهي «السوق السوداء» التي يستمد منها المعارضون وثائقهم.
وعلى الرغم من أن جوازات السفر السورية هي حديثة نوعا ما، وتلائم كل متطلبات المطارات الدولية لجهة القراءة الإلكترونية، فإن السلطات السورية تسعى إلى إقرار قانون جديد للجوازات، يتضمن في أحد بنوده استبدال النسخة الموجودة من جوازات السفر بأخرى «حديثة». وتتشابه جوازات السفر السورية إلى حد كبير مع تلك المعمول بها في لبنان، مع اختلاف في الأسماء فقط، وهي كانت وضعت في التداول معا في أوائل عام 2000.
وكشف مصدر بارز في المعارضة السورية عن معلومات عن نية النظام القيام بهذا الأمر منذ نحو شهرين، لكنه عاد وسحب هذه الخطوة بطلب من الروس الذين عدوا أن هذه الخطوة «غير مبررة وتعطي رسالة سلبية للمجتمع الدولي».
وقالت صحيفة «الوطن» السورية أمس إن اللجنة المشكلة لتعديل قانون نظام جوازات السفر أنهت عملها، وسيعرض مشروع القانون الجديد على مجلس الشعب لمناقشته قريبا وإقراره قانونا نافذا. ونقلت الصحيفة عن مصدر مسؤول في «وزارة الداخلية» أن مشروع القانون «سيحد من تزوير التأشيرات وجوازات السفر». وأضاف المصدر أن مشروع القانون يتلاءم مع التطورات التكنولوجية، كما أنه نص على عقوبات لمن يخالف أحكامه، كالعمل على تسهيل الحصول على تأشيرات غير نظامية للمغادرة خارج سوريا. ولفت المصدر إلى أن مشروع القانون «وضع إجراءات صارمة للحصول على جواز السفر للحد من تزويره».
ويقول معارض سوري مقيم في الخارج إن جواز السفر، كان دائما من وسائل النظام التاريخية، للضغط على معارضيه، حيث لم يكن يمنح لأي شخص يشتبه بمعارضته النظام، وبالتالي وضعه فيما يشبه إقامة الجبرية في بلاده، فيما يهدف المشروع الحالي إلى وضع مئات آلاف السوريين في حالة مشابهة في البلدان التي يقيمون فيها حاليا.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، ازداد إلى حد كبير عدد المعارضين السوريين في الخارج. ويتجول معظم هؤلاء بوثائق السفر السورية التي انتهت صلاحية معظمها وتم تجديدها بطرق مختلفة، بعضها نظامي وبعضها الآخر يعتمد على الرشاوى والتزوير.
عمليا، لم تكن الجوازات تشكل أزمة كبيرة للقادرين على دفع ثمنها. ويقول ضابط سوري منشق إنه استطاع الحصول على جواز سفر أصلي أصدر من دمشق في عام 2013، على الرغم من أنه عسكري (والعسكر لا يمنحون جوازات سفر إلا للمهمات الخاصة) وعلى الرغم من انشقاقه وهربه من وحدته العسكرية في مدرسة المشاة في حلب. ويشير الضابط إلى أنه فر إلى تركيا ومن هناك استطاع تدبير جواز السفر بعد دفع بدل مادي.
وبينما يفقد مئات آلاف السوريين القدرة على الحصول على جوازات سفر، كحال السوريين في ليبيا الذين يقدر عددهم بنحو 600 ألف سوري، لعدم وجود قنصلية، وهذا الأمر نفسه ينطبق على الكثير من الدول الأخرى التي أقفلت سفارات النظام.
وبما أن أيا من الدول، لم يعترف بسلطة بديلة عن النظام السوري، يبقى المعارضون تحت رحمة سفارات النظام، التي تعطي بعضهم جوازات سفر وتحجبها عن آخرين. وفي تركيا التي طردت سفير النظام، وتعد ملاذا آمنا للمعارضة السورية، ما تزال الجهة الرسمية المخولة التعامل مع السوريين هي القنصلية السورية التي يحتشد مئات السوريين يوميا أمام أبوابها للحصول على جوازات سفر، أو القيام بإجراءات تتعلق بأحوالهم الشخصية.
ويقول معارض سوري مقيم في تركيا إن سفارة بلاده تطلب الوثائق من الراغبين بالحصول على جوازات السفر، على أن يعود بعدها بنحو أسبوعين إلى شهر، فإما أن يعطى جوازا جديدا، وإما أن يجري تبليغه بأنه «عليك محكمة» أي إن هناك ملاحقة قضائية بحقه تمنعه من الحصول على الجواز. ويشير المعارض إلى أن مهلة الحصول على الجواز قد تصل أحيانا إلى نحو شهرين.
