كل أسابيع الموضة تعاني من التغيرات السياسية والاقتصادية بشكل أو بآخر في الآونة الأخيرة. فنيويورك فقدت الكثير من بريقها القديم، الأمر الذي تسبب في هجرة مجموعة من مصمميها إلى أوروبا، الأمر الذي زاد من معاناتها، لأنه أفقدها سمعتها كعاصمة تجارية لم يكن المشترون من كل أنحاء العالم يتجاهلونها سابقا. أما باريس فوصل بها الحد إلى توسل مساعدة بيوت الأزياء الكبيرة وأن تتبع مبدأ «خيرنا فينا»، وذلك بصرف ما تصرفه من ملايين الدولارات على عروض الـ«كروز»، بين شواطئها ومدنها. وكأن هذا لا يكفي لإنعاش اقتصادها، تعمدت إطالة أسبوعها إلى 9 أيام عوض سبعة أيام. السبب واضح، فبقاء وسائل الإعلام العالمية والشخصيات المهمة فيها أطول مدة يحرك الاقتصاد، من الفنادق التي ترفع أسعارها في هذه الفترة إلى تشغيل سائقي السيارات وإنعاش المطاعم وما شابه من أمور. لندن في المقابل ظلت محافظة على أناقتها وحضاريتها.
على مدى خمسة أيام فقط قدمت مهرجانا من الإبداع لعبت فيه التكنولوجيا دورا كبيرا ومؤثرا. فكما قالت ستيفاني فير، رئيس مجلس منظمة الموضة الحالية فإن التكنولوجيا بكل أشكالها، لغة العصر التي لا يمكن الاستغناء عنها بعد الآن، سواء بخلق صور مثيرة أو قصصا تُلهب الخيال. ليس هذا فقط، أكد الأسبوع أنه ينصت لنبض الشارع بشكل ذكي. فبعد الضجة التي أثارتها دار «بربيري» بإعلانها أنها تُتلف بضاعتها الفائضة والتي تقدر بالملايين خوفا من وقوعها في أيادٍ غير مرغوب فيها وحفاظا على بريقها ومكانتها بين الكبار، سرعان ما صححت الوضع بإعلانها أنها مثل الكثير من بيوت الأزياء العالمية ستتوقف عن هذا التقليد وزادت عليه بالإعلان عن توقفها عن استعمال الفرو الطبيعي في كل منتجاتها. الأمر الذي عكس ردة الفعل وأكسبها الإعجاب لشجاعتها. بداية بكشفها المستور، بما أن إتلاف بضائع فائضة لا يقتصر عليها وحدها، بل يعتبر تقليدا يتبعه الكل تقريبا، وثانيا لتصحيحها الخطأ بطريقة أثبتت أنها دار معاصرة رغم أن عمرها يتعدى القرن من الزمن.
وسرعان ما تبنى الأسبوع الفكرة وأعلن رفضه لاستعمال الفرو الطبيعي بعد استماعه لمنظمة «بيتا» المناهضة لاستعمال جلود الحيوانات. إنجازات الأسبوع لم تنته عند هذا الحد، فالموسم كان واحداً من أهم الأسابيع رغم كل التحديات، لا سيما تلك التي تتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما يترتب عن هذا الخروج من مخاوف وقلق على مصير صناعة الموضة البريطانية ككل، ومصير المصممين الشباب المنحدرين من أصول غير بريطانية من جهة ثانية. فقد شارك فيه أكثر من 80 مصمم، و100 علامة في المعرض الجانبي، كما شهد عرض فيكتوريا بيكام، الذي يقام في لندن لأول مرة، احتفالا بمرور 10 سنوات على تأسيس دارها. قرار لم يأت عبثا بل له مبرراته لأن في لندن يوجد أكبر محل رئيسي لها، حسب تصريحها، لكن قد تكون الحقيقة أيضا أن نيويورك لم تحقق لها الأهداف التجارية المطلوبة. طبعا عرض «بربيري» كان من أهم عناصر الجذب هذا الموسم، لسبب مهم وهو أن مصممها الفني الجديد، ريكاردو تيشي، قدم فيه تشكيلته الأولى للدار. والمعروف عنه أنه مُبدع في مجاله لكن الترقب كان أيضا للمقارنة بينه وبين سابقه كريستوفر بايلي، الذي ارتقى بالدار إلى مستوى رفيع لسنوات قبل أن تتعرض إلى خمول فني انعكس على المبيعات. طريقته في ترجمة إرث بريطاني عريق جاءت بأسلوب عصري مثير. كل هذا، إضافة إلى فعاليات جانبية كثيرة، تحتفل إما بمصممين مبتدئين أو بثقافات بعيدة، أكد أن أسبوع لندن لا يزال في جُعبته الكثير، وبأنه قادر على منافسة أعتى عواصم الموضة ويتفوق عليها، ربما ليس من ناحية ضخامة العروض وإخراجها نظرا لشح إمكانيات مصمميها، لكن حتما من ناحية الإبداع والابتكار. فسمعته كمنبر مفتوح يطلق فيه المصممون الشباب العنان لخيالهم، بغض النظر عن جنسياتهم وأهوائهم وميولهم، إلى جانب كون لندن مركزا تجاريا عالميا يحتضن التنوع بكل أشكاله وألوانه، كلها عناصر تصب في صالحه، لأنها تضخه بدماء جديدة وتمنحه جرعة ديناميكية باتت نيويورك تفتقد إليها في المواسم الأخيرة وباريس وميلانو يحلمان بها.
> وفقا لمسح أجراه مجلس الموضة البريطاني لم يستخدم أي مصمم في هذا الموسم فرو الحيوانات الطبيعي. وقالت كارولين راش المديرة التنفيذية للمجلس إنها المرة الأولى التي أجمع فيها المصممون على أن تصاميمهم لن تتضمن أي فراء بنسبة 100 في المائة، وهو أمر كما قالت «يعكس تغيرا في خياراتهم الإبداعية وفي نظرتهم لقوة المستهلك... يبدو أنهم بدأوا يفكرون جديا في الصورة التي يريدون أن يعكسونها لزبائنهم». في المقابل ركزوا على خامات عصرية خضعت لتطويرات تقنية، مما يجعلها تُغني عن الخامات التقليدية، إضافة إلى الألوان المتوهجة، التي تدعو للتفاؤل. وهذا ما كان جليا منذ أول يوم عرض إلى آخره. المصمم ريتشارد مالون مثلا قدم تشكيلة مطبوعة بألوان كثيرة دمجها بجرأة. فالقطعة الواحدة قد تجمع الوردي الفاقع بالأصفر البراق والأزرق والأخضر، وهكذا كذلك.
لندن ترقص على نغمات التكنولوجيا وتخطف الأضواء
لندن ترقص على نغمات التكنولوجيا وتخطف الأضواء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة