معرض «أطوار العمران» محاولة لإعادة اكتشاف عبقرية أوسكار نيماير في طرابلس

الأول من نوعه ويجتذب اللبنانيين من مختلف المناطق

أحد الأعمال المعروضة في معرض أطوار العمران
أحد الأعمال المعروضة في معرض أطوار العمران
TT

معرض «أطوار العمران» محاولة لإعادة اكتشاف عبقرية أوسكار نيماير في طرابلس

أحد الأعمال المعروضة في معرض أطوار العمران
أحد الأعمال المعروضة في معرض أطوار العمران

للمرة الأولى منذ بدء العمل به في ستينات القرن الماضي، يشهد اليوم «معرض رشيد كرامي الدولي» في طرابلس الذي يعتبر تحفة معمارية، بل ربما إنه من بين الأهم في المنطقة، مظاهرة تشكيلية عالمية محورها هذا المعرض نفسه، وتاريخه الذي يتمفصل مع تاريخ الجمهورية اللبنانية صعوداً وهبوطاً. وهو ما يمنح هذه المظاهرة العالمية للفن المعاصر زخمها خاصة أن الأعمال ستتوزع بين المعرض الذي يقع في المنطقة الحديثة من طرابلس، وقلعتها الصليبية الضخمة التي بناها «سان جيل» ليدك منها المدينة أثناء محاصرتها وحربه عليها.
وتحت عنوان «أطوار العمران» ستقدم أعمال تعرض على مدار شهر كامل مستوحاة من أهمية الزَّمن وتقلب الحضارات وتغير أطوار العمران في كلا الموقعين. ويشاهد الزائرون 18 مشروعاً تشكيلياً حديثاً أنجزها فنّانون من لبنان والمكسيك، تحت إشراف مؤسسة منصة STUDIOCUR - ART والقيمة على المعرض كارينا الحلو. ويأتي المعرض تتويجاً لسنة ونصف من العمل شملت تبادلاً ثقافياً بين لبنان والمكسيك، إضافة إلى إقامات فنية متبادلة بين فناني البلدين، ما أتاح تشارك وجهات النظر والمقاربات حول موضوع المعرض.
ويكشف معرض «أطوار العمران»، عن الحوار الدائر بين هياكل «معرض رشيد كرامي الدولي» كتحفة معمارية وقلعة طرابلس الأثرية كموقع عتيق، في دلالة على التناغم بين التاريخ والحداثة، والتعاقب الزمني، ما يساهم في تخليد صفحاتٍ من التاريخ. وينتقل الزوار بين المكانين للمقارنة بينهما وتذوق الأعمال الموزعة بينهما، كما أريد لها أن تكون.
وإذا كان تاريخ القلعة الصليبية معروفا لكثيرين، فإن غموضاً لا يزال يلف كثيرا من التفاصيل حول «معرض رشيد كرامي الدولي» الذي يمتد على مساحة نحو مليون متر مربع ويضم صالة عرض شاسعة و120 ألف متر من الحدائق هذا عدا البرك المائية، ومبان أخرى. والمباني الـ14 كل منها تحفة بحد ذاتها وهو ما حاول الفنانون استغلاله بإشغالها بالطريقة التي ارتأوها. فإضافة إلى المبنى الرئيسي الذي هو عبارة عن مساحة كبيرة جداً، تتميز أنها أقيمت من دون أعمدة مما يعتبر اليوم أحد أسرار المبنى، هناك المسرح العائم ومسرح آخر على شكل قبة غير مكتمل البناء، لكنه بالفعل من بين الأكثر تميزاً وإبداعاً، فيه سيتم عرض تجهيز لاختبار الصوت للفنان زاد ملتقى. وإلى جانب هذا المسرح مهبط للطائرات وتحته قاعة صممت في الأصل لتكون متحفاً للفضاء، في زمن كان فيه لبنان تواقاً لصناعة الصواريخ وغزو الفضاء. وسيعمد الفنانان اللبنانيان جوانا حجي توما وخليل جريج اللذان لهما فيلم عن هذه المرحلة، إلى عرض تصورهما لما كان يفكر بها المهندس البرازيلي العالمي نيماير حين وضع تصميه الأساس.
