«متحف نابو»... عربي الهوى شرقي الوجهة في شمال لبنان

المبنى منحوتة صممها الفنانان العراقيان ضياء العزّاوي ومحمود العبيدي

المتحف من الداخل
المتحف من الداخل
TT

«متحف نابو»... عربي الهوى شرقي الوجهة في شمال لبنان

المتحف من الداخل
المتحف من الداخل

في بلدة «الهري» الشمالية المغمورة، وعلى شاطئ عرف بمنتجعاته الصيفية ومطاعمه نبت متحف «نابو» للفن قديمه وحديثه، ليشكل مفاجأة، إن في موقعه الجغرافي وتصميمه الحديث، أو في الوقت الذي افتتح فيه، حيث يشعر الجميع أن لبنان على شفير هاوية. «التحدي» بالنسبة للشركاء الثلاثة أصحاب الأرض والمشروع جواد عدرة، بدر الحاج وفداء جديد، يبدو أنه العنوان المضاد للمرحلة العكرة.
«صادف أن هذه الأرض ملك لنا نحن الثلاثة، والحلم مشترك» يقول جواد عدرة. كانت الفكرة الأولى أن يقام المتحف بالقرب من جامعة البلمند على مرتفع جبلي مطلّ، لكن الأسهل على ما تبين لنا، استغلال ما هو جاهز وبين يدينا. صديق رابع هو الفنان التشكيلي العراقي المعروف ضياء العزاوي صمم فكرة المبنى من الخارج. العزاوي لا يخفي فرحته بالإنجاز الكبير يقول عن مساهمته في هذا المشروع أنها جاءت بحكم الصداقة، ويشرح: «هذا البناء سيكون الأهم لمتحف في كل المنطقة، لأنه متناسب ومنسجم مع بيئته ومتصالح مع ما حوله. أقيم برؤية فنية لا هندسية بحتة، ليس له نوافذ، وسيتفاعل مع العوامل المحيطة به».
مكعب ضخم مستطيل الشكل من الفولاذ الصلب، لافت في لونه الذي ترك على طبيعته الأولى وموقعه المحاذي للبحر والشجر العتيق الذي ترك حوله. يدخله النور من بابين زجاجيين كبيرين كل منهما بارتفاع طابقين أحدهما يدخل منه الرواد من جهة الطريق والآخر يقابله تماماً يمكن الخروج منه إلى جهة البحر. كل واجهة من هذا المبنى لها هويتها وتصميمها. فثمة حفر في الصلب ليس بقليل، ويلفت العزاوي إلى الحروف العربية لا سيما حرف الميم الذي تبدأ به كلمة متحف وحفر في الجهة الرئيسية ليتحول المبنى نفسه إلى منحوتة وعمل فني يستحق التأمل. وعندما نسأله إن كان لا يخشى من الصدأ الذي ستتسبب به الملوحة والرطوبة يجيب «وعندها سيصبح المبنى أجمل. وهذا تماماً ما ننتظره».
فنان عراقي آخر كان شريكاً في المغامرة هو محمود العبيدي صديق للعزاوي، استفاد من تجربته الهندسية وقام بالعمل الداخلي، حيث جعل مع مهندسين آخرين، المتحف أربعة طوابق. طابق سفلي خصص لمكتبة ثمينة تحوي مطبوعات قديمة جمعت بعناية ومخطوطات نادرة، وطابق أول دمجت فيه معروضات للوحات كبار الفنانين التشكيليين الحديثين، مع قطع أثرية قديمة جداً، حيث إن المجموعة المعروضة تتضمن أثريات من ألفي سنة قبل الميلاد إلى يومنا هذا وهذا جزء من فلسفة المتحف وهويته التي ترى في الامتداد الزمني والنتاجات الفنية كلاً واحداً مترابطاً. ولا تستغرب أن يلفت نظرك أحد المهتمين بالمعرض إلى أن وجهاً لامرأة في لوحة لجبران خليل جبران معروضة على الحائط، ذات شبه كبير بوجه منحوت موضوع بقربها في إحدى الفترينات لامرأة يعود إلى ما قبل الميلاد. هذه المقاربة جعلت الطابقين الرئيسيين اللذين يتشكل منهما المتحف وكأنهما صالة واحدة. فالطابق العلوي هو عبارة عن شرفة من زجاج تكشف منها الطابق الأول، فيما ترك السقف زجاجياً هو الآخر ومفتوحاً على الفضاء.
