نسمة منعشة من الموسيقى خلال حر الصيف في لاهويا بكاليفورنيا

رباعي الآلات الوترية «إميرسون»
رباعي الآلات الوترية «إميرسون»
TT

نسمة منعشة من الموسيقى خلال حر الصيف في لاهويا بكاليفورنيا

رباعي الآلات الوترية «إميرسون»
رباعي الآلات الوترية «إميرسون»

كان الحر شديداً هذا العام في أروع منتجع صيفي بكاليفورنيا، لكن رطبت أجواءه الموسيقى العذبة في مهرجان الصيف التقليدي الذي تحييه كل عام «جمعية لاهويا للموسيقى الراقية»، مستحضرة أهم العازفين في الولايات المتحدة والعالم.
بدأ المهرجان الشهر الماضي في صالة الموسيقى التابعة لجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، بآخر أعمال لودفيغ فان بيتهوفن (1770 - 1827) لموسيقى رباعيات الآلات الوترية التي تعد ذروة الفن الكلاسيكي مثل جبل إيفريست بالهيمالايا على ارتفاع 2500 كيلومتر بين الصين ونيبال. استمعنا إلى الرباعي الشهير «إميرسون» الذي شارك في المهرجان لأول مرة بالمقطوعة المصنفة رقم «130» لأعمال بيتهوفن، وهي ملحنة في 4 حركات مثل قالب السوناتا؛ حيث أضاف لها الموسيقار الكبير الأصم في آخر حياته رقصة ألمانية لأنه كان يحن دائما إلى موطنه الأصلي ومسقط رأسه رغم إقامته الطويلة في فيينا عاصمة الفن في القرن التاسع عشر. كانت الحركة الأولى غير اعتيادية وصعبة الفهم؛ حيث أبدع بيتهوفن في تضارب الألحان وانسجامها في آن. أما الحركة الثانية البطيئة فكانت مثل الشبح؛ فيها التعبير عن المرض الثقيل والشيخوخة والبؤس.
اجتاح الحضور شعور بالجمال الجدي والمزاج المتعكر بعد الرقصة الألمانية المرحة، وحين سمعنا رباعي «إميرسون» يعزف الحركات الأخرى بطريقة رائعة رغم صعوبتها ورفض كثرة من العازفين عبر التاريخ الاقتراب منها، لاحظنا مدى عمق هذه الموسيقى وتعقيدها؛ حيث تحاول آلة الكمان اختيار لحن معين ثم حياكة لحنين معاً؛ فينطلق اللحن الأول الأساسي، ثم يصاحبه اللحن الثاني بعد ثوان، وتتكرر العملية بطرق وسرعات مختلفة وكأننا أمام حوار عقلاني بين الكمان والتشيلو والكمان الكبير (الباص). يعد هذا النوع من الموسيقى مشكلة لمن لم يتمكن من دخول عالم بيتهوفن لإحساسه بالغموض، ولكن الواقع أنه يمثل حالة من الصوفية الموسيقية التي تتخطى حدود اللحن.
استمرت الحفلات الموسيقية طوال الشهر، وتراوحت بين عزف أهم قطع الملحنين من فرنسا (سان سانس ورافيل) وهنغاريا (بارتوك) والبرازيل (فيلا لوبوش) وألمانيا (براهمز وشومان) والنمسا (موتسارت وشوبرت) وروسيا (سترافنسكي ورخمانينوف) وإيطاليا (روسيني) وبريطانيا (الغار)، لكن عازف الكمان الأميركي جيل شاهام أثبت أنه من أكثر الفنانين تمييزا.
بقي بيتهوفن نجم المهرجان، فهو من أكبر أساطين الموسيقى الكلاسيكية لأنه الأكثر شعبية وعزفا في العالم منذ مائتي عام، وسبب عظمته أنه كان يعتقد في عصره أنه أهم من الملوك والحكام كونه فنانا مبدعا لا بسبب الغرور؛ بل لأن إنجازاته ستبقى عبر التاريخ وقد تفوق إنجازات الساسة والحكام والنبلاء. كان بيتهوفن يقتحم الأبواب ويطالب بحقوقه بصفته فنانا؛ على عكس من سبقه من كبار عباقرة الموسيقى، وكانت له ميول ثورية تدعو للحرية والمساواة، فموهبته غطت على نواقصه؛ إذ كان خشنا ولا يتميز بالرشاقة أو اللباقة، ولذا كانت الطبقة الأرستقراطية تطلب وده وشهرته وتسعى إليه لأنها تقدره بصفته مؤلفا موسيقيا قلب شكل الموسيقى منذ القرن التاسع عشر، كما كان عازفا بارعا على البيانو.
جرى الاختتام العظيم هذا العام في حفل مهيب لمع فيه عازف البيانو الأميركي المخضرم إيمانويل إكس، وقائد الأوركسترا المرموق ديفيد زينمان، واكتملت الفخامة والإبداع باختيار إحدى قطع الموسيقار بيتهوفن وهي «فانتازيا الكورس» (أو الجوقة الغنائية)، وهي قطعة لا تخضع لقوانين التأليف الموسيقي الصارمة؛ بل تعتمد شكلا حرا حسب مخيلة الفنان. جمع بيتهوفن في هذه القطعة عام 1808 بين البيانو مقدمةً واللحن الأساسي لموسيقى السيمفونية التاسعة (التي ألفها فيما بعد) والجوقة الغنائية، وهذا ابتكار غير مألوف في ذلك الزمان. سرعة الإيقاع تبدو كأنها غير مضبوطة؛ ففيها مزيج غريب من الأحاسيس كالشوق المتقد والكآبة والرضا الذاتي، مطعماً بالموسيقى العسكرية. تألق إيمانويل إكس في عزف المقدمة الموسيقية على البيانو كأنه استلهم بيتهوفن بنفسه حين قام بعزفها لأول مرة، بينما برعت الفرقة السيمفونية، وغنى الكورس المؤلف من 60 عنصرا أبيات الشاعر الألماني شيللر حين امتدح الأخوة الإنسانية بقوله: «حين تمتزج المحبة بالقوة تهبط نعمة الله على كل البشر».
صاح الجمهور فرحا بعد انتهاء العزف، وعبر عن تقديره بالتصفيق اللاهب والوقوف على قدميه لمدة طويلة إعجابا بموسيقى بيتهوفن الخالدة، واعتزازا بطريقة زينمان في قيادة الأوركسترا والكورس، واعترافا بفضل المدير الفني للمهرجان تشو ليانغ لين الذي تقاعد بعد هذا الحفل الختامي بعد عمله 18 عاما على هذا المهرجان الناجح، قائلا: «قررت الانتظار لسنوات وعدم التقاعد إلى أن يزورنا رباعي (إميرسون) للآلات الوترية، والآن أستطيع القول إنني أكملت مهمتي».



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.