10 سنوات على الأزمة المالية الكبرى... هل تعلّم العالم؟

مقر بورصة نيويورك في وول ستريت (أ. ف. ب)
مقر بورصة نيويورك في وول ستريت (أ. ف. ب)
TT

10 سنوات على الأزمة المالية الكبرى... هل تعلّم العالم؟

مقر بورصة نيويورك في وول ستريت (أ. ف. ب)
مقر بورصة نيويورك في وول ستريت (أ. ف. ب)

مرت عشر سنوات على الانهيار المالي الكبير الذي بدأ بانفجار الفقّاعة العقارية في الولايات المتحدة وشمل معظم أنحاء العالم، موقعاً الاقتصاد العالمي في ركود طال سنوات وأطاح عدداً من الشركات والمؤسسات أشهرها المصرف الاستثماري الأميركي ليمان براذرز الذي زال من الوجود.
واللافت أن التجربة القاسية التي كان يجب أن يخرج منها المعنيون من دول وهيئات ومؤسسات بدروس وعِبر، لم تؤدِّ إلى وعي تام للأخطار، ولم تفضِ إلى وضع قواعد موحّدة تضمن التنسيق وتغيّر ثقافة القطاع المالي بحيث يتجنّب العالم السقوط في هاوية أزمة جديدة.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية هي المعنية الأولى بهذا الأمر، كون الأزمة السابقة نشأت عندها وكونها الاقتصاد الأول عالمياً، فإن الكلام ينسحب على العالم كله بحيث لم نرَ قواعد موحدة تنظّم عمليات التسليف والاستثمار، ذلك أن السياسات القصيرة المدى التي ترمي إلى تحقيق الربح الوفير والسريع لا تزال تتحكم في دينامية الأسواق، وهذه لعبة خطرة في عُرف الأكثرية الساحقة من الخبراء والمحللين.
ثمة من يقول إن الوضع مضبوط، فالمصارف الكبرى تمكنت من رفع رساميلها وبالتالي احتياطاتها النقدية بين ثلاث وأربع مرات منذ ذلك الحين، وهناك قواعد صارمة تُطبَّق لتمنع تكرار ما حدث. وثمة رأي مقابل يعتبر أن المصارف والمؤسسات المالية لا تزال تلعب لعبة فيها الكثير من المجازفة والتهوّر، وأنها قادرة على تقديم مغريات الربح السريع التي تفاقم خطر التعثر والإعسار وبالتالي الانهيار.
لا شك في أن إدارة الأخطار تحسّنت، وقدرة السلطات الحكومية في أكثر من بلد تعزّزت. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وقّع عام 2010 قانون "دود – فرانك" لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك، وهو قانون شامل فرض على البنوك شروطاً عدة، أبرزها الاحتفاظ باحتياطات كبيرة لتخفيف وقع أي خسائر محتملة. ويقول عضو الكونغرس الأميركي السابق بارني فرانك أحد واضعي النص: "القانون الذي عملنا على إقراره يمنع المشكلات التي أدّت إلى الأزمة". غير أنه يستدرك: "المشكلة هي أننا لا نعرف ما هي المشكلات التي قد تستجد. فالنظام المالي يبتكر ويتجدّد، والقواعد الناظمة لا تستطيع مواكبته على الدوام".
إذا كان هذا الوضع في الولايات المتحدة التي تقود العالم في هذا المجال، فماذا عن بقية العالم؟
لعله من المفيد هنا التذكير بما حذّر منه قبل أيام رئيس الوزراء ووزير المال البريطاني السابق غوردون براون، عندما قال في حديث إلى صحيفة "الغارديان" إن العالم على وشك الدخول في أزمة مالية جديدة لأن الحكومات فشلت في معالجة أسباب الانهيار المالي الكبير الذي حصل قبل عشر سنوات.
ورأى رئيس الوزراء من 2007 إلى 2010، أن الاقتصاد العالمي لم ينجح في إيجاد نظام للإنذار المبكر وطريقة لمراقبة التدفقات المالية بحيث يمكن معرفة شروط الإقراض والقطاعات التي تذهب إليها القروض. وقال: "تعاملنا مع أمور صغيرة وتركنا الكبيرة". وأعرب عن اعتقاده أن الحكومات لم توجّه رسالة جازمة مفادها أنها لن تنقذ المؤسسات المالية التي لم تحسن ترتيب أوضاعها.
وفي السياق نفسه، بيّنت دراسة حديثة أجراها "معهد الاستقرار المالي" التابع لبنك التسويات الدولية – مقره بازل في سويسرا – أن 11 من 79 دولة شملتها الدراسة أجرت بعض التغييرات بعد أزمة 2008 – 2009. وخلصت إلى وجود عزوف عن توحيد الجهات الناظمة للقطاع المالي في الدول، وبقاء هذا الأمر موزّعاً بين أجهزة عدة تضبط سوق الأوراق المالية وقطاع التأمين، فيما تتولى البنوك المركزية مراقبة القطاع المصرفي.
ولفتت الدراسة إلى غياب أي تلاقٍ دولي على قواعد ينبغي اعتمادها للوقاية من أزمة جديدة، أو للتعامل معها في حال وقوعها. وبالتالي فإن توزّع الإصلاحات التي أعقبت الأزمة على أجهزة ووكالات حكومية عدة في البلد الواحد، يمنع تطبيق معايير عالمية موحّدة ويبعثر الجهود الرامية إلى حفظ الاستقرار.