وتحدثنا القيمة على المعرض كارينا الحلو عن أبحاث كثيرة أجرتها لفهم التصور الكلي لنيماير وهو يبني هذه التحفة المعمارية، وإن كانت بعض الجوانب قد توضحت فإن ثمة أموراً بقيت غامضة، منها وظيفة هذه القاعة السفلية تحت المهبط بشكل دقيق.
و«معرض رشيد كرامي الدولي» كان قد وضع تصميمه أوسكار نيماير (1907 – 2012) أيام الرئيس الإصلاحي فؤاد شهاب الذي كانت له رؤية واضحة لمستقبل لبنان من خلال بناء مؤسساته. وكان هذا المعرض إحدى الدعائم التي يعول عليها. لذا فقد كلف نيماير بإنجاز هذا العمل وبدأ تنفيذه سنة 1964، وتوقف العمل به عام 1975 مع اندلاع الحرب الأهلية ولم يكتمل أبداً. وتقول الحلو إن الهندسة إن لجهة المواد التي أرادها نيماير رخيصة الثمن أو القاعة الرئيسية التي هي من مستوى واحد مفتوحة على بعضها البعض، أو حدائقه التي أرادها غير مسورة على عكس ما هي عليه اليوم، كل هذا يعكس الفكر اليساري لهذا المهندس الذي كان يرى في أعماله الناس يعيشون سواسية دون تمييز أو انغلاق.
وتنبع أهمية المعرض من أهمية المكان الذي اختارته الجهتان المنظمتان «متحف بيروت للفن» بما (Bema) وجمعية «استوديو كور آرت» (StudioCur - Art)، للقاء عالمي حول مشروع معماري كان يفترض أن يكون ركيزة اقتصادية وجمالية للبنان كله، لكن الظروف شاءت غير ذلك. ورغم الأبحاث التي أجريت لمساعدة الفنانين على صياغة أعمالهم وتصوراتهم، فإن معلومات كثيرة لا تزال ناقصة. وتشرح كارينا الحلو أن «معرض رشيد كرامي» عند المباشرة به في الستينات كان ينتظر يومياً وصول 15 ألف زائر وأن تقام في الموقع نشاطات وبرامج يومية لا أحد يعرف اليوم ماهيتها. والمعرض الذي يقام اليوم بحيث يرى الزوار 14 عملاً في معرض رشيد كرامي موزعة على المباني الموجودة في الحدائق الجميلة وأعمالاً لأربعة فنانين آخرين في القلعة، سيساعد اللبنانيين على استعادة مرحلة ربما غابت عنهم، وأحلام ربما نسوا أنها كانت موجودة، خاصة أنها كانت أحلام الدولة لا أحلام الناس فقط. والأعمال الفنية تأخذ بعين الاعتبار تاريخ طرابلس بحقباته المتنوعة من يونانية ورومانية ومملوكية وصولاً إلى المرحلة الحديثة مع نيماير. وتستوحي الأعمال الدورة التاريخية في العمران والحضارة التي تحدث عنها ابن خلدون. ومما يستمتع به الزائر صدى أصوات طرابلس التي سجلتها لمياء جريج وسيعاد بثها في الأرجاء، وصممت الفنانة أيضا عشرة يافطات تذكارية ستثبت عند كل مبنى.
والجهة المنظمة «بيروت متحف الفن»BeMA ، هي صاحبة إحدى أهم المبادرات الفنية والثقافية في لبنان، حيث تعمل لإنشاء متحف حديث، من المقرّر أن يفتتح في بيروت سنة 2020، وإلى ذلك التاريخ فإنها تقوم بمبادرات إبداعية كانت الأولى في بعلبك وهذه المرة في طرابلس، لتأخذ الفنون إلى كل المناطق.



اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
TT

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى، من بينها مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وجزء من جبَّانة بطلمية.

جاء الكشف في إطار عمل البعثة الآثارية المشتركة التابعة لـ«مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث» بالتعاون مع «المجلس الأعلى للآثار» التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية. وأشار حواس، في مؤتمر صحافي بالأقصر، إلى أن «البعثة تعمل في المنطقة منذ عام 2022، وتمكنت خلال ثلاث سنوات من التوصل عبر الحفائر إلى عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعدة لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري».

وكشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي للملكة حتشبسوت التي تولت الحكم بين (1479 و1458 قبل الميلاد)، ويقع الجزء المكتشف عند مشارف الوادي، وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى «جسر جسرو»، الذي يعدّ «أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق»، بحسب حواس.

وقال حواس إن «البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي، التي تعدّ من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، حيث لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي (الأقصر) و(المتروبوليتان) في نيويورك»، مشيراً إلى أن «مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثاً هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي، الذي تعرَّض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة».

الدكتور زاهي حواس يعلن عن الكشف الأثري (البعثة الآثارية)

بدوره، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد إن «البعثة عثرت أيضاً على أكثر من مائة لوحة من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (اسم الميلاد واسم التتويج على العرش)، تُعدّ جزءاً من ودائع الأساس، التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد».

ومن بين اللوحات الحجرية المكتشفة، لوحة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز اسم المهندس المعماري المختص بقصر الملكة حتشبسوت واسمه سنموت، ولقبه «المشرف على القصر».

وقال حواس إن «مجموعة ودائع الأساس الكاملة للملكة حتشبسوت تُعدّ من أهم مكتشفات البعثة، لا سيما أنها تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأميركي هيربرت وينلوك عن آخر مجموعة كاملة من ودائع الأساس للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي في الفترة من (1923 - 1931)».

عدد من اللقى الأثرية في الكشف الأثري الجديد (البعثة الآثارية)

وعثرت البعثة على مقبرة شخص يدعى جحوتي مس، وهو المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وأوضح حواس أن «الملكة تتي شيري هي جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس، وأم والدة الملك سقنن رع، أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير»، وقال: «المقبرة تلقي كثيراً من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر».

وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (1550 - 1525 قبل الميلاد)، وهي عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبى.

وداخل حجرة المقبرة عُثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض، وفي أرضية الحجرة عُثر على بئر مستطيلة تؤدي إلى حجرتَي دفن، وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري، وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة.

الاكتشافات تضمنت مقابر بطلمية (البعثة الآثارية)

وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة، فإن «هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات عن الحالة الاقتصادية في بدايات الأسرة الثامنة عشرة، التي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير استنزفت اقتصاد الدولة»، وفق حواس.

أعلن حواس أيضاً الكشف عن «جزء من جبانة بطلمية ممتدة شغلت موقع الطريق الصاعدة ومعبد الوادي، وشُيّدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت». وأوضح أن «هذه الجبَّانة كان قد تم الكشف عن بعض أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب».

وتضمن الكشف العثور على عدد كبير من الآثار التي توثق تلك الفترة التاريخية، بينها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر، وتعود لعصر بطلميوس الأول (367- 283 قبل الميلاد)، كما تم العثور على ألعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق)، بأشكال آدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التي كانت تغطي المومياوات، وعدد من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.

الجعارين والنقوش الجنائزية من المكتشفات الجديدة (البعثة الآثارية)

كما أعلن حواس أن «البعثة عثرت أيضاً على عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (2050 - 1710 قبل الميلاد)»، مشيراً إلى أن «البعثة كشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع، الذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى، واستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس سنموت بوقف الدفن في المنطقة، واختاره موقعاً لتشييد معبد الوادي».

وقد عمل سنموت على دفن الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال، ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي، وفق حواس.

وتضمن الكشف الأثري أيضاً عدداً من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الدولة الوسطى، بداخلها عدد من القطع الأثرية، من بينها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وقال حواس: «هذه الموائد من الآثار المميزة لعصر الدولة الوسطى».

كشفت البعثة أيضاً، بحسب حواس، عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (1580 - 1550 قبل الميلاد)، منحوتة في الصخر، وبداخلها عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية، التي تُعرَف بالتوابيت الريشية.

من بين التوابيت المكتشفة، تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال، التي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل 3600 سنة، بحسب حواس، الذي أشار إلى العثور، بجانب تلك التوابيت، على «حصير ملفوف تعدّ البعثة حالياً برنامجاً خاصاً لترميمه ونقله للعرض بمتحف الحضارة».

وكانت البعثة قد نقلت إلى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضي (2023 - 2024)، أحد اكتشافاتها، وهو سرير من الخشب والحصير المجدول يعود إلى عصر الأسرة السابعة عشرة، كان يخصّ أحد حراس الجبانة.

وعدّ حواس «العثور على أقواس الرماية الحربية، أحد المكتشفات المهمة للبعثة، لا سيما أنها تشير إلى وظيفة أصحاب هذه المقابر، وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس».