عودة الاشتباكات بين ميليشيات طرابلس

انتشار مفاجئ لصور حفتر في العاصمة الليبية

مبنى مهدم في حي الصابري في بنغازي حيث دارت معارك استمرت ثلاث سنوات بين قوات المشير حفتر وجماعات متشددة (رويترز)
مبنى مهدم في حي الصابري في بنغازي حيث دارت معارك استمرت ثلاث سنوات بين قوات المشير حفتر وجماعات متشددة (رويترز)
TT

عودة الاشتباكات بين ميليشيات طرابلس

مبنى مهدم في حي الصابري في بنغازي حيث دارت معارك استمرت ثلاث سنوات بين قوات المشير حفتر وجماعات متشددة (رويترز)
مبنى مهدم في حي الصابري في بنغازي حيث دارت معارك استمرت ثلاث سنوات بين قوات المشير حفتر وجماعات متشددة (رويترز)

في انهيار جديد للهدنة التي رعتها مؤخراً بعثة الأمم المتحدة بين الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية، انقطعت الكهرباء، أمس، عن مناطق في غرب البلاد وجنوبها، بعدما تجددت الاشتباكات العنيفة، لبعض الوقت، في ضواحي طرابلس التي استيقظت أيضاً على انتشار مفاجئ لملصقات وصور للمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني المناوئ لحكومة الوفاق التي يترأسها فائز السراج.
ورغم التهديدات الأميركية والغربية بمعاقبة منتهكي الهدنة، وإعلان حكومة السراج عن ترتيبات أمنية استباقية وجديدة لمنع اندلاع القتال، فقد شهدت مناطق عدة في طرابلس اشتباكات، خصوصاً على طريق المطار الدولي، بعد هدوء حذر دام نحو أسبوعين بعد إعلان وقف إطلاق النار برعاية بعثة الأمم المتحدة.
ولم يعلّق السراج على هذه التطورات المفاجئة، لكنه التقى في المقابل بمقره في طرابلس، رئيس وأعضاء لجنة الترتيبات الأمنية لطرابلس الكبرى حيث وقف على آخر التدابير التي اتخذتها اللجنة حيال المهام الموكلة إليها. وأوضح السراج صعوبة الظروف والتحديات التي تواجه البلاد، مشدداً على الأهمية البالغة لدور اللجنة في تنفيذ الترتيبات الأمنية، وفي مقدمها تأمين المواطن والممتلكات الخاصة والعامة وتعزيز وقف النار وإرساء النظام العام وإنفاذ القانون من خلال قوات أمنية وشرطية نظامية منضبطة تعمل وفق المعايير المهنية، بحسب ما جاء في بيان وزعه مكتبه.
وأكد السراج، في البيان، أن التعليمات أعطيت لكل الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة لدعم جهود هذه اللجنة وتوفير متطلباتها، مشيراً إلى أن الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاق الصخيرات المبرم في المغرب نهاية عام 2015 برعاية أممية، لا يشمل مدينة طرابلس فقط بل يتعداها إلى المدن كافة.
وقال إن المجلس الرئاسي لحكومته «ليس على خلاف مع أي مدينة أو منطقة ليبية، أو مكون اجتماعي، بل الخلاف مع المعرقلين للمسار الديمقراطي والمواجهة تنحصر مع العابثين بأمن الوطن وكل من يروع المواطنين ويمس أمنهم وحياتهم»، مؤكداً أهمية هذه الترتيبات الأمنية التي ستعمل على تأمين الاستحقاقات الانتخابية القادمة التي «هي وحدها تعتبر المخرج الوحيد للأزمة الراهنة والانقسام القائم».
وقالت الشركة العامة للكهرباء، أمس، إنه نتيجة للاشتباكات المسلحة في جنوب طرابلس خرجت من الخدمة محطات ووحدات لتوليد الطاقة، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء من طرابلس إلى رأس أجدير والجبل الغربي والمنطقة الجنوبية. ولاحقاً، أعلنت الشركة «عودة التيار تدريجياً لأغلب المدن بالمناطق الغربية»، مشيرة إلى أن «العمل جار لإعادة بناء الشبكة بالمنطقة الجنوبية».
وينهي هذا القتال الجديد، هدنة هشة توسطت فيها الأمم المتحدة قبل أسبوعين بعد أن لقي أكثر من 60 شخصاً حتفهم في اشتباكات منذ نهاية الشهر الماضي.
وقال وزير الداخلية بحكومة السراج، عبد السلام عاشور، إن الاشتباكات جرت في محيط طريق المطار وجزيرة الفحم ومشروع الهضبة، نافياً تدخل القوة المشتركة التي يقودها اللواء أسامة الجويلي في فض الاشتباكات. لكن مسؤولين عسكريين تحدثوا، في المقابل، عن تجمع لكتائب عسكرية يقودها الجويلي في منطقة العزيزية على تخوم طرابلس، استعداداً لدخولها للمشاركة في وقف النار والفصل بين الميليشيات المتحاربة.
وحثت وزارة الداخلية، في بيان، المواطنين، على الابتعاد عن أماكن الاشتباكات المسلحة، كما طالبت بإيقاف التصعيد العسكري بين الأطراف وضرورة سلك طريق الحل السلمي لتجاوز الأزمة وتغليب لغة العقل والابتعاد عن لغة السلاح والاحتكام إلى لغة الحوار البناء.
ونقلت قناة «النبأ» المحلية (محسوبة على الإسلاميين) عن مصدر في «لواء الصمود» الذي يقوده صلاح بادي أحد قادة الحرب والمنتمي إلى مدينة مصراتة، أن قوات اللواء تتقدم وتسيطر على طريق المطبات بمشروع الهضبة جنوب طرابلس.
في المقابل انتشرت بشكل مفاجئ ملصقات تحمل اسم وصور المشير حفتر في بعض ضواحي العاصمة طرابلس. وهذه المرة الثانية خلال فترة وجيزة تنتشر فيها صور لحفتر منذ إعلان عزمه على تحرير المدينة من قبضة الميليشيات المسلحة. وحملت الملصقات التي تداولها ناشطون ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبارة «أهلا بالمشير، الجيش طوق نجاة الوطن».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.