«حسم» تناور تفادياً للهزائم

خيمة تدريب لعناصر «حسم» في منطقة صحراوية («الشرق الأوسط»)
خيمة تدريب لعناصر «حسم» في منطقة صحراوية («الشرق الأوسط»)
TT

«حسم» تناور تفادياً للهزائم

خيمة تدريب لعناصر «حسم» في منطقة صحراوية («الشرق الأوسط»)
خيمة تدريب لعناصر «حسم» في منطقة صحراوية («الشرق الأوسط»)

بورقة التبرؤ من جماعة «الإخوان»، تناور حركة «سواعد مصر... حسم» من جديد لتفادي هزائم تلقتها من قبل الأجهزة الأمنية في مصر خلال الأشهر الماضية، أفقدتها مواردها وعناصرها. لكن تبرؤ الحركة التي صُنّفت ضمن قوائم الإرهاب الدولية بعد عملياتها الإرهابية بمصر، لم يكن وليد اللحظة؛ بل نتيجة لخفوت وانحسار نجم الجماعة الأم (الإخوان). الأمر الذي فتح الباب لتساؤلات شائكة وملتبسة حول علاقة «حسم» بالجماعة الأم، عززه إعلان «الإخوان» في وقت سابق، عبر القيادي رضا فهمي، المقيم في تركيا، أن «حسم» هي إحدى حركات لـ«الإخوان» ضد النظام السياسي بمصر.
يقول خبراء ومختصون في الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن «إعلان (حسم) الآن التبرؤ من الجماعة، يكشف عن انقسام داخل (الإخوان) حول فكرة العنف نفسها». لافتين إلى أن «ما قامت به (حسم) أخيراً محاولة لجذب شباب (الإخوان) الذين فقدوا الثقة في قيادات الجماعة، وبخاصة في الخارج، وهم من وجهة نظر هؤلاء الشباب سبب ضياع التنظيم».
متحدث لـ«حسم» يدعى خالد سيف الدين، حاول خلال حوار معه أخيراً في مجلة تدعى «كلمة حق» على الإنترنت، وبكل الطرق نفي أي علاقة تربط حركته بجماعة «الإخوان»؛ لكن متحدث الحركة وقع في خطأ كشف عن انتمائه للجماعة، عندما تحدث عن اعتصام «رابعة» بعبارات فخر.
وسبق أن رفع شعار «حسم» (كف طويت أبهمه) مجموعات تابعة للجان نوعية تشكلت من شباب «الإخوان» بعد فض اعتصامين لأنصار الجماعة في ميداني «رابعة» بضاحية مدينة نصر شرق القاهرة، و«النهضة» بالجيزة في أغسطس (آب) عام 2013. من جهته، قال عمرو عبد المنعم، الخبير المتخصص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «إعلان «حسم» التبرؤ من الجماعة، يكشف عن انقسام داخل «الإخوان» حول فكرة العنف وتبني حركة «حسم» نفسها بين القيادات، ففريق يؤيد الحركة، وفريق آخر لا يتبنى «حسم»، ويحاول أن يجد بدائل أخرى غير العنف، وبخاصة بعد الحالة التي وصل إليها التنظيم، الذي يقبع قادته في السجون، وبعضهم هاربون في الخارج. وأكد عبد المنعم، أن إعلان «حسم» أنها ليست إخوانية، يضمر محاولة لجذب عناصر جديدة وقديمة من شباب «الإخوان»، ولضخ دماء وأفكار جديدة تستطيع من خلالها أن تتعامل الحركة مع الوضع الراهن حالياً. لافتاً إلى أن أي تنظيم مسلح معروف أنه يحاول أن ينفي صلته بالجماعة الأم التي كان ينتمي إليها، أو كانت تعبر عن بعض أفكاره في بعض المراحل، وكذلك «الإخوان» على مدار تاريخها لم تعترف بأي عمل عنف أو عسكري... وتقول، إن «هذه الأفعال خارجة عنها، وأن من يقوم بالعنف هي حركات منشقة عنها».
ويعتقد مراقبون، أن نزعة العنف المتوافرة لدى «الإخوان» وجدت دائماً مسارات للتعبير عن نفسها عبر خلايا وتشكيلات اتخذت لنفسها أسماء مختلفة، و«حسم» كانت تمثل إحدى النسخ «الإرهابية» التي طورتها طاقة العنف في الجماعة.

