جهود روسية لاحتواء الأزمة مع إسرائيل وتساؤلات حول صمت الأسد

TT

جهود روسية لاحتواء الأزمة مع إسرائيل وتساؤلات حول صمت الأسد

مالت التصريحات الروسية إلى الهدوء في ملف إسقاط الطائرة الروسية قبالة السواحل السورية ليل الاثنين - الثلاثاء، بعد عاصفة من الاتهامات لإسرائيل بالتسبب في الحادث والتلويح بإجراءات عقابية. واتجهت الترجيحات إلى احتمال التوصل إلى اتفاقات بين موسكو وتل أبيب لمنع تكرار حوادث مماثلة، بعد إجراء تحليل شامل ومشترك للموقف.
وأعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن الخبراء الروس سيقومون بتحليل المعطيات التي وعدت إسرائيل بتسليمها إلى روسيا حول إحداثيات تحرك المقاتلات الإسرائيلية، والملابسات التي رافقت سقوط طائرة «إيلوشين20» الروسية. وأوضح بيسكوف، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد في اتصال هاتفي مع الرئيس فلاديمير بوتين أول من أمس بإرسال قائد سلاح الجو الإسرائيلي إلى موسكو، حاملاً المعلومات المتعلقة بطلعات الطيران الإسرائيلي لاطلاع الجانب الروسي عليها. وأوضح المتحدث الرئاسي الروسي، أن بلاده «لم تتلق بعد بيانات من إسرائيل وسنقوم بدراستها فور الحصول عليها»، موضحاً أنه «بلا شك، فإن وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة الروسية تملك جميع المعلومات حول الطلعات الجوية بالدقيقة والثانية، وبخاصة، حول طائرتنا. وهي المعلومات، التي يسترشد بها الرئيس الروسي. أما ما يتعلق بالمعلومات، التي يملكها الإسرائيليون، فأنتم تعلمون أن الرئيس الروسي وافق خلال حديثه الهاتفي مع نتنياهو على زيارة وفد من الخبراء، برئاسة قائد القوات الجوية الإسرائيلية إلى موسكو، لجلب البيانات. لذلك؛ فلم نحصل على بيانات بعد، وسيقوم خبراؤنا بدراستها بالطبع».
وكان نتنياهو شدد خلال مكالمته مع بوتين على تحميل النظام السوري وإيران مسؤولية إسقاط الطائرة، واتفق الجانبان وفقاً لبيان الكرملين على مواصلة الاتصالات لمنع وقوع حوادث مماثلة.
وكان لافتاً أمس، بروز تساؤلات حول موقف الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصاً أنه لم يصدر تعقيباً على الحادث، ولم يتصل ببوتين للتعزية أو لإعلان موقفه من الاتهامات الإسرائيلية، خصوصاً أن وزارة الدفاع الروسية أكدت أن الطائرة الروسية أصيبت بصاروخ أطلقته الدفاعات الجوية السورية بطريق الخطأ.
وقال بيسكوف رداً على أسئلة صحافيين، أمس، إن الأسد لم يتواصل مع بوتين بعد حادث الطائرة الروسية، لكنه لفت إلى أن دمشق أصدرت بياناً رسمياً حوله.
وزاد إن الكرملين «ليس لديه علم بما إذا قامت دمشق بتقديم أي بيانات أو إحداثيات حول هذا الحادث من قبل الجيش السوري»، في إشارة إلى انتظار موسكو تفاصيل من دمشق حول معطيات إطلاق الدفاعات الجوية أثناء الغارات الإسرائيلية على مواقع في اللاذقية. ونصح بيسكوف الصحافيين بتوجيه السؤال حول موقف دمشق إلى وزارة الدفاع الروسية.
ورغم تراجع لهجة الاتهام والوعيد لإسرائيل، لكن وزارة الدفاع الروسية حافظت على الفرضية نفسها التي قدمتها أول من أمس، لجهة تحميل المقاتلات الإسرائيلية التي شاركت في الهجوم على مواقع في اللاذقية مسؤولية التسبب بتعرض الطائرة الروسية لنيران الدفاعات السورية.
وكررت الوزارة، أمس، في إيجاز صحافي، أن الطائرات الإسرائيلية «تعمدت خلق وضع خطير في منطقة اللاذقية». وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في اجتماع عسكري، أن «طائرات الـ«إف - 16» الإسرائيلية ضربت سوريا تحت غطاء الطائرة الروسية «إيل - 20»؛ ظناً منها بأن سلاح الجو السوري لن يقوم باتخاذ إي إجراء في هذه الجهة.
