«داعش خراسان»... تنظيم إرهابي جديد يترسخ في أفغانستان

الشريط الحدودي مع باكستان بيئة خصبة وجاذبة للمتطرفين

عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
TT

«داعش خراسان»... تنظيم إرهابي جديد يترسخ في أفغانستان

عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)
عناصر متطرفة من «داعش خراسان» عقب استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى القوات الأفغانية في مقاطعة جوزجان (شبرغان) الشهر الماضي (رويترز)

ما الذي يجري في أفغانستان هذه الأيام وهل ستضحى منطقة خراسان الموقع والموضع لنشوء وارتقاء النسخة الثانية من تنظيم داعش، وفي منطقة لا يزال المد الأصولي فيها فاعلاً من جهة ممثلة في «طالبان»، ومن ناحية أخرى الصراع بين موسكو وواشنطن يتفاعل على الأرض من جديد؟
الشاهد، أننا أمام تصريحات وتحليلات عدة، شواهد وأحداث، تجعل المخاوف تتصاعد بشأن ما يحدث في تلك المنطقة الملتهبة تاريخياً، والتي لم تخلُ من الحرب والإرهاب طوال عقود... ماذا عن ذلك؟
في الثالث من سبتمبر (أيلول) الحالي أطلقت السلطات البريطانية تحذيراً مفاده، أن الإرهابيين يجمعون شتاتهم في أفغانستان، ولا سيما بعد الاندحار الذي حدث لهم في العراق وسوريا.
التصريحات أطلقها وزير الدفاع، غافين ويليامسون، في حديثه لصحيفة «التايمز» البريطانية وقد جاءت في سياق تعليل إرسال بريطانيا لمئات عدة من جنودها إلى أفغانستان.
ولعل القارئ للتقرير الذي نشرته «التايمز» يوقن بأن الاستخبارات الخارجية البريطانية تتوافر لديها معلومات عن الحضور الداعشي الجديد في الداخل الأفغاني، باعتبار أفغانستان على رأس الدول المرشحة لاستضافة عناصر التنظيم؛ لأنها تتسم بتصاعد التيارات الدينية فيها، فضلاً عن الغياب الكامل لمفهوم سيادة الدولة لديها، ومن ثم يمكن أن يكون الشريط الحدودي بين باكستان وأفغانستان، مرشحاً لأن يصبح بيئة خصبة وجاذبة لتنظيم داعش لإعادة ترتيب صفوفه، ومن ثم استعادة قوته. والمؤكد، أنه منذ عام 2015 والصراع جارٍ في أفغانستان بين الدواعش و«طالبان» في محاولة للسيطرة على ساحة التطرف هناك، ووصل الأمر إلى مواجهات مسلحة بين الجانبين. وفي 26 يناير (كانون الثاني) 2015، أعلن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش «قيام ولاية خراسان» فرع لتنظيم داعش «يتخذ من باكستان وأفغانستان محل نشاطه، حيث يتشكل فرع التنظيم من مجموعات مقاتلة، منها مجموعة منفصلة عن حركة طالبان، وأخرى من حركة أوزبكستان الإسلامية، وضمت مقاتلين من آسيا الوسطى والقوقاز وإقليم الايجور، وقد صنفت ولاية خراسان منظمة إرهابية من قبل الولايات لمتحدة الأميركية في يناير 2016».