وبعد سيطرة المعارضة على حلب، سيطرت بعض الجهات في المعارضة على مخزون كبير من اللصقات الخاصة بتجديد جوازات السفر، بالإضافة إلى جوازات سفر فارغة، وأخرى منجزة عليها أسماء أصحابها. وقد استفاد هؤلاء منها إلى حد كبير، فبدأت عملية تجديد جوازات السفر عبرهم بحيث يجري التجديد بمبلغ يصل إلى نحو 1500 دولار، فيما يدفع «رسم» الجواز الجديد نحو 2500 دولار. وهي عملية متقنة لجهة تأمينها كل المواصفات المطلوبة في السفارات والمطارات. كما عمد هؤلاء أيضا إلى بيع وثائق سفر بأسماء أشخاص آخرين عليها صورة الشخص الذي اشترى الجواز.
ووجد المعارضون السوريون وسائل مختلفة للحصول على وثائق سفر تمكنهم من التجول في العالم، فمنهم من حصل وثائق سورية جرى شراؤها، أو دفعت رشاوى للحصول عليها، ومنهم من حصل على وثائق أجنبية. علما أن قطر منحت الكثير من القيادات السورية وثيقة سفر لمرة واحدة سمحت لهم العام الماضي بالسفر إليها للمشاركة في اجتماعات تأسيس الائتلاف الوطني السوري.
ويمتلك الكثير من المعارضين السوريين جنسيات أجنبية تمكنهم من السفر بجوازاتهم الأجنبية، فممثل الائتلاف في الولايات المتحدة يحمل الجنسية الأميركية، ومثله رئيس بيت الخبرة السوري رضوان زيادة وكذلك رئيس المكتب الإعلامي للائتلاف السوري خالد الصالح، والمعارضة فرح الأتاسي، وأيضا سالم المسلط وجمال الورد.
ويمتلك المعارض السوري برهان غليون الجنسية الفرنسية، ومثله منذر ماخوس (ممثل الائتلاف في فرنسا) الذي يمتلك أربع جنسيات فخرية منها الروسية. ويمتلك المعارض السوري نذير الحكيم الجنسية الفرنسية بدوره، أما رئيس المجلس الوطني المعارض جورج صيرا والمعارضة سهير الأتاسي، فهما يمتلكان حق اللجوء السياسي في فرنسا ويسافران بأوراق فرنسية تثبت ذلك.
ويمتلك زعيم حركة الإخوان المسلمين السابق صدر الدين علي البيانوني جواز سفر بريطانيا، ومثله ممثل الائتلاف في لندن وليد سفور والمعارض أنس العبدة، وهما من حركة الإخوان أيضا.
أما سنحاريب ميرزا فلديه الجنسية الألمانية، وعبد الأحد أصطيفو الجنسية البلجيكية، وحسان الهاشمي الكندية، وعالية منصور اللبنانية، وخالد خوجة التركية، فيما يمتلك بدر الدين جاموس، الأمين العام السابق للائتلاف الجنسية المالدوفية.
أما رئيس الائتلاف الحالي هادي البحرة، فيحمل جواز سفر سوريا، وكذلك الرئيس السابق أحمد الجربا، وهما سيكونان في طليعة المتضررين من تغيير جوازات السفر السورية.
وينص مشروع القانون السوري الجديد على منح جوازات السفر على اختلاف أنواعها لطالبيها من المواطنين السوريين وللجهات والأشخاص، الذين يرى وزير الداخلية موجبا لمنحهم جوازات السفر. وبين مشروع القانون أنه لا يحق لوزير الداخلية سحب جوازات السفر من أي مواطن، وكان القانون الحالي قد منح هذه الميزة لوزير الداخلية. وتضمن مشروع القانون فرض عقوبات على كل من يخالف أحكام القرارات الصادرة بالحبس حتى ثلاث سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن 100 ألف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما فرض مشروع القانون العقوبات ذاتها على كل من يبدي أمام الجهات المختصة أقوالا كاذبة أو يقدم إليها أوراقا غير صحيحة مع علمه بذلك لتسهيل حصوله أو حصول غيره على تأشيرة خروج تتيح له مغادرة الأراضي العربية السورية. علما أن القانون الحالي كان قد فرض عقوبة السجن لثلاثة أشهر وغرامة مالية لا تتجاوز 500 ليرة.



الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.