اقتصاد قويّ وهشّ معاً
لا يختلف اثنان على أن الاقتصاد الأميركي قوي وينمو هذه الأيام. ويفيد المكتب الأميركي للتحليل الاقتصادي أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من عام 2018 بلغ 4.1 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ نموه 4.9 في المائة في عهد أوباما عام 2014. ومع معدّل البطالة أقل بقليل من 4 في المائة راهناً تكون أهم المؤشرات الاقتصادية جيدة جداً.
لكن خارج الولايات المتحدة ثمة عوامل ومؤشرات مقلقة، فالحروب التجارية مشتعلة بينها وبين عدد من الدول، وأزمة اليورو لم تنتهِ فعلياً، تضاف إليها أزمة حادة في تركيا. وحتى الصين تعاني تباطؤا في النمو وارتفاعاً في معدّلات الدين.
ومهما كانت شرارة الأزمة المقبلة، فإن عواقبها وتداعياتها على الولايات المتحدة ستكون قاسية نظراً إلى ما فرضته العولمة من ترابط بين اقتصادات الدول. والمقلق هنا، في نظر الخبراء، أن الولايات المتحدة تعتمد السياسة الكلاسيكية القاضية بزيادة الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب خلال فترة الازدهار الاقتصادي، مقابل خفض الإنفاق وزيادة الضرائب خلال فترة الركود. وهذا يضع الاقتصاد الأميركي في موقف هشّ عند حصول الأزمة المقبلة، خصوصاً أن مكتب الموازنة في الكونغرس يتوقع أن يتجاوز العجز الفدرالي المتعاظم تريليون دولار هذه السنة. ولئن ادّعت إدارة دونالد ترمب أنها من دعاة ترشيق القطاع العام وإنفاقه، فإن الواقع يشي بالعكس، مما يعني أن واشنطن لن تملك هامش مناورة كبيراً عند حلول دورة الركود المقبلة.
ويرى الخبير الاقتصادي الأميركي مارتن فليدستين، البروفسور في جامعة هارفرد، أن الاحتياطي الفدرالي مخطئ في تحديد أسعار الفائدة عند 2 في المائة، داعياً إلى رفعها في ظل نمو اقتصادي جيد، لكي تستطيع الإدارة التصدّي لأي تباطؤ عبر خفض الفائدة. أما إذا حصل التراجع في ظل أسعار فائدة منخفضة، فأي سلاح تملك السلطات الفدرالية لمواجهته؟
خلاصة القول أن الولايات المتحدة اعتمدت في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وتحديداً بين 2003 و2007، سياسة التوسع المالي وإلغاء القيود المالية - وهو نهج كان وقتذاك منتقَداً على نطاق واسع لأنه يحتمل أن يحد من قدرة الحكومة على الاستجابة للركود. وهو ما أثبتته أزمة 2008. وإذا استمرت الولايات المتحدة في مسارها الحالي المشابه لما حصل وقتها، فلن يكون مستبعداً أن يعيد التاريخ نفسه.


