«داعش خراسان»... تنظيم إرهابي جديد يترسخ في أفغانستان

الشريط الحدودي مع باكستان بيئة خصبة وجاذبة للمتطرفين

عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
TT

«داعش خراسان»... تنظيم إرهابي جديد يترسخ في أفغانستان

عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)

ما الذي يجري في أفغانستان هذه الأيام وهل ستضحى منطقة خراسان الموقع والموضع لنشوء وارتقاء النسخة الثانية من تنظيم داعش، وفي منطقة لا يزال المد الأصولي فيها فاعلاً من جهة ممثلة في «طالبان»، ومن ناحية أخرى الصراع بين موسكو وواشنطن يتفاعل على الأرض من جديد؟
الشاهد، أننا أمام تصريحات وتحليلات عدة، شواهد وأحداث، تجعل المخاوف تتصاعد بشأن ما يحدث في تلك المنطقة الملتهبة تاريخياً، والتي لم تخلُ من الحرب والإرهاب طوال عقود... ماذا عن ذلك؟
في الثالث من سبتمبر (أيلول) الحالي أطلقت السلطات البريطانية تحذيراً مفاده، أن الإرهابيين يجمعون شتاتهم في أفغانستان، ولا سيما بعد الاندحار الذي حدث لهم في العراق وسوريا.
التصريحات أطلقها وزير الدفاع، غافين ويليامسون، في حديثه لصحيفة «التايمز» البريطانية وقد جاءت في سياق تعليل إرسال بريطانيا لمئات عدة من جنودها إلى أفغانستان.
ولعل القارئ للتقرير الذي نشرته «التايمز» يوقن بأن الاستخبارات الخارجية البريطانية تتوافر لديها معلومات عن الحضور الداعشي الجديد في الداخل الأفغاني، باعتبار أفغانستان على رأس الدول المرشحة لاستضافة عناصر التنظيم؛ لأنها تتسم بتصاعد التيارات الدينية فيها، فضلاً عن الغياب الكامل لمفهوم سيادة الدولة لديها، ومن ثم يمكن أن يكون الشريط الحدودي بين باكستان وأفغانستان، مرشحاً لأن يصبح بيئة خصبة وجاذبة لتنظيم داعش لإعادة ترتيب صفوفه، ومن ثم استعادة قوته. والمؤكد، أنه منذ عام 2015 والصراع جارٍ في أفغانستان بين الدواعش و«طالبان» في محاولة للسيطرة على ساحة التطرف هناك، ووصل الأمر إلى مواجهات مسلحة بين الجانبين. وفي 26 يناير (كانون الثاني) 2015، أعلن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش «قيام ولاية خراسان» فرع لتنظيم داعش «يتخذ من باكستان وأفغانستان محل نشاطه، حيث يتشكل فرع التنظيم من مجموعات مقاتلة، منها مجموعة منفصلة عن حركة طالبان، وأخرى من حركة أوزبكستان الإسلامية، وضمت مقاتلين من آسيا الوسطى والقوقاز وإقليم الايجور، وقد صنفت ولاية خراسان منظمة إرهابية من قبل الولايات لمتحدة الأميركية في يناير 2016».