272 متهماً على قوائم الإرهاب
ويسترجع المراقبون سنوات حكم «الإخوان» في مصر، بقولهم: إنه عقب وصول الجماعة للحكم وخروجها منه، كانت هناك أجنحة لم تقبل هذا الخروج، وبدأ في عام 2013 ظهور مجموعة «العمليات النوعية» بقيادة محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح للجماعة، الذي قتل خلال مقاومته للشرطة المصرية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016)، وظهرت حينها «حسم».
ووفق معلومات سلطات تحقيق مصرية، كان من أبرز المسؤولين عن «حسم» في بدايتها، قيادات «الإخوان» في الخارج، ومن بينهم يحيى السيد موسى، وعلي السيد أحمد بطيخ.
في السياق نفسه، شهد حوار متحدث «حسم» أيضاً دعماً واضحاً لحركة «لواء الثورة»، التي تعتبرها السلطات المصرية الكيان المسلح لـ«الإخوان»، حيث قال عنها نصاً: إن «(لواء الثورة) حركة مقاومة منضبطة وواعدة، ولا نكاد نجد اختلافاً معنا في المنهج والرؤية العامة؛ لكن ربما في بعض الأساليب والتكتيكات».
ويشار إلى أنه في يوليو (تموز) الماضي، أدرجت محكمة جنايات القاهرة 272 متهماً من «حسم» و«لواء الثورة» على قوائم الإرهاب.
وأشار عبد المنعم إلى أن «حسم» و«لواء الثورة» أو الكيانات التي تقترب أو تبتعد من «الإخوان» تحمل الأدبيات والتصورات نفسها؛ لكن بعضها يرفض تصورات وأفكار الجماعة الأم وقيادتها، ويعتبرون أن ما وصلت إليه الجماعة الآن هو بفعل هذه الأشخاص؛ لذلك بالفعل حدث انشقاق خلال السنوات الأربع الأخيرة داخل «الإخوان» نتيجة الخلاف حول العنف المسلح، وأفكار منظّر الجماعة سيد قطب.
وتساءل عبد المنعم، هل «الإخوان» تبرأت من هذه التنظيمات المسلحة (أي «حسم» و«لواء الثورة» وغيرهما) من قبل؟، مجيباً، الحقيقة لا، ولم تعلن الجماعة موقفاً واضحاً من هذه الحركات، ولم تقدم إلى السلطة المصرية أوراق هذه التنظيمات حتى تنفي عنها صفة الإرهاب والعنف، لافتاً أن هناك تناقضاً كبيراً في «الإخوان»، ورغم أنها أسست «حسم» مع ثورة يناير (كانون الثاني) عام 2011 برضا وموافقة قادتها في الداخل والخارج؛ فإنها تبرأت منها بعد ذلك من خلال تصريحات متعددة.
ويشار إلى أنه من واقع اعترافات عناصر «حسم» في سجلات النيابة العامة بمصر، تم الكشف عن أن عناصر الحركة اتفقوا مع قيادات من «الإخوان» في الخارج، لإخضاعهم لتدريبات عسكرية متقدمة على استعمال الأسلحة النارية المتطورة وتصنيع العبوات المتفجرة شديدة الانفجار.