وأكد الوزير أن الطائرات الإسرائيلية قامت بالضربة بعد دقيقة واحدة فقط من إعلامنا. وتابع شويغو «الطيران الحربي الإسرائيلي عمل من دون تحذير، ولنكون أكثر دقة قبل دقيقة، دقيقة واحدة فقط قبل الضربة، حذرونا وأشعرونا بأن هناك ضربة على منشآت في سوريا، وبعدها قاموا بالهجوم».
لكن هذه الفرضية قوبلت بتشكيك في وسائل إعلام روسية أمس؛ إذ تساءل معلقون «كيف أمكن توجيه التحذير قبل دقيقة واحدة من بدء الضربة في حين أن الغارات الإسرائيلية تواصلت لمدة أربعين دقيقة تقريباً، وأن الطائرة الروسية اختفت عن شاشات الرادار في قاعدة حميميم قرابة الساعة 11 مساءً، أي في نهاية الغارات وليس عند بدايتها». ولفتت هذه التساؤلات إلى احتمال أن تكون الطائرة الروسية المنكوبة كانت بالفعل على مقربة من المكان وقامت بتصوير الغارات بشكل كامل ونقل معطياتها إلى قاعدة حميميم قبل أن يصيبها الصاروخ السوري.
إلى ذلك، برزت ترجيحات حول طبيعة التفاهمات التي يمكن أن تتوصل إليها موسكو وتل أبيب لمحاصرة تداعيات الأزمة، وكان بيان أصدره الكرملين أفاد بأن العمليات الإسرائيلية في سوريا، تعتبر خرقاً لسيادة هذا البلد، وشدد على أن إسرائيل في حادث الطائرة الروسية لم تتقيد بالاتفاق حول تفادي الحوادث الخطيرة. وزاد البيان إن الرئيس الروسي طالب نتنياهو خلال المكالمة الهاتفية بعدم السماح بوقوع حالات مشابهة لتلك التي حصلت مع الطائرة «إيلوشين 20» في سوريا.
وعكس البيان الرئاسي الروسي، وفقاً لمحللين، أن موسكو تسعى إلى التوصل إلى تفاهمات جديدة مع تل أبيب لحصر نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد أهداف تشكل خطراً مباشراً على أمن إسرائيل، وعدم استهداف مواقع ومنشآت تابعة للحكومة السورية، كما أن موسكو تريد أن يتم إبلاغها بأي تحرك عسكري قبل وقت كافٍ لضمان حماية الجنود والمواقع الروسية في سوريا.
ولفت المعلق السياسي في صحيفة «كوميرسانت» الروسية إلى أن «الحادث شكل اختباراً للعلاقات الروسية - الإسرائيلية»، وزاد أنه «لن يكون بمقدور موسكو المحافظة طويلاً على وضع تقيم فيه تحالفات مع أطراف متناقضة ومتحاربة على الأرض، في إشارة إلى إيران وإسرائيل. مضيفاً أنه سيكون عليها أن تختار قريباً موقعها في جملة التناقضات القائمة على الأرض السورية. وتساءل المعلق: ماذا نفعل في سوريا حيث الجميع يتحارب مع الجميع؟ وذكر أن الكرملين أعلن حتى الآن عن سحب القوات ثلاث مرات من سوريا، مضيفاً أن على الكرملين أن يقرر موعداً وآليات لانسحاب حقيقي لروسيا من سوريا؛ حتى لا تتورط في مواجهة لا تريدها بسبب تفاقم التناقضات بين الأطراف المختلفة.
على صعيد آخر، رجحت أوساط خبراء روس، أن الاتفاق الروسي - التركي، لن يكون بإمكانه الصمود طويلاً، وأن عقبات جدية تواجه تنفيذ بنوده. مرجحة أن يكون الاتفاق مقدمة لعملية عسكرية مشتركة توقعت الأوساط أن يتم تنفيذها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ونقلت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» عن خبراء، أن اتفاق إدلب «لا يمكن اعتباره نهائياً». موضحة أنه ليس من مصلحة الرئيسين بوتين وإردوغان بقاء مجموعات إرهابية مثل «داعش» أو «جبهة النصرة» في شمال سوريا؛ لذلك فإن الخبراء واثقون من أنه بعد إنشاء منطقة معزولة حول إدلب، لا بد من عملية عسكرية مشتركة القضاء على الإرهابيين من قبل القوات السورية والتركية بمساعدة روسيا.
وزادت، نقلاً عن خبراء أتراك، أن توقع انفجار الوضع في نوفمبر مرتبط بالعلاقات التركية - الأميركية واحتمال تدهورها أكثر بعد دخول العقوبات على القطاع النفطي في إيران حيز التنفيذ. علماً بأن أنقرة أعلنت أنها ستواصل شراء النفط الإيراني. كما أن «تركيا ستدعم موقف موسكو العسكري بشأن إدلب؛ لأن تأخير العملية العسكرية يهدد تركيا نفسها، حيث يمكن للمجموعات الإرهابية التوغل في مناطق نفوذها» وفقاً لخبراء.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».