تنظيم «داعشي» مختلف
هل نحن أمام تنظيم داعش القديم نفسه، أم أننا إزاء «داعش» جديد بلمحات ولمسات، بل توجهات أصولية مختلفة؟
قبل التنظير الفكري للجواب ربما يتوجب علينا الإشارة إلى الأحداث التي وقعت الأيام القليلة الماضية هناك، التي تكشف لنا أبعاد المشهد الداعشي الجديد أو جزءاً منه على الأقل. في 25 أغسطس (آب) الماضي أكدت القوات الأميركية في أفغانستان، أن قائد تنظيم داعش الإرهابي في البلاد قد قُتل في هجوم وقع في المنطقة الشرقية من محافظة ننغارهار، ومعه نحو عشرة مقاتلين آخرين.
المفاجأة هنا، أن القائد الذي قتل ليس أبو بكر البغدادي، الزعيم المعروف لـ«داعش» في العراق والشام، بل أبو سيد أوركزاي، والاسم يدلل على أنه ليس عربياً أو شرق أوسطي، بل آسيوي بدرجة أو بأخرى.
قبل هذا الهجوم الأميركي وبعده كان «داعش» هناك يوجه سهام نيرانه لقوات «طالبان» التقليدية؛ ففي منتصف أغسطس عينه اندلعت اشتباكات بين مسلحي حركة طالبان وتنظيم ولاية خراسان في الإقليم عينه؛ مما أسفر عن مقتل بعض عناصر تنظيم داعش في نسخته الأفغانية.
لم ينتظر «الدواعش الأفغان» أو العرب والأفغان وبقية الجنسيات طويلاً، فبعد شهر تقريباً، أي في منتصف سبتمبر الحالي كان عنصران من عناصر «داعش» يقتحمان منزلاً لأحد قادة «طالبان» يدعى قاري غضنفر، في ولاية سريبول، شمالي أفغانستان ويفتحان نيران أسلحتهما الرشاشة ليوقعا نحو خمسة عشر فرداً من «طالبان» الموجودين في حفل إقامة مراسم الفاتحة، وكان من بين القتلى عدد من أقارب غضنفر، في مقدمتهم شقيقه الذي فارق الحياة إثر تعرضه لوابل من الرصاص، في حين تمكن المهاجمان من الهرب.
وقبل بضعة أسابيع كان الجنرال الأميركي جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية المكلف الإشراف على الحرب في أفغانستان، يحذر من أن هناك علامات تنذر بأن تجمعات جديدة للإرهابيين باتت تعيد تنظيم صفوفها، وأنها تتهيأ لمهاجمة الغرب مرة جديدة، ملمحاً إلى أنها «داعش» ولو في ثوب مغاير عما سبق رؤيته في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما أنه استخدم «ولاية خراسان» في تصريحاته بشكل لافت للنظر.
إلى أي مدى تتسق تصريحات الجنرال فوتيل مع بعض الأوراق الصادرة عن المراكز البحثية الأميركية في الفترة الماضية؟
يبدو أن هناك تطابقاً كبيراً جداً يؤكد وجود «داعش خراسان» في ثوب إرهابي جديد، ومن تلك الدراسات ما جاد به مركز «الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب» من أن تنظيم داعش في ولاية خراسان يصنف على أنه جماعة إرهابية منفصلة عن «داعش» في سوريا والعراق، ولهذا تم إدراجه واحداً من أكثر عشر مجموعات إرهابية فتكاً في العالم، بعد أن نفذ 197 هجوماً في 2017 أدت إلى مقتل 1302 شخص.