مقالات ذات صلة

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

قطاعا البنوك والطاقة يعززان السوق السعودية... ومؤشرها إلى مزيد من الارتفاع

مستثمر يقف أمام شاشة تعرض معلومات سوق الأسهم السعودية «تداول» في الرياض (رويترز)
مستثمر يقف أمام شاشة تعرض معلومات سوق الأسهم السعودية «تداول» في الرياض (رويترز)
TT

قطاعا البنوك والطاقة يعززان السوق السعودية... ومؤشرها إلى مزيد من الارتفاع

مستثمر يقف أمام شاشة تعرض معلومات سوق الأسهم السعودية «تداول» في الرياض (رويترز)
مستثمر يقف أمام شاشة تعرض معلومات سوق الأسهم السعودية «تداول» في الرياض (رويترز)

أسهمت النتائج المالية الإيجابية والأرباح التي حققها قطاع البنوك وشركات عاملة بقطاع الطاقة في صعود مؤشر الأسهم السعودية وتحقيقه مكاسب مجزية خلال جلسات تداول الأسابيع الأخيرة.

وأغلق مؤشر السوق يوم الأربعاء عند مستوى 12149.19 نقطة، بانخفاض 0.36 في المائة وتداولات بلغت قيمتها 6 مليارات ريال. وكان أغلق يوم الثلاثاء على ارتفاع ملحوظ ليصل إلى 12193.64 في أعلى إغلاق منذ أكثر من شهرين.

وخلال يوم الأربعاء، بلغ حجم الأسهم المتداولة 620 مليون سهم، موزعة على أكثر من 480 ألف صفقة، سجلت فيها أسهم 90 شركة ارتفاعاً في قيمتها، فيما أغلقت أسهم 138 شركة على تراجع.

وكانت أسهم شركات: «GO» للاتصالات، و«سمو»، و«دله الصحية»، و«العقارية»، و«سيرا» الأكبر ارتفاعاً. أما أسهم شركات: «جاهز»، و«أنعام القابضة»، و«بنان»، و«الزامل للصناعة»، و«أكوا باور» فكانت الأكبر انخفاضاً في التعاملات؛ إذ تراوحت نسب الارتفاع والانخفاض بين 3.36 في المائة و7.16 في المائة.

وكانت أسهم شركات «أنعام القابضة»، و«الباحة»، و«شمس»، و«جاهز»، و«أمريكانا» الأعلى نشاطاً من حيث الكمية، في حين كانت أسهم شركات «جاهز»، و«أرامكو السعودية»، و«الراجحي»، و«أنعام القابضة»، و«سابك» الأكبر نشاطاً من حيث القيمة.

وقال محلل الأسواق المالية عضو «جمعية الاقتصاد» السعودية، الدكتور سليمان آل حميد الخالدي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «قطاعَي البنوك والطاقة كانا من العوامل الرئيسية التي ساهمت في استقرار مؤشر السوق السعودية، وبقائها في منطقة الـ12 ألف نقطة». وأضاف أن «القطاع البنكي في سوق الأسهم السعودية يعدّ من أكبر القطاعات البنكية أرباحاً على مستوى العالم، وهو أحد أبرز الداعمين لمؤشر السوق السعودية». كما أشار إلى أهمية قطاع الطاقة، خصوصاً شركة «أرامكو السعودية»، مع توقعات بزيادة التوزيعات النقدية لتتجاوز 1.96 ريال في العام.

