جنبلاط يفتح باب التهدئة مع «الوطني الحر»

السفير الفرنسي برونو فوشيه زار الرئيس ميشال عون أمس وأكد زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان في فبراير المقبل (دالاتي ونهرا)
السفير الفرنسي برونو فوشيه زار الرئيس ميشال عون أمس وأكد زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان في فبراير المقبل (دالاتي ونهرا)
TT

جنبلاط يفتح باب التهدئة مع «الوطني الحر»

السفير الفرنسي برونو فوشيه زار الرئيس ميشال عون أمس وأكد زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان في فبراير المقبل (دالاتي ونهرا)
السفير الفرنسي برونو فوشيه زار الرئيس ميشال عون أمس وأكد زيارة الرئيس الفرنسي إلى لبنان في فبراير المقبل (دالاتي ونهرا)

احتوى «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«التيار الوطني الحر»، أمس، السجال الإعلامي، بعد أيام على تصعيد هدد أي تسوية محتملة يمكن أن تؤدي إلى تأليف الحكومة المزمع تشكيلها، وذلك في مسعى من رئيس «الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط لاحتواء الخلاف؛ إذ أعلن تأييده مبدأ الحوار، ودعا إلى «حكومة حيادية لمعالجة الوضع بعيدا عن السجالات»، وسط معطيات بأن «الاشتراكي» يبدي ليونة لكنه «يشترط أن يشمل التنازل جميع الفرقاء».
وتتزامن تلك المعطيات الداخلية مع اهتمام فرنسي بتشكيل الحكومة، عبر عنه سفير فرنسا لدى لبنان برونو فوشيه خلال زيارته الرئيس اللبناني ميشال عون، حيث تطرق البحث إلى تشكيل الحكومة، فأشار السفير فوشيه إلى أن بلاده «تبدي اهتماما خاصا بهذا الموضوع، لا سيما لجهة متابعة تنفيذ قرارات مؤتمر (سيدر) الذي خصص لبحث سبل دعم لبنان اقتصاديا».
وجاء قرار التهدئة بين «الاشتراكي» و«الوطني الحر»، أمس، بعدما تبادل الحزبان على مدى أكثر من أسبوع الاتهامات السياسية، على ضوء إجراءات إدارية اتخذها وزراء التربية مروان حمادة والطاقة سيزار أبي خليل والبيئة طارق الخطيب، المحسوبون على «الاشتراكي» و«الوطني الحر»، بحق موظفين يتبعون الفريق الآخر، انضم إليها مناصرو الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، مما زاد التشنج في العلاقة المتوترة أصلا منذ مرحلة الانتخابات النيابية الماضية.
وغرد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» بالقول: «أفضل شيء هو التأمل في أحوال هذه الدنيا. إن الدخول في سجالات عقيمة لن يقدم ولن يؤخر. آمل من رئيس الحكومة والوزير حمادة معالجة قضية نزار هاني ورجا العلي (الموظفان الاشتراكيان). كنت دائما مع مبدأ الحوار، وهو أفضل السبل».
وفي حين لم يُكشف عما إذا كانت هناك تسوية تبلورت لحل أزمة الموظفين من الطرفين، وسط «ثقة (اشتراكية) بحكمة الوزير مروان حمادة وسلاسته»، أبدى وزير البيئة «كل استعداد لتسهيل أمور لجنة محمية أرز الشوف الطبيعية واستمرارها بدورها الرائد في إدارة أبرز المحميات الطبيعية في لبنان رغم تشبّثه بالقرار الصادر عنه». ورأى أن تغريدة جنبلاط التي أمل فيها من رئيس الحكومة سعد الحريري ومن وزير التربية مروان حمادة، معالجة قضية نزار هاني ورجا العلي، يمكن أن تفتح الباب على الحل العام لهذه القضية، مضيفاً: «هذه التغريدة تؤشر ضمناً إلى من افتعل المشكلة».
