دراسة مقارنة بين عالمي اجتماع عراقي وإيراني

صدر حديثاً عن دار «ثقافة» للنشر والتوزيع في الإمارات العربية المتحدة كتاب «التنوير والإصلاح الاجتماعي بين علي الوردي في العراق وعلي شريعتي في إيران»، للباحث العراقي الدكتور نبيل الحيدري في المقارنة بين أبرز عالمي اجتماع معاصرين في العراق وإيران هما علي الوردي وعلي شريعتي، حيث قام كل منهما بدراسة مفصّلة لمجتمعه وبيئته، وتطورات المجتمع، والعوامل المؤثرة في حركته وتغيره.
وقد بدأ الكاتب بمقارنة تمهيدية للمفكرين - العليين كما سماهما - من حيث النشأة والعائلة والدراسة وكذلك من حيث المجتمعين العراقي والإيراني. ثم تطرق الكاتب في فصول الكتاب إلى مختلف المواضيع المهمة التي تناولها المفكران في كتبهما ومقالاتهما ليقارن بين وجهتي نظرهما وآرائهما. ومن هذه المواضيع: نقد الخطاب الديني والنظرة إلى الغرب والنظرة إلى العرب والإسلام والعلمانية والسنة والشيعة وتجاوز الممنوع ووعاظ السلاطين والاستثمار الديني ونقد التشيع الصفوي.. وفي الأخير تناول أهم الانتقادات التي تعرض المفكران لها وواجهاها في حياتهما..
وقد وصف الكاتب نظرة الوردي للمجتمع، بأنها نظرة واقعية، لا طوباوية ولا مثالية. فهو – أي الوردي - يقول: «إن المشكلات لكل مجتمع هي حالة طبيعية، تحرّك الناسَ لدراستها وحلّها ولا يمكن لمجتمع يخلو من مشاكل».
أما علي شريعتي الذي درس على والده محمد تقي كرجل دين من الطبقة الوسطى، فإنّه لم يعانِ في طفولته معاناة الوردي، وكان لوالده وبيئته الدينية وكذلك الظروف المحيطة آنذاك، أثر كبير في نفسه وحركته وانطلاقاته نحو المجتمع الإيراني المعقد أصلاً. وكان لدراسة شريعتي في فرنسا الفلسفة وعلم الاجتماع وتاريخ الأديان وتعرفه على المدارس الفكرية الأوروبية، أبلغ الأثر على التغيرات الحاصلة عليه وأفكاره ونضجه وتقلباته وكتاباته، خصوصا بعد عودته للوطن وتدريسه في جامعاته في الأحواز ومشهد وطهران.
ويعتقد الوردي، كما يرى الحيدري، أن إحدى مشاكل العراق المهمة هي وقوعه بين إيران وتركيا، أي بين صراع الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية. فقد «صار العراق موضع نزاع عنيف بين الدولتين العثمانية والصفوية واستمر لثلاثة قرون»، كما يقول الوردي.
أما شريعتي، فيعتقد أن مشكلة إيران هي الحلم بالتاريخ الإمبراطوري، الذي تريد إعادته واستنساخه من جديد بلباس التشيّع الصفوي وممارساته المختلفة.
كان بين الرجلين (الوردي وشريعتي)، كما يرى المؤلف، مشتركات كثيرة، فقد دعا كلاهما لإعادة كتابة التاريخ ودراسته بعمق، إضافة إلى اختيارهما الوسطية والاعتدال، ورفضهما التعصب والجهل والسباب والشتم واللعن والتكفير، ومحاربة التقاليد القديمة والطقوس البالية والبدع المخدرة، وكذلك اتخاذهما الجانب العقلي الذي يجمعهما في طريقة التفكير والتقييم والدعوة إلى الإصلاح وتجديد الخطاب الديني ومواكبة العصر وتحدياته.