«عقّال الحارات»... أداة حوثية في صنعاء لحشد المجندين

دورات طائفية تمهد لتحولهم إلى «متاريس» في «آلة الجماعة»

جانب من استعراض حوثي مسلح في صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من استعراض حوثي مسلح في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

«عقّال الحارات»... أداة حوثية في صنعاء لحشد المجندين

جانب من استعراض حوثي مسلح في صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من استعراض حوثي مسلح في صنعاء (إ.ب.أ)

لجأت الميليشيات الحوثية إلى إرغام العشرات من شيوخ القبائل في المناطق الريفية على التماهي ضمن مشروعها الطائفي، ومساندة جهودها لاستقطاب المقاتلين وحشد المجندين، لكنها في مدينة مثل صنعاء لم تجد بداً من التركيز على «عقال الحارات» لتطويعهم من أجل الغاية ذاتها.
وفي هذا السياق، أقدمت الجماعة الحوثية قبل أسابيع على اتخاذ قرار جماعي بإقالة العشرات من عقال الحارات في العاصمة صنعاء، لجهة اتهامها لهم بعدم مساندة جهود التحشيد والاستقطاب لأبناء السكان وشباب الحارات من أجل حضور الدورات الطائفية للجماعة والالتحاق بمعسكرات التجنيد.
وأكد عدد من عقال الحارات (أعيان الأحياء) في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» ممن شملهم قرار الإقالة، أنهم تعرضوا لضغوط كبيرة من قبل الجماعة، شملت الترغيب بمنح المناصب والرتب العسكرية والأسلحة، والترهيب بالحبس والاختطاف وتلفيق التهم بالعمالة والخيانة.
يقول أحد العقال، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفاً على حياته من بطش الجماعة: «كنت ضابطاً في إحدى الجهات التابعة لوزارة الداخلية إلى جانب قيامي بمهام عاقل الحارة التي أسكن فيها في أحد الأحياء الشمالية لصنعاء، لكن عناصر الجماعة، وتحديداً مشرفيها في المنطقة رفضوا تركي وشأني؛ سعياً منهم لتحويلي إلى ترس في التهم المجنونة».
يتابع «عرض علي المشرف الحوثي في البداية أن ألتحق بدورة طائفية من التي تقيمها الجماعة لعقال الحارات وموظفي المؤسسات الحكومية، لكني رفضت الالتحاق بها، بدعوى أنني منشغل في عملي الرسمي ولا أستطيع التغيب عنه، لكن المشرف الحوثي أصر على ذهابي لأقضي ثلاثة أيام في مكان مجهول مع عدد من (العقال) الآخرين، نقلنا إليه في حافلات معتمة ليلاً، وعدنا بالطريقة ذاتها بعد انتهاء الدورة الطائفية».
وبحسب الرواية التي نقلها، «أخبر المشرفون على الدورة الحوثية (عقال الحارات) الحاضرين أن ينسوا انتماءهم السابق إلى حزب (المؤتمر الشعبي) وولاءهم للرئيس الراحل علي عبد الله صالح أو الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، باعتبار ذلك شرطاً أساسياً من شروط العمل إلى جانب الجماعة».
ويتابع «وزعوا علينا من بندقية آلية (كلاشينكوف) بعد انتهاء الدورة الثقافية، ومنحونا مبلغاً من المال يعادل راتب شهر تقريباً، ثم طلبوا منا البدء بإحصاء سكان الحارات وتصنيفهم، وإعداد كشوفات بأسماء الشبان في كل حارة، مع تحديد اسم الشاب الذي يمكن أن يقبل بالتجنيد، إضافة إلى إحصاء أسماء العسكريين الموجودين في كل حي وتحديد من منهم لا يزال في عمله في الجماعة، ومن هو المنقطع عن الدوام، وتكليفنا بالحضور أسبوعياً في لقاء مع مشرفي المنطقة والمربعات السكنية لتلقي التعليمات الجديدة والاستماع إلى محاضرة للمشرف الأول».