خطوة جنبلاط تلتها دعوة من أمانة السر العامة في الحزب التقدمي الاشتراكي لجميع القيادات والمسؤولين والكوادر والأعضاء والمناصرين والأصدقاء للامتناع عن الدخول في أي سجالات سياسية أو إعلامية، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام مع «التيار الوطني الحر». وأكدت أمانة السر العامة في بيان ضرورة الالتزام بهذا القرار «بما يساهم في تبريد الأجواء والمناخات ويصب في خانة حماية السلم الأهلي التي لطالما عمل الحزب في سبيلها طوال السنوات الماضية».
وفي المقابل، أصدر نائب رئيس «التيار الوطني الحر» للشؤون الإدارية رومل صابر، تعميماً لقياديي ونواب ومسؤولي «التيار»، طالب فيه بـ«التوقف عن السجالات واعتماد التهدئة الإعلامية مع الحزب التقدمي الاشتراكي إن كان عبر وسائل الإعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، وذلك «نظراً إلى السجالات والحملات التي اتخذت منحى طائفياً بغيضاً هو بعيد كل البعد عن لغة (التيار الوطني الحر) وأدبياته وقيمه، وأدت إلى مادة إعلامية كثيفة في الأيام الأخيرة».
وتنطلق اعتبارات جنبلاط في التهدئة من مسعاه لتخفيف التشنجات في بلد لا يحتمل مزيدا منها. وقال عضو «كتلة اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، إن جنبلاط اتخذ القرار «كي لا تدفع الناس ضريبة الخلاف السياسي، والكيدية التي تعاطى بها التيار الوطني الحر بالرد على إجراء روتيني عادي»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن قرار جنبلاط ينطلق من «حكمته وحرصه على ألا تتورط البلاد بأزمة إضافية. وإذ تمنى عبد الله على الطرف الآخر «أن يتلقف المبادرة ويحذو حذو جنبلاط»، شدد على أن «ما يهمنا هو استقرار البلد والحفاظ على المعنويات ووجود وحضور كل الفرقاء في الحكومة»، واصفاً موقف جنبلاط بـ«الحضاري والمترفع».
ويُنظر إلى قرار التهدئة على أنه سبيل للتفاهم والتوصل إلى تسوية حكومية. وقال عبد الله إن انعكاسات هذا القرار على الشأن الحكومي «مرهونة بالاتفاقيات والمشاورات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري»، لافتاً إلى أنه حتى هذا الوقت «لم يطرأ أي شيء جديد بعد». وإذ شدد على أن الحزب التقدمي الاشتراكي متمسك بمطالبه «حتى إشعار آخر»، قال: «عندما يقترح الرئيس المكلف على كل الفرقاء تسوية ما، فسنناقش في الاقتراح».
وبدا أن «التقدمي الاشتراكي» منفتح على التسويات، وهو انفتاح مشروط بتنازل الآخرين أيضاً. وأوضح عبد الله: «في هذا الجو الذي يبدو فيه أن هناك فريقاً يحاول تعزيز هيمنته وممارسته سلطته على الآخرين، لن نساوم، لكن ضمن أجواء التهدئة، وإذا حصل هناك تنازل مشترك من كل الأفرقاء، فلن يكون (الاشتراكي) بعيدا عن التنازل أيضاً عن مطالبه»، لكنه شدد على أنه «لا يمكن أن تحصل تسوية على حساب فريق دون الآخر، فالتسوية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هواجس الجميع، هواجس الوطن والمواطن حكماً».
من جهة ثانية، أعلن عضو «كتلة المستقبل» النائب محمد الحجار أن الرئيس الحريري «يعمل على خط التفاؤل رغم الاشتباك السياسي الذي يدور على غير محور»، مشيراً إلى أن «خطوط التواصل جارية بعيدا من الإعلام، وربما بعد عودة فخامة الرئيس ميشال عون (من الأمم المتحدة) يصار إلى تحقيق خرق في مكان ما نأمل أن يعود بالخير على الوطن».



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».