حسم» و«لواء الثورة» على قائمة المنظمات الإرهابية
وسبق أن كشفت السلطات المصرية في يوليو الماضي، عن تفاصيل مثيرة تتم داخل معسكرات «حسم» في المناطق الصحراوية، عقب توقيف قيادي في الحركة يحمل اسماً حركياً هو هاني جمال داخل مسكنه في الجيزة؛ إذ اعترف بأنه انضم إلى «الإخوان» عام 2011، وكان يحضر لقاءات الجماعة، وعقب فض اعتصامي «رابعة والنهضة»، شارك بقوة في المظاهرات وأعمال الشغب التي نظمتها الجماعة. ثم انضم إلى مجموعة يطلق عليها «مجموعات طلائع»، التي كانت جزءاً أصيلاً من «حسم»، وتم تدريب عناصرها في المعسكرات بالمناطق الصحراوية على التكتيكات العسكرية، والقنص عن بُعد، والتفخيخ، واستخدام القنابل، وتصنيع المتفجرات.
وتعد أبرز عمليات «حسم» الإرهابية، محاولة اغتيال مفتي مصر السابق علي جمعة بمدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة أغسطس 2016، ومحاولة استهداف النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز بزرع متفجرات داخل سيارة خاصة كانت متوقفة على مقربة من مسكنه سبتمبر (أيلول) 2016، وقتل 6 من أفراد الشرطة باستهداف مرتكزين أمنيين في شارع الهرم السياحي غرب العاصمة المصرية في ديسمبر (كانون الأول) 2016، وقتل إبراهيم عزازي، الضابط بقطاع الأمن الوطني، أمام منزله بمحافظة القليوبية المتاخمة للعاصمة القاهرة في يونيو (حزيران) 2017.
وأعلنت الحركة في بيان مقتضب على «إنستغرام» مسؤوليتها عن حادث منطقة الواحات الغربية، الذي أسفر عن مقتل 16 من قوات الشرطة في أكتوبر الماضي.
من جانبه، قال العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني والاستراتيجي بمصر، إن «حسم» استطاعت أن تزعج السلطات عبر عمليات خاطفة؛ لكنها لم تكن قادرة على إحداث تغيير استراتيجي كما كانت تتمنى «الإخوان». مضيفاً أن «الضربات الاستباقية لعناصر الحركة وقيادتها قضت عليها، فضلاً عن تجفيف مصادر تمويلها»، مشيراً إلى النجاحات الأمنية في استهداف بؤر «حسم» بمناطق تمركزها، وبخاصة في الجيزة، التي أفقدتها أي قدرة على الاستمرار.
وكانت دار الإفتاء المصرية، قد قالت في يوليو 2017، إن حركة «حسم» أثبتت أن العنف في تاريخ «الإخوان» لم يكن وليد اللحظة؛ بل هو استراتيجية وضعها مؤسسها حسن البنا، وتنامت على مدار التاريخ. وأضافت أن اعتراف جماعة «الإخوان» بتبعية «حسم» لها يُسقط عنها «ورقة التوت» التي كانت تواري سوأتها، وله دلالة قوية تؤكد أن الجماعة تبنت العنف منذ اللحظة الأولى ضد الدولة المصرية... كما يكشف عن تأصل العنف وتجذره في استراتيجية الجماعة على مدار تاريخها منذ بداية نشأتها حتى الآن.
وأكد باحثون في مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء، أن «البنا كان يرى أن استخدام القوة والسلاح واجب مفروض وأمر لا مفر منه؛ لكن لم يحن الوقت بعد لاستخدامها، مؤسساً بذلك فكرة (العنف المؤجل) في منهج التربية لدى الجماعة، هذه الفكرة التي عجز أفراد الجماعة عبر تاريخها عن رفضها أو انتقادها أو نبذها؛ بل ما زاد الأمر سوءاً هو شرعنة هذه الفكرة من خلال سيد قطب، الذي وجد لها مبرراً شرعياً لقيامها، والذي كان يرى أن استخدام القوة شيء مرحلي، ومن حق الجماعة استخدامه في حالة قوة تنظيمها وسيطرتها».
وأدرجت الولايات المتحدة الأميركية في فبراير (شباط) عام 2017، «حسم» و«لواء الثورة» على قائمة المنظمات الإرهابية، وسبق هذه الخطوة قرار بريطاني في ديسمبر 2016 بإدراج الحركتين على قائمة الإرهاب، وهو القرار الذي أرجعته بريطانيا لثبوت إدانتهما بالاعتداء على أفراد الأمن المصريين والشخصيات العامة.
وحول تبرؤ «حسم» من «الإخوان» في هذا التوقيت؛ حرصاً على عدم وضع الجماعة على قوائم الإرهاب، وبخاصة أن الحركة بقوائم إرهاب دولية، قال عمرو عبد المنعم، إن قادة «الإخوان» موفِّقون أوضاعهم في المجتمع الغربي، وفكرة إدراجهم في كيان إرهابي في الدول الأوروبية يتوقف على مصالح في بريطانيا وأميركا، فـ«الإخوان» متغلغلون في المجتمع الأوروبي، ولهم تواجد في منظمات المجتمع المدني. مضيفاً، لا يوجد ضغط على «الإخوان» في الغرب؛ لكنهم تحت الرقابة منذ السينات من القرن الماضي، حتى هذه اللحظة.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».