«خراسان»... صراع أميركي - باكستاني
من المفيد للقارئ في تحليل مشهد «داعش الخراسانية» الجديدة الإشارة إلى إقليم خراسان ولو في عجالة، تلك المنطقة الجغرافية الواسعة التي من الناحية التاريخية يشمل إقليم خراسان شمال غربي أفغانستان وأجزاء من جنوب تركمانستان، إضافة إلى مقاطعة خراسان الحالية في إيران ومن مدنه التاريخية «هيرات، ونيسابور وطوس التي تعرف باسم مشهد اليوم».
هذا الموقع الجغرافي يجعل إقليم خراسان مركزاً لتجاذب القوى السياسية المختلفة في المنطقة وبخاصة باكستان المرتبطة تاريخيا بـ«طالبان»؛ الأمر الذي دعا بعضاً من وسائل الإعلام الأميركية الأيام الماضية إلى الإشارة إلى وجود إشكالية حقيقية عميقة بين واشنطن وإسلام آباد، حيث تصر أميركا على أن تقطع باكستان علاقاتها بالإرهابيين الذين تأويهم لاستخدامهم أوراق ضغط في صراعاتها في المنطقة، ولكي تحافظ على حضورها رمانةَ ميزانٍ في منطقة آسيوية متفجرة. يعضد الحديث السابق ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بداية سبتمبر الحالي عن إلغاء المساعدات إلى إسلام آباد بسبب عدم اتخاذها إجراءً حاسماً ضد المتشددين، حيث توفر لهم ملاذات آمنة وبخاصة للمسلمين منهم الذين يشنون حرباً منذ 17 عاماً بينما تنفي باكستان الادعاءات الأميركية في هذا الشأن.
وتطالب واشنطن إسلام آباد باتخاذ إجراءات ضد حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني، ومعروف أن الولايات المتحدة قد دعمت باكستان طويلاً لمواجهة حركة طالبان في أفغانستان، ولتعزيز التعاون لمواجهة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، ومن بينها «داعش» الإرهابي.
من يدعم «داعش خراسان» و«طالبان»؟
ضمن الفوضى التي ستولد، ولا شك، كوارث إرهابية عالمية في قادم الأيام، فكرة وجود دعم دولي مزدوج لكل جماعة إرهابية، وبات وكأن هناك من يقدم دعمه لـ«طالبان»، في حين «داعش خراسان» يجد مدداً من جانب آخر وبينهما يقف الجيش الأفغاني حائراً في المنتصف على الرغم من الدعم الذي تقدمه له الولايات المتحدة الأميركية... ما هو وضع «طالبان» حالياً، وهل هي قادرة بالفعل على صد ورد هجمات «دواعش خراسان»؟ لكن يبقى السؤال محل البحث «من الذي يقوم بتزويد الدواعش الخراسانية بالأسلحة؟
الجواب غير واضح والبحث عنه شاق ومضنٍ؛ إذ يبدو أننا في معركة أقطاب كبرى بالوكالة على الأراضي الأفغانية وفي خراسان من جديد. لكن يلفت النظر في البحث عن رد مقنع للسؤال سابق الذكر ما أعلنته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأيام الماضية من أننا «نود التأكيد مجدداً على تحليقات تقوم بها مروحيات مجهولة الهوية شمالي أفغانستان لنقل أسلحة وعتاد لمقاتلي تنظيم داعش المحليين»، كناية عن «دواعش أفغانستان وخراسان» وعناصر «طالبان» الذين يتعاونون مع هذه المجموعات الإرهابية.
ذكرت زاخاروفا أيضاً، أن هناك تقارير إعلامية أفغانية محلية وإفادات لشهود عيان تؤكد رصد هذه التحليقات في ولاية سيربول شمالي أفغانستان مؤخراً، وأن التحليقات تجري بالقرب من حدود دول آسيا الوسطى والكثير من مسلحي «داعش» ينحدرون من هذه البلدان. شيء ما يجعلنا نكاد نشك في أن طرفاً قطبياً بعينه (الولايات لمتحدة الأميركية)، هو من يقوم بذلك، والسبب ما أضافته زاخاروفا في تصريحاتها؛ إذ أشارت إلى أن تحليقات المروحيات المشبوهة لا تلقى أي رد فعل من قبل أجهزة الأمن الأفغانية وقيادات القوات الأميركية والأطلسية المتواجدة في البلاد. التصريحات المتقدمة تستدعي تساؤلات عميقة وجذرية، فمن الذي يقف وراء هذه التحليقات ويسلح «دواعش خراسان» ويعمل سراً على إنشاء معاقل لهم بالقرب من حدود رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفياتية السابقة) الجنوبية، ولماذا يحدث ذلك في ظل بقاء أجواء أفغانستان تحت السيطرة الفعلية لقيادة الناتو؟

