تشكيل قوة مشتركة لوقف إطلاق النار في طرابلس

السفارة الأميركية تؤكد التزام واشنطن بدعم حكومة الوفاق الوطني

دخان يتصاعد وسط العاصمة الليبية بعد المعارك العنيفة التي شهدتها على امتداد أيام (رويترز)
دخان يتصاعد وسط العاصمة الليبية بعد المعارك العنيفة التي شهدتها على امتداد أيام (رويترز)
TT

تشكيل قوة مشتركة لوقف إطلاق النار في طرابلس

دخان يتصاعد وسط العاصمة الليبية بعد المعارك العنيفة التي شهدتها على امتداد أيام (رويترز)
دخان يتصاعد وسط العاصمة الليبية بعد المعارك العنيفة التي شهدتها على امتداد أيام (رويترز)

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مساء أول من أمس، للمرة الأولى عن «وضع آلية لقوة مشتركة للفصل بين القوات المتنازعة وفض الاشتباك» في العاصمة طرابلس، بينما انقسم مجلس النواب على نفسه بعد إعلان تصويته المفاجئ بالموافقة على قانون الاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد خلال جلسة استثنائية، عقدها في مقره بمدينة طبرق شرقي البلاد أول من أمس.
وجاءت هذه التطورات فيما أعلن مجلس الأمن الدولي، استنادا إلى مشروع قرار قدمته المملكة المتحدة، تمديد ولاية بعثة الأمم لمتحدة في ليبيا عاما إضافيا جديدا، ينتهي بحلول منتصف شهر سبتمبر (أيلول) العام المقبل.
وقالت البعثة الأممية في بيان لها إنها رعت اجتماعا فنيا عسكريا يتعلق بالترتيبات الأمنية في طرابلس، «خلص لوضع آلية لقوة مشتركة للفصل بين القوات المتنازعة وفض الاشتباك، وحدد دور ومهام وهيكلية هذه القوة».
ورغم أن البيان المقتضب لم يوضح أي تفاصيل تتعلق بتشكيل هذه القوة. لكنه اعتبر أن «الهدف هو تثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة الحياة الطبيعية إلى مناطق الاشتباك خاصة، وطرابلس عامة».
وكان غسان سلامة، رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا، قد أعلن قبل يومين بدء تنفيذ الترتيبات الأمنية الجديدة في العاصمة الليبية، وذلك في إطار اتفاق «تعزيز وقف إطلاق النار» في طرابلس، الذي تم التوصل إليه الأحد الماضي.
وتضمن اتفاق «تعزيز وقف إطلاق النار»، المعلن في طرابلس ثماني نقاط، أهمها «تخزين كل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة داخل مقرات التشكيلات المسلحة، ووضع خطة لانسحاب هذه التشكيلات من المواقع السيادية والحيوية، وإحلالها تدريجياً بقوات نظامية (جيش وشرطة)»، بالإضافة إلى تعهد خطي من مجموعات طرابلس المسلحة بعدم الابتزاز أو الضغط، أو الدخول للمؤسسات السيادية.
إلى ذلك، أقر مجلس النواب الليبي بشكل مفاجئ أنه وافق، مساء أول من أمس، على قانون الاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد خلال جلسة استثنائية، وسط عدة اعتراضات.
وقال عبد الله بليحق، الناطق باسم المجلس، إن «الجلسة شهدت ثلاثة بنود، كان أهمها مناقشة إصدار قانون الاستفتاء على الدستور، الذي تم إقراره»، لافتا إلى أن «مجلس النواب قرر أيضا أن تعقد جلسة أخرى بعد غد الاثنين لتضمين أحد بنود قانون الاستفتاء على الدستور للإعلان الدستوري بهدف تحصين القانون من الطعن فيه».
ويتعلق الأمر بالمادة السادسة من قانون الاستفتاء الشعبي على الدستور، والتي تنص على تقسيم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية، بدل دائرة واحدة كما هو موجود حاليا في الإعلان الدستور الليبي، الذي يعتبر بمثابة دستور مؤقت يحكم ليبيا منذ عام 2011.
وعلى الفور، أعلن نواب المنطقة الشرقية (إقليم برقة) رفضهم للقانون، ووصفوه بأنه بلا قيمة قانونية، حيث قالوا في بيان لهم، أمس، إنهم «يرفضون تمرير قانون الاستفتاء على الدستور»، مشيرين إلى أن «جلسة إقراره عقدها 30 نائبا فقط من إقليم طرابلس».
ورأى النواب أن «هذا الإجراء لا قيمة قانونية له، وهو والعدم سواء»، مبرزين أن «قانون الاستفتاء على الدستور يتضمن موادّ تخالف الإعلان الدستوري، وتستوجب إجراء تعديل دستوري عاشر أولا، يحتاج أغلبية ثلثي الأعضاء، وهو ما لم يتم». كما حذروا أيضا من أن ما حدث ستكون «له تداعيات سياسية خطيرة تهدد وحدة ليبيا، وإمكانية العيش المشترك، لما تمثله هذه الواقعة من استفزاز صريح لإقليم برقة وقيادة الجيش، التي أعلنت موقفها من المسودة المشبوهة»، وطالبوا في هذا السياق عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بفتح تحقيق ضد كل من ساهم في «ارتكاب تلك المخالفات القانونية والدستورية بشكل متعمد».
إلى ذلك، نفت مصادر دبلوماسية إيطالية ما أشيع عن تعيين غويدو دي ساكنتيس، القنصل الإيطالي السابق في بنغازي، سفيرا لدى ليبيا في طرابلس، خلفا للسفير الحالي جوزيبي بيرّوني. ونقلت وكالة «أكي» الإيطالية عن مصادر أنه «لا صحة من الأساس لهذه التقارير»، مشيرة إلى أن غويدوا سينضم لاحقا إلى السفارة الإيطالية في العاصمة الروسية موسكو.
بدورها، أعلنت سفارة أميركا لدى ليبيا مجددا استمرار الالتزام الأميركي بدعم حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج في العاصمة طرابلس. وقالت في بيان لها إن اللقاء الذي عقده السراج في تونس أول من أمس، مع كل من القائم بالأعمال الأميركي دونالد بلوم، وقائد قوات «أفريكوم» الجنرال توماس والدهاوزر، ناقش الوضع الأمني في طرابلس، وسبل التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.