حفتر: لا علاقة للجيش بأحداث طرابلس... وسندخلها في الوقت المناسب

الأمم المتحدة تتوعد بملاحقة قائدين من ميليشيات العاصمة

المشير خليفة حفتر يؤدي التحية لعناصر من قوات الجيش الليبي خلال أحد التدريبات العسكرية (أ.ف.ب)
المشير خليفة حفتر يؤدي التحية لعناصر من قوات الجيش الليبي خلال أحد التدريبات العسكرية (أ.ف.ب)
TT

حفتر: لا علاقة للجيش بأحداث طرابلس... وسندخلها في الوقت المناسب

المشير خليفة حفتر يؤدي التحية لعناصر من قوات الجيش الليبي خلال أحد التدريبات العسكرية (أ.ف.ب)
المشير خليفة حفتر يؤدي التحية لعناصر من قوات الجيش الليبي خلال أحد التدريبات العسكرية (أ.ف.ب)

في سابقة تعد المرة الأولى منذ بدء عملها في ليبيا، حددت بعثة الأمم المتحدة اثنين من قادة الميليشيات المسلحة، وتوعدتهما بالملاحقة الجنائية الدولية، نتيجة خرق الهدنة التي رعتها مؤخراً، وذلك عقب الاشتباكات العنيفة التي ارتفعت حصيلتها إلى 11 قتيلاً و33 جريحاً، خصوصاً بعد اندلاع معارك جديدة بين الجماعات المسلحة المتناحرة في جنوب طرابلس.
وإزاء هذه التطورات، لوح المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني، مجدداً، بإمكانية دخول الجيش إلى طرابلس، إذ قال لدى اجتماعه مساء أول من أمس مع قبيلة العواقير، وعدد من أبناء قبائل شرق ليبيا «حينما نرى الوقت المناسب سنتحرك نحو طرابلس، وستسير الأمور بشكلها الصحيح... وفي حال دخول الجيش لطرابلس، فإن ذلك سيثلج صدر الجميع»، نافياً أي صلة للجيش بأي تحركات لوحدات عسكرية باتجاه طرابلس في الوقت الحالي.
كما أشار حفتر للدعم الذي تحصل عليه الميليشيات المسلحة من قبل حكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج في طرابلس. لكنه تعهد بأن القانون سيلاحق الجميع، مبرزاً أن «الجيش بات يسيطر على معظم مناطق البلاد... والانتصارات على الإرهابيين في كل مكان».
ميدانياً، بلغت حصيلة الاشتباكات التي شهدتها مناطق جنوب طرابلس، أول من أمس، 11 قتيلاً، بينهم خمسة مدنيين وثلاثة عسكريين، بالإضافة إلى ثلاثة من العمالة الوافدة، بينما بلغ عدد المصابين 33 جريحاً.
وقال المستشفى الميداني لطرابلس، إن إجمالي حصيلة الاشتباكات منذ نهاية الشهر الماضي وحتى أول من أمس، بلغت 96 قتيلاً و306 جرحى. كما تم إجلاء 123 عائلة، وإغاثة 264 أخرى من مناطق الاشتباكات.
وفيما أعلنت أمس «قوة حماية طرابلس»، التي تمثل تحالفاً من كتائب طرابلس، انطلاق «عملية بدر» لطرد من وصفتهم بـ«الخوارج والمجرمين»، في إشارة إلى «اللواء السابع» والقوات المساندة له، حددت البعثة الأممية أسماء اثنين من قادة الميلشيات المسلحة في طرابلس، وقالت إنهما سيتعرضان للعقاب، كما حذرت من وصفتهم بـ«العابثين بالأمن» من الملاحقة الجنائية الدولية، قبل أن تدعو المناطق العسكرية المكلفة بفض الاشتباكات، بالتدخل الفوري، ودعم فرق وقف إطلاق النار العاملة على الأرض.
وقالت البعثة، في بيان أول من أمس، إنه «على جميع الفرقاء، لا سيما القوات التي يقودها صلاح بادي، الالتزام بوقف فوري لجميع أعمال العنف في طرابلس»، معتبرة أن «استهداف المدنيين والمنشآت المدنية يعتبر من جرائم الحرب». كما حذرت جميع القوات، التي تشن هجمات من المناطق المكتظة بالسكان، خصوصاً القوات التي يقودها عبد الغني الككلي، المعروف بـ«غنيوة»، وذكرتها بأنها قد وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار ويتوجب عليها الالتزام به.
لكن ميلشيات بادي أعربت عن استغرابها من موقف البعثة الأممية، واستعرضت، في بيان لها، عدة انتهاكات لهدنة وقف إطلاق النار ارتكبتها الميلشيات المناوئة لها، حسب رأيها، وحثت البعثة الأممية على عدم الاشتراك فيما تقوم به «الميليشيات الفاسدة، التي أثبت تقرير خبراء مجلس الأمن الدولي فسادها».
كما زعم بادي أن تحركات ميلشياته تأتي في إطار الدفاع عن النفس، ورد الهجمات التي تتعرض لها مواقعه، موضحاً أنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام مصادر النيران.
من جهته، قال «اللواء السابع» إن مجموعة صغيرة، تابعة لـ«قوة الردع الخاصة»، جددت الهجوم على قواته في تمركزاتها، مشيراً إلى أنه تم الرد عليها ودحرها. وطالب في بيان له أمس، البعثة الأممية، بمتابعة المجموعات التي تخترق الهدنة، «ولا تلتزم بوقف النار، وهي تدعي تبعيتها لوزارة الداخلية بحكومة السراج».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.