تنظيم «داعشي» مختلف
هل نحن أمام تنظيم داعش القديم نفسه، أم أننا إزاء «داعش» جديد بلمحات ولمسات، بل توجهات أصولية مختلفة؟
قبل التنظير الفكري للجواب ربما يتوجب علينا الإشارة إلى الأحداث التي وقعت الأيام القليلة الماضية هناك، التي تكشف لنا أبعاد المشهد الداعشي الجديد أو جزءاً منه على الأقل. في 25 أغسطس (آب) الماضي أكدت القوات الأميركية في أفغانستان، أن قائد تنظيم داعش الإرهابي في البلاد قد قُتل في هجوم وقع في المنطقة الشرقية من محافظة ننغارهار، ومعه نحو عشرة مقاتلين آخرين.
المفاجأة هنا، أن القائد الذي قتل ليس أبو بكر البغدادي، الزعيم المعروف لـ«داعش» في العراق والشام، بل أبو سيد أوركزاي، والاسم يدلل على أنه ليس عربياً أو شرق أوسطي، بل آسيوي بدرجة أو بأخرى.
قبل هذا الهجوم الأميركي وبعده كان «داعش» هناك يوجه سهام نيرانه لقوات «طالبان» التقليدية؛ ففي منتصف أغسطس عينه اندلعت اشتباكات بين مسلحي حركة طالبان وتنظيم ولاية خراسان في الإقليم عينه؛ مما أسفر عن مقتل بعض عناصر تنظيم داعش في نسخته الأفغانية.
لم ينتظر «الدواعش الأفغان» أو العرب والأفغان وبقية الجنسيات طويلاً، فبعد شهر تقريباً، أي في منتصف سبتمبر الحالي كان عنصران من عناصر «داعش» يقتحمان منزلاً لأحد قادة «طالبان» يدعى قاري غضنفر، في ولاية سريبول، شمالي أفغانستان ويفتحان نيران أسلحتهما الرشاشة ليوقعا نحو خمسة عشر فرداً من «طالبان» الموجودين في حفل إقامة مراسم الفاتحة، وكان من بين القتلى عدد من أقارب غضنفر، في مقدمتهم شقيقه الذي فارق الحياة إثر تعرضه لوابل من الرصاص، في حين تمكن المهاجمان من الهرب.
وقبل بضعة أسابيع كان الجنرال الأميركي جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية المكلف الإشراف على الحرب في أفغانستان، يحذر من أن هناك علامات تنذر بأن تجمعات جديدة للإرهابيين باتت تعيد تنظيم صفوفها، وأنها تتهيأ لمهاجمة الغرب مرة جديدة، ملمحاً إلى أنها «داعش» ولو في ثوب مغاير عما سبق رؤيته في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما أنه استخدم «ولاية خراسان» في تصريحاته بشكل لافت للنظر.
إلى أي مدى تتسق تصريحات الجنرال فوتيل مع بعض الأوراق الصادرة عن المراكز البحثية الأميركية في الفترة الماضية؟
يبدو أن هناك تطابقاً كبيراً جداً يؤكد وجود «داعش خراسان» في ثوب إرهابي جديد، ومن تلك الدراسات ما جاد به مركز «الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب» من أن تنظيم داعش في ولاية خراسان يصنف على أنه جماعة إرهابية منفصلة عن «داعش» في سوريا والعراق، ولهذا تم إدراجه واحداً من أكثر عشر مجموعات إرهابية فتكاً في العالم، بعد أن نفذ 197 هجوماً في 2017 أدت إلى مقتل 1302 شخص.