وأضاف «رفضت أنا والكثير من العقال تعليمات الجماعة، وأخبرنا المشرفين أنه من الصعوبة أن نستدرج أبناء جيراننا ومعارفنا وأقاربنا لنزج بهم إلى الموت، فمثلما نخاف على أبنائنا وحياتنا فنحن نخاف عليهم».
يقول «بمجرد رفضي الانصياع لتعليمات المشرف، فوجئت بإقالتي من عملي بدرجة مدير عام وتعييني في منصب أقل بدرجة مدير إدارة، وحين رفضت القرار تم الاستغناء عني من المنصب الجديد، وقام المشرف الحوثي المباشر في جهة عملي بتعييني بدرجة مدير قسم تحت إمرة أحد عناصر الجماعة، لكني رفضت العمل وفضلت العودة إلى المنزل».
ويستطرد «لم تكتف الجماعة بحرماني الوظيفي، وإنما لجأت إلى إقصائي من عملي الاجتماعي عاقلاً للحارة، وكلفت أحد الأشخاص الموالين لها، قبل أن تطلب مني إعادة البندقية التي مُنحت لي بعد الدورة الثقافية».
الكثيرون أيضاً من «عقال الحارات» وافقوا على العمل مع الجماعة تحت تأثير الإغراءات، فمنهم من أصبح برتبة عقيد، ومنهم من أصبح مشرفاً في مربعه السكني، ومنهم من أصبح قائد سرية في جبهات القتال.
وبحسب ما أفاد به «عقال حارات» آخرون لـ«الشرق الأوسط»، لم تقصر الجماعة الحوثية مهمة العقال الجدد الموالين لها على دور المساند على التحشيد والاستقطاب وجمع التبرعات، لكنها أوكلت إليهم مهام تجسسية لرصد الناشطين المعارضين والسكان المناهضين.
وكشفوا في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط»، عن أن القيادي المعين من قبل الجماعة أميناً للعاصمة حمود عباد، أنشأ بعد تعيينه من الجماعة عقب مقتل علي عبد الله صالح، غرفة عمليات خاصة، مرتبطة بعقال الحارات في صنعاء، لإبقائه مطلعاً على كل مستجدات الأمر، غير أن القرار الأول والأخير بخصوص أي تعليمات - على حد قولهم - كان يأتي من قِبل المشرف الحوثي العام على صنعاء المدعو خالد المداني. وخالد المداني، الذي يعد حاكم الظل في مدينة صنعاء - بحسب المصادر - هو صاحب فكرة إطاحة أكثر من 200 شخص من عقال الحارات من مواقعهم، بعد أن توصل إلى قناعة بأنهم متخاذلون في دعم الجماعة والإيمان بمشروعها الطائفي.
ويعترف عدد آخر من «عقال الحارات» الذين لا يزالون في مناصبهم، بأنهم، مضطرون - كما يقولون – إلى التعاون مع مشرفي الميليشيات في الأحياء، من أجل الدفاع عن أبناء أحيائهم والتوسط لهم في حالة تعرضهم للتعسف، لكنهم كما يقولون، لا يقومون بتحشيد المجندين أو محاولة إقناع الشبان، ويكتفون بإبلاغ المشرف الحوثي في أحيائهم بأنهم يبذلون جهودهم، لكن السكان يرفضون الانضمام إلى صفوف الجماعة.
ويشير بعضهم إلى أن فكرة إيهام الجماعة بالعمل معها صورياً، أفضل من المجاهرة بمعاداتها؛ إذ إنها في الأول والأخير ستقوم بتعيين «عاقل حارة» جديد من الموالين لها؛ وهو ما سيؤدي إلى الإضرار بالسكان واستهدافهم والتضييق على حرياتهم، بعكس الحال إذا ما مكثوا في مناصبهم التي قالوا إنهم «يسخّرونها للدفاع عن مصالح السكان ومتابعة قضاياهم وحل خلافاتهم ودياً».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.