المجموعة المعروضة ليست كبيرة نسبة إلى المعارض الضخمة التي ترعاها دول، وتعنى بها حكومات، لكنها ذات أهمية استثنائية. إذ تضم تلك القطع التي استطاع الحصول عليها أحد أصحاب المتحف جواد عدرة، وتعرف باسم مجموعة «موشي ديان». وهي قطع يقال بأنه تم التنقيب عنها ليس فقط في فلسطين بل في الجولان وجنوب لبنان، وأهداها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إلى أصدقاء له، وعرضها ورثتهم للبيع وتم شراؤها واستعادتها وهي معروضة في هذا المتحف. وهذا جزء من التحدي الذي يأخذه على عاتقه المتحف، في موقف رافض للتفريط بالآثار والأعمال الفنية ومحاولة لم شملها مع بعضها البعض، وقراءتها باستمرار. و«المتحف ليس لبنانياً وإنما عربي وهذا أمر مشجع»، بحسب ما يشرح العزاوي، حيث يحاول أن يعطي فكرة عن الفن الذي وجد في المنطقة منذ أقدم العصور إلى اليوم، دون تفريق بين رسم ونحت وآنية مزخرفة أو إبريق روماني نادر على شكل عناقيد عنب من الزجاج يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد أو منحوتة ضخمة للسوري علي مصطفى عرضت في الحديقة لرجل من المعدن المشبّك وكأنه يسبح في الفراغ.
من المرحلة الحديثة تكتشف أعمالاً لرواد الفن التشكيلي العربي شفيق عبود، إيفيت أشقر، أمين الباشا، رفيق شرف، آدم حنين، فاتح المدرس، محمود حمّاد، لؤي كيالي، إلياس زيات، جميل ملاعب، هيلين الخال، عمر أنسي، مصطفى فروخ، أحمد المعلا، وآخرين. ومن بين اللبنانيين تبدو حصة مهمة لصليبا الدويهي، الذي بات نادراً ما نرى له لوحات من المرحلة الكلاسيكية إلى جانب الفترة التجريدية في مكان واحد. وللعراقيين حصة الأسد حيث نجد أعمالا لضياء العزاوي، إسماعيل فتاح وشاكر حسن آل سعيد، وثمة عمل كبير لمحمود العبيدي سينضم قريباً جداً إلى المتحف إلى جانب آخر للعزاوي، وصفهما الأخير بأنهما عملان سياسيان من وحي ما حدث بعد الاجتياح الأميركي للعراق.
ومن بين الآثار التي يمكن اكتشافها الكثير جداً من فوانيس الزيت الفخارية التي تعود إلى مراحل متعددة من قبل الميلاد، مروراً بالهيلينية والرومانية، ويمكن المقارنة بينها. وكذلك نقوش سومرية وآشورية. وعرضت المجموعات وهي في غالبيتها من حضارات بلاد الشام وما بين النهرين ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، من السومرية والأكادية والآشورية والحثية والبارثية والفرعونية والفينيقية واليونانية والرومانية والإسلامية. وقد تم تصميم مختلف واجهات العرض بهدف مقاربة القطع الأثرية من حيث التقنيات التي استخدمت إبّان تصنيعها.
وهناك الكثير من المنحوتات الكبيرة اللافتة تعود إلى ما بين القرن الخامس والسابع قبل الميلاد.
ويقول جواد عدرة «إن الافتتاح الكبير لا يعني أن المشروع قد أنجز. فلا يزال العمل الكبير في انتظارنا». ويتحدث عن برامج عدة ستكون مصاحبة للمتحف منها التواصل مع المدارس، وترتيب نشاطات مع الطلاب. أما كيف سيكمل هذا المتحف مساره ويؤمن مداخيل تغذي بقاءه، فيقول عدرة «الأرض التي نمتلكها كبيرة وتمتد على الشاطئ، ولم يحتل المتحف سوى جزء منها، وعلى الباقي سنعمل على تشييد مشروع سياحي أخضر من دون الإسمنت الذي يغزو الشاطئ والمنتجعات الأخرى. وضمن المشروع مكان لإقامة فنانين زائرين يودون العمل هنا من وحي المكان. ويبدو أن التفكير في استمرارية المتحف هي إحدى المشاغل للمؤسسين فالطابق الرابع المطل على البحر والجبل معاً، يمكن أن يتحول إلى مطعم جذاب هو أيضا».
«متحف نابو» الذي يحمل اسم إله الكتابة والحكمة في بلاد ما بين النهرين، افتتح يوم السبت الماضي، بحضور عدد كبير من المهتمين الذين لم يدهشوا بالإنجاز نفسه الذي تم من دون ضجيج وإعلام، ولم يسمع به الغالبية إلا قبل الافتتاح بقليل، وإنما بالجرأة وروح المغامرة التي اتسم بها في الوقت الذي يقال فيه بأن اللبنانيين يفكرون بالمغادرة. هكذا يبعث الفن الأمل والمتاحف توحي، على ما يبدو بالاستقرار.



احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».