«خراسان»... صراع أميركي - باكستاني
من المفيد للقارئ في تحليل مشهد «داعش الخراسانية» الجديدة الإشارة إلى إقليم خراسان ولو في عجالة، تلك المنطقة الجغرافية الواسعة التي من الناحية التاريخية يشمل إقليم خراسان شمال غربي أفغانستان وأجزاء من جنوب تركمانستان، إضافة إلى مقاطعة خراسان الحالية في إيران ومن مدنه التاريخية «هيرات، ونيسابور وطوس التي تعرف باسم مشهد اليوم».
هذا الموقع الجغرافي يجعل إقليم خراسان مركزاً لتجاذب القوى السياسية المختلفة في المنطقة وبخاصة باكستان المرتبطة تاريخيا بـ«طالبان»؛ الأمر الذي دعا بعضاً من وسائل الإعلام الأميركية الأيام الماضية إلى الإشارة إلى وجود إشكالية حقيقية عميقة بين واشنطن وإسلام آباد، حيث تصر أميركا على أن تقطع باكستان علاقاتها بالإرهابيين الذين تأويهم لاستخدامهم أوراق ضغط في صراعاتها في المنطقة، ولكي تحافظ على حضورها رمانةَ ميزانٍ في منطقة آسيوية متفجرة. يعضد الحديث السابق ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بداية سبتمبر الحالي عن إلغاء المساعدات إلى إسلام آباد بسبب عدم اتخاذها إجراءً حاسماً ضد المتشددين، حيث توفر لهم ملاذات آمنة وبخاصة للمسلمين منهم الذين يشنون حرباً منذ 17 عاماً بينما تنفي باكستان الادعاءات الأميركية في هذا الشأن.
وتطالب واشنطن إسلام آباد باتخاذ إجراءات ضد حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني، ومعروف أن الولايات المتحدة قد دعمت باكستان طويلاً لمواجهة حركة طالبان في أفغانستان، ولتعزيز التعاون لمواجهة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، ومن بينها «داعش» الإرهابي.
من يدعم «داعش خراسان» و«طالبان»؟
ضمن الفوضى التي ستولد، ولا شك، كوارث إرهابية عالمية في قادم الأيام، فكرة وجود دعم دولي مزدوج لكل جماعة إرهابية، وبات وكأن هناك من يقدم دعمه لـ«طالبان»، في حين «داعش خراسان» يجد مدداً من جانب آخر وبينهما يقف الجيش الأفغاني حائراً في المنتصف على الرغم من الدعم الذي تقدمه له الولايات المتحدة الأميركية... ما هو وضع «طالبان» حالياً، وهل هي قادرة بالفعل على صد ورد هجمات «دواعش خراسان»؟ لكن يبقى السؤال محل البحث «من الذي يقوم بتزويد الدواعش الخراسانية بالأسلحة؟
الجواب غير واضح والبحث عنه شاق ومضنٍ؛ إذ يبدو أننا في معركة أقطاب كبرى بالوكالة على الأراضي الأفغانية وفي خراسان من جديد. لكن يلفت النظر في البحث عن رد مقنع للسؤال سابق الذكر ما أعلنته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأيام الماضية من أننا «نود التأكيد مجدداً على تحليقات تقوم بها مروحيات مجهولة الهوية شمالي أفغانستان لنقل أسلحة وعتاد لمقاتلي تنظيم داعش المحليين»، كناية عن «دواعش أفغانستان وخراسان» وعناصر «طالبان» الذين يتعاونون مع هذه المجموعات الإرهابية.
ذكرت زاخاروفا أيضاً، أن هناك تقارير إعلامية أفغانية محلية وإفادات لشهود عيان تؤكد رصد هذه التحليقات في ولاية سيربول شمالي أفغانستان مؤخراً، وأن التحليقات تجري بالقرب من حدود دول آسيا الوسطى والكثير من مسلحي «داعش» ينحدرون من هذه البلدان. شيء ما يجعلنا نكاد نشك في أن طرفاً قطبياً بعينه (الولايات لمتحدة الأميركية)، هو من يقوم بذلك، والسبب ما أضافته زاخاروفا في تصريحاتها؛ إذ أشارت إلى أن تحليقات المروحيات المشبوهة لا تلقى أي رد فعل من قبل أجهزة الأمن الأفغانية وقيادات القوات الأميركية والأطلسية المتواجدة في البلاد. التصريحات المتقدمة تستدعي تساؤلات عميقة وجذرية، فمن الذي يقف وراء هذه التحليقات ويسلح «دواعش خراسان» ويعمل سراً على إنشاء معاقل لهم بالقرب من حدود رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفياتية السابقة) الجنوبية، ولماذا يحدث ذلك في ظل بقاء أجواء أفغانستان تحت السيطرة الفعلية لقيادة الناتو؟

