قبرص تحتج لدى الأمم المتحدة للإفراج عن 5 بحارة مصريين تحتجزهم تركيا

متحدث بمكتب «الإعلام» القبرصي قال لـ«الشرق الأوسط» إنها «قرصنة»

TT

قبرص تحتج لدى الأمم المتحدة للإفراج عن 5 بحارة مصريين تحتجزهم تركيا

تصاعدت أزمة احتجاز تركيا لـ5 بحارة مصريين كانوا على متن سفينة قبرصية في المياه الدولية، وخاطبت السلطات القبرصية قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وتقدمت باحتجاج للمنظمة الدولية على تصرف أنقرة، داعية إلى التدخل للإفراج «الفوري» عن السفينة وطاقهما.
وقال المتحدث العربي بمكتب الصحافة والإعلام في قبرص، مايكل ميخاليس، لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده تواصلت مع «قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وقدمت احتجاجاً للمنظمة الدولية، وطالبت بالإفراج الفوري عن السفينة وطاقمها».
وشرح ميخاليس، أن طاقم السفينة بالكامل من أصحاب الجنسية المصرية، وهم 5 بحارة «تم اقتيادهم إلى ميناء مدينة كرينيا المحتلة» بحسب تعبيره، وأوضح أنه «بحسب معلومات صاحب مركب الصيد فإن السفينة كانت في المياه الدولية، ولديها تراخيص عمل من جمهورية قبرص».
وكانت الخارجية المصرية، أعلنت بشكل رسمي، مساء أول من أمس، أن سفارة البلاد في قبرص، تلقت إفادة من الخارجية القبرصية، بأن القوات البحرية التركية «احتجزت سفينة صيد قبرصية على متنها 5 بحارة مصريين قرب سواحل منطقة قبرص الشمالية التي تسيطر عليها تركيا».
وأوضحت الخارجية المصرية، أن السفيرة مي طه خليل، سفير مصر لدى قبرص، أجرت «عدة اتصالات مع المسؤولين القبارصة المعنيين بالموضوع، حيث أفادوا بأنهم قاموا بتقديم طلب رسمي لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص، وذلك للاحتجاج على احتجاز سفينة الصيد القبرصية، والمطالبة بالمساعدة في الإفراج الفوري عن البحارة المحتجزين».
وأعلنت القاهرة، أن البحارة المصريين هم: «عبده إبراهيم عيد إبراهيم الجندي، وأحمد فرج طه الزاهد، وسامح صبحي علي محرم، وعبد الرؤوف الدايد عبد الرحمن، وعمرو محمود عبدو محمد».
وعدّ المسؤول بمكتب الصحافة والإعلام القبرصي، أن حكومة بلاده تصف التصرف التركي باحتجاز البحارة المصريين بأنه «عملية قرصنة لا تستند إلى أي قانون دولي». وأشار إلى أن «تركيا تحتل الجزء الشمالي من قبرص بطريقة غير شرعية وبخرق صارخ للقوانين الدولية التي تطالب بإنهاء هذا الاحتلال». وشدد المتحدث على أن تركيا «ليس لها حق التدخل في المياه الدولية حسب القانون الدولي، أما بالنسبة للمزاعم حول المياه الإقليمية القبرصية التركية فهي أيضاً لا تستند إلى القانون الدولي لأنه نتاج احتلال غير شرعي، فالمسؤول الشرعي للمياه الإقليمية لجميع المياه الإقليمية القبرصية هي جمهورية قبرص المعترف بها دولياً».
وشهدت مياه المتوسط، خلال الشهور الماضية، وقائع مختلفة، لاستعراض القوة والنفوذ بين مصر وتركيا وقبرص، إذ سبق لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، التصريح في فبراير (شباط) الماضي، بأن بلاده تخطط للبدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط في المستقبل القريب، مشيراً إلى أن «سياسة بلاده تجاه الطاقة هي توسيع نطاق استثمار الموارد المحلية، وأن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعد حقاً سيادياً لتركيا، فيما لا تحمل الاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص أي صفة قانونية»، بحسب تصريحه. لكن الخارجية المصرية ردت بشكل مباشر آنذاك على التصريحات التركية، وقالت في بيان رسمي، إن «اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، وأنها تتسق وقواعد القانون الدولي، وتم إيداعها كاتفاقية دولية في الأمم المتحدة».
كما اعترضت تركيا قبل 7 أشهر، سفينة للتنقيب عن الغاز في المياه القبرصية، وهي تتبع شركة «إيني» الإيطالية التي ترتبط كذلك بعقود مع القاهرة، وبعدها بأيام نفذت القوات البحرية المصرية عدداً من الأنشطة التدريبية بمسرح عمليات البحر المتوسط، وذلك بإطلاق أربعة صواريخ أرض بحر وسطح بحر، وقال الجيش المصري، إن تلك التحركات تأتي في إطار التدريب على «التعامل مع جميع التهديدات والعدائيات لمياهنا الإقليمية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.