وتوقع الخالدي أن «يستمر مؤشر السوق في الارتفاع خلال الجلسات الـ14 المتبقية حتى نهاية العام الحالي، وأن يصل إلى 12800 نقطة، ومواصلة رحلة النمو والارتفاع وتجاوز 13500 نقطة مع بداية العام المقبل 2025»، مضيفاً أن مؤشر السوق متوجه نحو تسجيل ارتفاعات جديدة مع الأخبار الاقتصادية الإيجابية المستمرة حول الاقتصاد السعودي.

وأشار إلى أن السوق المالية السعودية قد «تشبّعت بشكل كامل من الانخفاض خلال الفترة الماضية، حيث هبط المؤشر من 14 ألف نقطة ليصل إلى نحو 10.1 ألف نقطة، ليشكل بذلك قاعدة في النطاق بين 10 آلاف و12 ألف نقطة. كما وصل معظم أسعار أسهم بعض الشركات الكبيرة إلى قيعان جديدة لم تشهدها منذ 14 عاماً، وهو ما لا يتماشى مع مؤشرات الاقتصاد السعودي خلال الفترة الماضية».

وأضاف أن «الاقتصاد السعودي يتمتع بمكانة قوية وكبيرة، ومن أبرز مؤشراتها ارتفاع الناتج المحلي إلى 2.8 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي 2024، بالإضافة إلى توقع نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 4.8 في المائة عام 2025». كما أشار إلى إعلان «موازنة السعودية بأكثر من 1100 مليار ريال، ونفقات تجاوزت 1200 مليار ريال»، لافتاً إلى أن «سياسة الإنفاق والتدفقات النقدية التي أقرتها الحكومة أصبحت بيئة مشجعة لاستمرار نمو الاقتصاد السعودي، وللمستثمرين المحليين والأجانب. كما أن السعودية أصبحت واجهة لجميع المؤتمرات واللقاءات العالمية الاقتصادية والسياحية والاستثمارية والسياسية. كذلك بلغ حجم الاستثمار في السوق السعودية نحو 400 مليار دولار، والهدف المقبل هو 3 تريليونات دولار».

من جهته، أكد خبير ومحلل أسواق المال، عبيد المقاطي، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن سوق الأسهم السعودية «أصبحت محط اهتمام للمستثمرين المحليين والعالميين، بفضل قوة ومتانة الاقتصاد السعودي، بالإضافة إلى تسجيل الشركات أرباحاً كبيرة، مما انعكس إيجاباً على التوزيعات الفصلية للشركات». وأضاف أن «القيمة السوقية التجميعية في القيعان السعرية تساهم في تحفيز مؤشر (تاسي) وشركاته، مما يعزز المضاربات اليومية واللحظية ويحقق مكاسب مضاربية يومية للمتداولين». كما لفت إلى أن «هذه المكاسب تسهم في تحقيق عوائد فصلية، مما ينتج عنه قمم وقيعان سعرية لأسهم تلك الشركات».

وأضاف أن «السوق تسير في موجات تذبذبية حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، سواء على صعيد الهبوط والصعود». وأشار إلى أنه «في الشهرين الماضيين، حين وصل المؤشر العام إلى قمته عند مستويات 12390 نقطة، شهدت السوق تصحيحاً في مسارها لتصل إلى الدعم عند 11590 نقطة، مما أدى إلى فقدان ألف نقطة. لكن السوق استعادت هذه النقاط مجدداً في جلسات التداول العشر الأخيرة». وأكد أن «العامل الرئيسي في هذه الموجة الصاعدة كان القطاع البنكي وقطاع الطاقة».