طلاب سيناء يعودون للدراسة بعد توقف 7 أشهر بفعل الإرهاب

في ساعة مبكرة من الصباح، كانت الصغيرة رحمة (6 سنوات)، تتخطى عتبات بوابة مدرسة «آل ذكري» بالعريش على ساحل محافظة شمال سيناء في مصر، تمسك بيد جدها (سامي) في أول أيامها الدراسية على الإطلاق، الذي جاء مواكباً كذلك لأول أيام الدراسة لكل أبناء المحافظة، بعد توقف نادر لمدة 7 أشهر، نتيجة ظروف الحرب على الإرهاب.
ويقع كثير من مناطق شمال سيناء، في نطاق مسرح عمليات وملاحقات قوات الجيش والشرطة في مصر لجماعات إرهابية (أغلبها من عناصر تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم داعش)، تنشط في شمال سيناء منذ أكثر من 6 سنوات، ولا تزال عمليات محاربتها قائمة في الجزء الشمالي الشرقي من شبه جزيرة سيناء.
رحمة التي بدت سعيدة بيومها الأول، تقول إنها «كبرت في السن وتذهب إلى المدرسة»، بينما جدها الستيني، كان أكثر اطمئناناً بصدق وعود المسؤولين ببدء الدراسة في موعدها، الذي اتخذ ضمن حزمة قرارات أطلق عليها اسم «انفراجات»، للتخفيف من إجراءات سبق أن اتخذتها السلطات المصرية تزامناً مع عملية «المجابهة الشاملة سيناء 2018»، التي بدأها الجيش المصري في 9 فبراير (شباط) الماضي، وهي عملية عسكرية شاملة في شمال ووسط شبه جزيرة سيناء للقضاء على الجماعات «التكفيرية»، ولا تزال متواصلة.
وسبق للسلطات المصرية أن اتخذت قراراً بوقف الدراسة في المدارس والجامعات في فبراير الماضي، وسُمح بعدها بشهور قليلة بعودة الدراسة بالجامعات، واستمر توقف المدارس طوال نصف عام دراسي باستثناء المراحل النهائية في الفصول الثانوية العامة والفنية والتعليم الأزهري، التي خاض طلبتها امتحانات نهاية العام دون دراسة. وقال سامي سليمان، جد الطالبة رحمة لـ«الشرق الأوسط»، إن مبعث اطمئنانه هذه المرة «سبقته حالة قلق عانوها كأولياء أمور على مستقبل أبنائهم الطلبة وهم يجلسون في البيوت بلا دراسة بسبب الحرب على الإرهاب».
واستدرك: «ليس معنى هذا أننا لا نخاف الآن على أبنائنا، فنحن في حالة قلق دائمة خشية أن يصيب أحدهم طلق ناري طائش، ولا يجد وسيلة نقل تصل به إلى منزله نتيجة الأوضاع الأمنية التي تشهدها مدينة العريش».
وتابع سليمان: «أنا اليوم اصطحبت حفيدتي رحمة، وكان لا بد من مرافق لها فكنت أنا، نظراً لانشغال والديها في الوظيفة الحكومية، التي أصبحت تشدد على حضور الموظفين ولا تسمح لهم بالغياب خلال الفترة الأخيرة».
وقالت ليلى مرتجى وكيل وزارة التربية والتعليم بشمال سيناء في تصريحات صحافية، إنه «بالتزامن مع بدء الدراسة في كل أنحاء مصر بدأت في شمال سيناء العودة، وإن كانت بشكل مختلف، حيث جاءت بعد توقفها خلال النصف الثاني من العام الدراسي السابق». وأوضحت أن أول يوم دراسي، كان أمس (السبت)، في المدارس التي تعمل فترتين بعدد 9543 طالباً وطالبة في المراحل من رياض الأطفال حتى الثانوية، فيما يبلغ إجمالي الطلاب في المدارس الحكومية في سيناء 110 آلاف طالب وطالبة، يقوم على التدريس لهم أكثر من 9 آلاف معلم ومعلمة سينتظمون كلياً في الدراسة ابتداء من صباح اليوم (الأحد).
«تحدي بدء الدراسة»، كما أطلق عليه المسؤولون والأهالي، أصبح بمثابة تأكيد على «تحدي الإرهاب والعودة للحياة الطبيعية»، وبدا ذلك لافتاً في فتح أبواب 5 مدارس في مدينة الشيخ زويد، رغم توقف إمدادات الكهرباء والمياه عنها لليوم الثامن على التوالي، إثر عطل أصاب خط الكهرباء الناقل للتيار لمناطقها وتبعه تعطل مولدات ضخ المياه في شبكات المنازل والمنشآت التعليمية.
وقال سعيد علي، ولي أمر لطالبين في مدرسة الشيخ زويد للتعليم الأساسي، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد اعتدنا المعاناة هنا طوال السنوات الست الماضية، لكننا اعتدنا كذلك ألا نستسلم لها، وكان لدينا إصرار على ذهاب أبنائنا للمدارس وبداية عامهم الدراسي الجديد».
وتحدث محمد. س، وهو مدرس بمدينة الشيخ زويد لـ«الشرق الأوسط»، أنه انتقل من «مدينة العريش إلى مقر عمله لمسافة 35 كيلومتراً، على الطريق الدولية، وتم توفير حافلات حكومية أقلته وزملاءه وسمح لها بالمرور عبر حواجز أمنية بلا توقف، وكان يوماً حافلاً بالنسبة لهم بعد إجازة طويلة، وجميعهم لديهم عزيمة على العمل ومواجهة كل تحدٍ يواجه انتظام الدراسة في مدارسهم».
وكان اللواء عبد الفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء، قدم اعتذاراً رسمياً موجهاً للأهالي بشمال سيناء الأربعاء الماضي، على انقطاع الكهرباء عن مدينة العريش، متعهداً بالقصاص من المتسببين. وقال المحافظ في بيان الاعتذار: «أتقدم لكم بالاعتذار عما سببه لكم انقطاع التيار الكهربائي خلال الأيام الثلاثة الماضية من ألم وخسارة كبيرة لكل منكم، وأعاهدكم أنني سأقتص من المتسبب في هذا الانقطاع أياً كان منصبه»، مؤكداً في اعتذاره بدء الدراسة في موعدها المحدد في 22 سبتمبر (أيلول) الحالي لجميع المراحل التعليمية.
بدورها، أعلنت منطقة شمال سيناء الأزهرية انتظام الدراسة في معاهدها أمس (السبت)، وعودة 8778 طالباً وطالبة لمقاعدهم بـ174 معهداً أزهرياً في مناطق ومراكز الشيخ زويد ورفح والعريش، وبئر العبد والحسنة ونخل، كما أعلن الدكتور حبش النادي رئيس جامعة العريش بشمال سيناء، أن الدراسة ستنتظم في الجامعة ابتداء من صباح اليوم (الأحد).