هل يدعم الروس «طالبان»؟
في مقابل الشكوك الدائرة تجاه الولايات المتحدة الأميركية، وإمكانية دعمها المستتر لـ«داعش خراسان» بدا وكأن هناك مؤخراً اتجاهاً لتحميل روسيا فكرة دعم «طالبان» من أجل وقف المد الداعشي في أفغانستان أولاً، وتجاه روسيا والصين ثانية.
في هذا الإطار، يمكننا استحضار استراتيجية الاستدارة نحو آسيا الصادرة في واشنطن في 2010، وجل ما فيها محاولة وقف النمو الروسي والصيني عن التمدد عالمياً، وغير خافٍ على أحد علاقة الولايات المتحدة الأميركية بجماعات الإسلام السياسي والتيارات الأصولية المختلفة في آسيا، وإمكانية اعتبارها خنجراً في الخاصرتين الروسية والصينية، وهذه قصة أخرى تحتاج إلى حديث مفصل.
مهما يكن من أمر، فإن السفير الأفغاني لدى موسكو، عبد القيوم كوتشاي، هو من أشعل نيران تلك التخمينات السياسية والاستخباراتية دفعة واحدة، وذلك حين أعلن عن «نية روسيا استخدام حركة طالبان في قتال تنظم داعش في أفغانستان»؛ الأمر الذي جعل وزارة الخارجية الروسية تصدر بياناً جاء فيه «نود أن نؤكد بكل وضوح أن تصريحات رئيس البعثة الأفغانية في موسكو غير صحيحة؛ إذ لا تتوافق مع الواقع، بل تشوه تماماً فحوى سياسة روسيا في المسار الأفغاني كما أكدنا ذلك مراراً لمفبركي تلك التلفيقات». لكن صراع الأقطاب الدولية يفتح الأبواب واسعة أمام جميع السيناريوهات، ولا سيما أن إجراءً أميركياً بعينه جعل كل المهتمين بشأن أفغانستان والدواعش يتساءلون، ما الذي تنتويه إدارة الرئيس ترمب تحديداً بالنسبة لهذا الملف الذي يكاد الغموض يلفه بشكل كبير؟

أميركا... قوات خاصة لا حكومية
يكاد الناظر للقرارات والتوجهات التي يدرسها الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الأيام، يقطع بأن اشتعال المشهد الأفغاني قادم لا محالة، وأن قصة «داعش خراسان» في أولى فصولها وربما الأسوأ لم يأتِ بعد؛ إذ يمضي الرئيس ترمب في سحب القوات الأميركية كافة من الداخل الأفغاني، والاستعاضة عنها بمجموعات مقاتلة من الشركات الأمنية الخاصة. خطة ترمب كما تسربت أخبارها الأولية للإعلام الغربي، تقوم على سحب نحو 15000 ألف جندي من القوات الأميركية واستبدالهم بثمانية آلاف من المتعاقدين، ويبدو أن شركة «بلاك ووتر» لها نصيب الأسد في هذه الخطة القادمة، ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في استبدال ترمب الجنرال جون نيكسون، قائد القوات الأميركية في أفغانستان، بالجنرال سكوت ميلر، المحارب المخضرم المتخصص بالعمليات الخاصة.
هنا، فإن أمرين يمكنهما أن يجعلا من هذه القصة حقيقية، الأول أنها ستخفض نحو 70 مليار دولار التي تشكل تكلفة الحرب في أفغانستان سنوياً؛ الأمر الذي يخدم أهداف ترمب الاقتصادية في الداخل.
والآخر، هو توفير الدم الأميركي الرسمي؛ ما يعني أن مخططات الحروب الجديدة، وضمنها الإرهاب في طبعته الداعشية المختلفة، ماضية قدماً من دون أن توجه اتهامات لترمب كتلك التي تواجهها إلى بوش الابن رسمياً وتاريخياً.
والخلاصة... «داعش خراسان» فصل جديد من فصول الإرهاب الأصولي لم تتكشف أبعاده بعد بالمطلق، وإن كان المتوقع أكثر ظلامية وسوداوية ربما من «داعش الشرق الأوسط».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».