لأسباب متعددة منها «التنمر»... الشباب يعزف عن التواصل الاجتماعي

الكثير من الشباب لم يعد يأبه باستخدام هذه الوسائل ويوجّه اهتماماته إلى مجالات أخرى
الكثير من الشباب لم يعد يأبه باستخدام هذه الوسائل ويوجّه اهتماماته إلى مجالات أخرى
TT

لأسباب متعددة منها «التنمر»... الشباب يعزف عن التواصل الاجتماعي

الكثير من الشباب لم يعد يأبه باستخدام هذه الوسائل ويوجّه اهتماماته إلى مجالات أخرى
الكثير من الشباب لم يعد يأبه باستخدام هذه الوسائل ويوجّه اهتماماته إلى مجالات أخرى

في مسح استقصائي شمل تسعة آلاف من الشباب حول استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، قامت به مؤسسة «أمبير اناليسيس»، تبين أن نسب متزايدة بدأت تعزف عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«سنابشات» وغيرها. وفي إجابة عن سؤال «هل التواصل الاجتماعي مهم في حياتك؟» كانت الردود بـ«نعم» بنسبة 66 في المائة في عام 2016، لكن هذه النسبة انخفضت إلى 57 في المائة في عام 2018.
في المقابل، فإن نسبة أكبر من كبار السن زاد استخدامها مواقع التواصل الاجتماعي من 23 في المائة إلى 28 في المائة خلال الفترة نفسها. وفي بحث آخر شمل طلاب المدارس البريطانية، قالت نسبة 63 في المائة، إنها سوف تكون أسعد لو لم يتم ابتكار وسائل التواصل الاجتماعي.
وتخالف هذه الأبحاث الاعتقاد الشائع بأن الشباب مندمج في حياته مع وسائل التواصل الاجتماعي ولا يستغني عنها؛ فالكثير من الشباب لم يعد يأبه باستخدام هذه الوسائل ويوجه اهتماماته إلى مجالات أخرى، وبأعداد متزايدة.
أسباب هذا التحول متعددة، ويشرحها الشباب وفق تجاربهم الخاصة، فتقول طالبة بريطانية، إن الاندماج في الوسائل الإلكترونية للتواصل حوّل معظم أصدقائها إلى «زومبي»؛ فلا أحد يشارك في محادثات اجتماعية وجهاً لوجه، وبعضهم يطلب رقم الهاتف لإرسال نصوص (تكست) إلى بعضهم بعضاً، على الرغم من وجودهم في الفصل الدراسي نفسه.
البعض الآخر تجنب الإنترنت وعزف عن استخدامها بعد حالات «تنمر» (Bullying) من آخرين؛ لأسباب متنوعة نابعة من الوضع الاجتماعي أو الغيرة أو مجرد التخويف. وفي معظم الأحوال تحدث هذه الحالات لأطفال لا يتعدون الخامسة عشرة من العمر.
ويرى البعض، أن استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى انتحال الكثير شخصيات مغايرة تماماً للواقع يعيشون معها حياة مستعارة على الواقع الافتراضي. ويتابع هؤلاء بشغف وبشكل يومي عدد الاستحسانات (Likes) التي يتلقونها على مواقعهم وكأنها علامة على نجاحهم الاجتماعي.
وما يحدث في أوروبا يتكرر بصورة أوسع في الولايات المتحدة، حيث لاحظت شركات الأبحاث أن نصف الجيل المولود بعد عام 1995 عزف عن استخدام أحد مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل. وتقول ليزلي بيلبي، مسؤولة شركة الأبحاث «هيل هوليداي»، إن بعض الشروخ بدأت تظهر في علاقة الجيل الجديد مع مواقع التواصل على الإنترنت. وتضيف أن الصغار الذين يشاهدون الأكبر عمراً منهم يتجنبون استخدام المواقع أو يقللون من تصفحها يفعلون الشيء نفسه ويعزفون بدورهم عن هذه المواقع.
ويعتبر الجيل الجديد من الشباب هو الأول الذي لم يحتج إلى تعلم كيفية استخدام مواقع التواصل، حيث كان تعودهم على هذه المواقع تلقائياً مع دخولها إلى الاستخدام دورياً، مثل «فيسبوك» في عام 2004 و«تويتر» في عام 2006 و«إنستغرام» في عام 2010 و«سنابشات» في عام 2011.
وبعد سنوات من الاستخدام أصاب الإنهاك بعض الشباب الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى المحافظة على شخصيات افتراضية كاذبة بها بعض المبالغة ولا تماثل الواقع. كما لاحظ البعض أن غيرهم أيضاً يتبع الأسلوب نفسه بين الواقع والصورة الافتراضية التي لا تتوخى الأمانة والصدق. وعبّر أحدهم عن هذا الوضع بالقول «كانت مسابقة وهمية لمن يظهر أكثر سعادة على الإنترنت». أما من يعرض مشكلاته فكان يتم اتهامه بأنه يستجدي الاهتمام من الآخرين.
وأوقف البعض استخدام بعض المواقع التي كانت تصيبهم بالإحباط وتشعرهم بالفشل. في الأيام التي يشعر فيها البعض بقلق أو شعور سلبي يجدون على المواقع عشرات الصور والفيديو لأصدقاء لهم يتمتعون بحياتهم في حفلات مما يصيبهم بمزيد من اليأس.
من ناحية أخرى، شعر البعض الآخر المشغول بمواقع التواصل بأن عليهم مسؤولية ثقيلة للمحافظة على مواقعهم وعدد متابعيهم عبر الظهور بشخصية متضخمة عن الواقع تبحث دوماً عن الاستحسان من الجميع. ويعتبر البعض أن الظهور على «إنستغرام» يماثل اللعبة الإلكترونية التي يجب من خلالها القيام بنشاطات فوق العادة لنيل الاستحسان.
وفي بعض المدارس الأميركية يخجل بعض الطلبة والطالبات من إعطاء معلومات عن مواقعهم على «إنستغرام»؛ لأن عدد من يتبعهم ليس في حجم من يتبع طلاباً آخرين أكثر جاذبية. فمقياس النجاح الاجتماعي أصبح عدد المتابعين للموقع، ومن يتبعه ألف يتميز اجتماعياً بيني الشباب عن ما يتبعه خمسون فقط. ويفضل البعض ألا يعرف رأي الآخرين فيه.
ويرى البعض أن مقياس النجاح الجديد هو عدم التواجد بالمرة على المواقع بحيث يصعب العثور عليه لمن يريد الاتصال به، إلا عن طريق طرف ثالث. ويرى هؤلاء أن العثور على صديق مخلص واحد يبحث عنه في أرض الواقع أفضل ألف مرة من مئات الأصدقاء الافتراضيين الذين لا يعرفهم إلا عبر المواقع الاجتماعية. وفي بعض الأبحاث الأميركية حول سبب العزوف عن المواقع الاجتماعية كانت الإجابة ببساطة، إنها مضيعة للوقت، وتستهلك جهداً في المتابعة، وتشتت الانتباه عن الدروس المدرسية. ويتوجه المزيد من الشباب الآن إلى الخروج من المنزل والتنزه في أوقات الفراغ بدلاً من الالتصاق بشاشة الكومبيوتر أو الهاتف الجوال.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.