إبراهيم زاير وريادة «مصطلح النص»

الفنان و«الشاعر» والشخصية المثيرة للجدل في ستينات القرن الماضي

إبراهيم زاير
إبراهيم زاير
TT

إبراهيم زاير وريادة «مصطلح النص»

إبراهيم زاير
إبراهيم زاير

يقتضي الحديث عن الراحل إبراهيم زاير استدعاء أهم سؤال يتعلق بسيرته: أيمثل انتحاره نهاية مطاف لفحوى عمله الأدبي أم هو رسالة احتجاج بغية الالتفات للنص الأدبي الذي لم يأخذ حقه نقداً واهتماماً؟ المحير في حياة زاير وانتحاره أن الأمر يحتمل الوجهين! إبراهيم زاير الفنان و«الشاعر» والشخصية المثيرة للجدل أيام الستينات من القرن الماضي، نظراً لما قدم فنياً وأدبياً، أنهى حياته منتحراً عن عمر ناهز الـ28 عاماً، إذ ولد عام 1944 في مدينة العمارة بالعراق، وانتحر عام 1972 في شقة ببيروت، تاركاً قصاصته الشهيرة: «لقد قررت الانتحار، آسف لإزعاجكم». إذن، هو قرار، قرار مقتضب من دون تفاصيل، ينم عن مسير باتجاه واحد لا محيد عنه، وإصرار على الموت، وأسف لإزعاج الآخرين.
في بحثنا عن جذور مفهوم النص الأدبي كمصطلح في نشأة الأدب العراقي، يستوقفنا عمله الأدبي والفني معاً، كما يتمثل في إسهامه في مجلة «شعر 69»، العدد الثالث الصادر في شهر يوليو (تموز) من سنة 1969، المنشور بعنوان «طيور»، وتحت تجنيس «نصوص ورسوم»، وهو ثلاثة نصوص نثرية تجنبت شكل التقطيع الشعري، ولكنها تسبح في فضائه، مع خمسة تخطيطات بالأسود والأبيض رافقت النصوص، في محاولة لخلق التلاحم التأليفي لنفس الفنان، نافياً عن عمله المركب أية صفة ملحقة، فهي ليست نصوصاً نثرية، أو شعرية، أو قصصية. كما أنها لم تأتِ بمفردها، بل هناك طيور مجسدة مرسومة بالطريقة الحديثة، مع خطوط ناعمة تقف خلف الخطوط الرئيسة لطيوره التجريدية، وكأنها توحي بأنها تخطيطات لم تكتمل، نقلت كما هي من المرسم إلى المجلة دون رتوش؛ ألم يقل قبل انتحاره للأديبة عالية ممدوح: «بعد موتي، هل ستكتبين عني؟ أرجو أن تكتبي عني كما أنا!».
إن التحكم بالحياة الشخصية، وبإصرار معلن، انعكس على طبيعة النصوص التي يكتبها إبراهيم زاير وهو يحرق المراحل الأدبية بالترافق مع «اشتعاله» شخصياً في أتون الحياة غير آبه بالرتوش. فإذا كان محمد الماغوط قد سبق الآخرين بقصيدة النثر، فإن زاير ينتقل مباشرة إلى مصطلح النص، وإن بدت ملامح الشعر واضحة من خلال الاختصار والتكثيف: «يوم بهجة غير مسجل، ويبدأ الماضي يداعبني.. أما الوعي، فلا مكان للوعي.. وتطول المسافة» (شعر 69، ص 82)، ويرافق ذلك شكل سردي يضع القارئ في مشهد بصري لقصة قصيرة جداً، ولكنها تتمتع بمواصفات النص الشعري، روحاً وبناء.
إبراهيم زاير طار بسرعة هائلة مشاكساً الفيزياء، فاحترقت أجنحته، وتناثر رماد نصوصه وسط ركام الاعتياد، مبتكراً نصوصاً قابلة للمراجعة والفحص النقدي: «تسير محبوبتي أمامي، يتحرك جذعها باتزان على الرصيف، فتمتد يداي الشبحيتان إلى خصرها، وأطوق قميصها، وأضع فكي على كتفيها، وأبتسم» (المصدر السابق). إذن، هما يدان شبحيتان، وملاحقة من طرف واحد لحلم مستحيل يجعل النص يسبح في تأويلات متعددة، على الرغم من اتضاح العبارة، وعدم اللجوء إلى الحذلقة والاصطناع اللغوي.
من يريد أن يقترب من نصوص إبراهيم زاير، عليه أن يقترب من موته، وعلى من يريد أن يفهم نهايته السريعة، العودة إلى نصوصه، حيث يجدها مبثوثة في حلم الاشتباك السريع المتعجل بالحياة. ألم يترك العراق ملتحقاً بالفصائل المسلحة؟ ألم يمض حاملاً نصه الأثير معه (تك، تك، الأمر أسهل من التثاؤب). هكذا، كان يردد أمام أصدقائه وهو يشير بيده وكأنه يمسك المسدس. لذا، لم يكن أمام زاير إلا الالتجاء لنص مختلف في العنونة لأنه يريد أن يصنع مجده بالمغايرة.
فإذا كان النص، بمفهوم عبد القاهر الجرجاني، هو «ما لا يحتمل إلا معنى واحداً، أو ما لا يحتمل التأويل»، فإن في ذلك سجناً للنص، وإغلاقاً لاتساع آفاقه التأويلية، فيما تجنح الحداثة نحو فتح أكثر من جادة لمعنى الجملة في ثنايا النص، وهو ما سعى إليه زاير بكل ما أوتي من قوة في التصميم والرسم والكتابة بشكل لا يتبع النصوص السابقة، نثراً أو شعراً.
أما ما لحق من تبشير بنصه مع مخطوطاته الطائرة، مقصوصة الجناح، وبرأس مخفي، فذلك تصدره لغلاف العدد في البداية والنهاية، مع إضافة اللون الأحمر فقط للأسود والأبيض، لعلها إشارة إلى لون الاحتدام وفوران الدم في العروق، أو نبوءة متعجلة لنهاية الطيور والنص وإبراهيم زاير.
تذكرنا تجربة إبراهيم زاير، وتجارب غيره من أدباء الستينات من القرن الماضي حتى يومنا هذا، مروراً بكل التجارب الخالصة التي أكل الغياب من جرفها التاريخي والتوثيقي بسبب الهجرة والهروب من العراق، بشحة التدقيق في النقد العراقي الحديث. فكم من غصن شعري غادر تربة الواقع، ونما محزوناً في غربته، مكابداً اجترار وقائع الذاكرة، كي يتماسك في انتمائه لحياة لا يمكن نكرانها. وكم من حياة أدبية تقطعت أوصال نضوجها بفقدان الأرشيف، وتقطعت سبل ربط سلسلة ارتقاء تفاعل مكوناتها، فيما النقد العراقي يراوح في أكثر الأحيان بتداول أسماء معدودة في النقد الصحافي، وصولاً إلى الأطروحات الجامعية، محتفياً بالأسماء، دون الالتفات إلى الظاهرة الأدبية ومؤشرات تطورها.



كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)

بعد أكثر من 5 سنوات من أعمال ترميم واسعة، كشفت كاتدرائية نوتردام في العاصمة الفرنسية، باريس، عن هيئتها الجديدة للعالم، اليوم الجمعة، بعد تعرضها لحريق مدمر عام 2019.

تُظهر هذه الصورة مذبح الكنيسة الذي صممه الفنان والمصمم الفرنسي غيوم بارديه، في قلب كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

جاء ذلك خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موقع البناء ليشاهد بنفسه التصميمات الداخلية التي تم ترميمها قبل إعادة افتتاح الكاتدرائية الشهيرة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويتم بث زيارته التي تستمر ساعتين على الهواء مباشرة. وتظهر أعمال حجرية تم ترميمها وألوان نابضة بالحياة، وغيرها من ثمار جهود إعادة الإعمار الهائلة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاطاً برئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة وبرئيس أساقفة باريس يزور كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

دخل ماكرون عبر الأبواب الأمامية العملاقة للكاتدرائية والمنحوتة بدقة، وحدّق في الأسقف بدهشة. وكان برفقته زوجته بريجيت ورئيس أساقفة باريس وآخرون.

وانضم ماكرون إلى مجموعة تضم 700 من الحرفيين والمهندسين المعماريين وكبار رجال الأعمال والمانحين، وأشاد بالحرفية والتفاني وراء جهود الترميم.

السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، ووزيرة الثقافة والتراث الفرنسية رشيدة داتي، ورئيس أساقفة باريس لوران أولريش يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ومن المقرر أن يعود ماكرون في السابع من ديسمبر لإلقاء خطاب وحضور تدشين المذبح الجديد خلال قداس مهيب في اليوم التالي.

وتأتي زيارة ماكرون بمثابة بداية لسلسلة من الأحداث التي تبشر بإعادة افتتاح التحفة القوطية التي تعود إلى القرن الثاني عشر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت برفقة رئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وترى إدارة ماكرون أن إعادة الإعمار تمثل رمزاً للوحدة الوطنية والقدرة الفرنسية.