هل يدعم الروس «طالبان»؟
في مقابل الشكوك الدائرة تجاه الولايات المتحدة الأميركية، وإمكانية دعمها المستتر لـ«داعش خراسان» بدا وكأن هناك مؤخراً اتجاهاً لتحميل روسيا فكرة دعم «طالبان» من أجل وقف المد الداعشي في أفغانستان أولاً، وتجاه روسيا والصين ثانية.
في هذا الإطار، يمكننا استحضار استراتيجية الاستدارة نحو آسيا الصادرة في واشنطن في 2010، وجل ما فيها محاولة وقف النمو الروسي والصيني عن التمدد عالمياً، وغير خافٍ على أحد علاقة الولايات المتحدة الأميركية بجماعات الإسلام السياسي والتيارات الأصولية المختلفة في آسيا، وإمكانية اعتبارها خنجراً في الخاصرتين الروسية والصينية، وهذه قصة أخرى تحتاج إلى حديث مفصل.
مهما يكن من أمر، فإن السفير الأفغاني لدى موسكو، عبد القيوم كوتشاي، هو من أشعل نيران تلك التخمينات السياسية والاستخباراتية دفعة واحدة، وذلك حين أعلن عن «نية روسيا استخدام حركة طالبان في قتال تنظم داعش في أفغانستان»؛ الأمر الذي جعل وزارة الخارجية الروسية تصدر بياناً جاء فيه «نود أن نؤكد بكل وضوح أن تصريحات رئيس البعثة الأفغانية في موسكو غير صحيحة؛ إذ لا تتوافق مع الواقع، بل تشوه تماماً فحوى سياسة روسيا في المسار الأفغاني كما أكدنا ذلك مراراً لمفبركي تلك التلفيقات». لكن صراع الأقطاب الدولية يفتح الأبواب واسعة أمام جميع السيناريوهات، ولا سيما أن إجراءً أميركياً بعينه جعل كل المهتمين بشأن أفغانستان والدواعش يتساءلون، ما الذي تنتويه إدارة الرئيس ترمب تحديداً بالنسبة لهذا الملف الذي يكاد الغموض يلفه بشكل كبير؟

أميركا... قوات خاصة لا حكومية
يكاد الناظر للقرارات والتوجهات التي يدرسها الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الأيام، يقطع بأن اشتعال المشهد الأفغاني قادم لا محالة، وأن قصة «داعش خراسان» في أولى فصولها وربما الأسوأ لم يأتِ بعد؛ إذ يمضي الرئيس ترمب في سحب القوات الأميركية كافة من الداخل الأفغاني، والاستعاضة عنها بمجموعات مقاتلة من الشركات الأمنية الخاصة. خطة ترمب كما تسربت أخبارها الأولية للإعلام الغربي، تقوم على سحب نحو 15000 ألف جندي من القوات الأميركية واستبدالهم بثمانية آلاف من المتعاقدين، ويبدو أن شركة «بلاك ووتر» لها نصيب الأسد في هذه الخطة القادمة، ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في استبدال ترمب الجنرال جون نيكسون، قائد القوات الأميركية في أفغانستان، بالجنرال سكوت ميلر، المحارب المخضرم المتخصص بالعمليات الخاصة.
هنا، فإن أمرين يمكنهما أن يجعلا من هذه القصة حقيقية، الأول أنها ستخفض نحو 70 مليار دولار التي تشكل تكلفة الحرب في أفغانستان سنوياً؛ الأمر الذي يخدم أهداف ترمب الاقتصادية في الداخل.
والآخر، هو توفير الدم الأميركي الرسمي؛ ما يعني أن مخططات الحروب الجديدة، وضمنها الإرهاب في طبعته الداعشية المختلفة، ماضية قدماً من دون أن توجه اتهامات لترمب كتلك التي تواجهها إلى بوش الابن رسمياً وتاريخياً.
والخلاصة... «داعش خراسان» فصل جديد من فصول الإرهاب الأصولي لم تتكشف أبعاده بعد بالمطلق، وإن كان المتوقع أكثر ظلامية وسوداوية ربما من «داعش الشرق الأوسط».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.