مرحلة من التصعيد غير المسبوق بين بروكسل وروما

مفوّض أوروبي يصف أعضاء الحكومة الإيطالية بـ«صغار موسوليني»

TT

مرحلة من التصعيد غير المسبوق بين بروكسل وروما

بعد أشهرٍ ثلاثة من المناوشات الكلامية والانتقادات المبطّنة طوراً والمباشرة طوراً آخر بين المفوّضية الأوروبية والحكومة الائتلافية في إيطاليا، التي تضم حركة النجوم الخمس الشعوبية ورابطة الشمال اليمينية المتطرفة، دخلت العلاقات بين روما وبروكسل مرحلة من التصعيد غير المسبوق بين الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي وإحدى الدول الأعضاء، إثر التصريحات التي أدلى بها مفوّض الشؤون الاقتصادية والمالية ووزير الاقتصاد والمالية والصناعة الفرنسي السابق بيير موسكوفيتشي، والتي أثارت عاصفة من الاحتجاجات في الأوساط الإيطالية.
وكان موسكوفيتشي قد أعلن خلال مؤتمر صحافي عقده في مقرّ المفوّضية الأوروبية في باريس أنه «قد لا يوجد هتلر في أوروبا اليوم... لكن هناك مجموعة من صغار الموسوليني»، في إشارة واضحة إلى وزير الداخلية الإيطالي ونائب رئيس الوزراء ماتّيو سالفيني، الذي يشهر منذ العام الماضي خطاباً عنصريّاً موجّهاً ضد المهاجرين في أوروبا، ولا يوفّر مناسبة لمهاجمة المفوضية وانتقاد أدائها والشروط التي تفرضها على البلدان الأعضاء، ويطالب بالحدّ من صلاحياتها.
وقد ردّت الحكومة الإيطالية على تصريحات موسكوفيتشي بلسان رئيسها ونائبه زعيم حركة النجوم الخمس، مستنكرة بشدّة ما ورد على لسان المفوّض الأوروبي ومطالبة بروكسل بالتصويب والاعتذار، فيما ركّزت وسائل الإعلام على خطورة المنحى الذي دخلت فيه العلاقات الأوروبية - الإيطالية، خاصة أن روما بانتظار الضوء الأخضر على موازنة العام المقبل من بروكسل التي طالبتها بتعديلات جذرية وحذّرتها من خطورة مستوى الدين العام ووضع قطاعها المصرفي، وهددتها بعقوبات صارمة.
وكان موسكوفيتشي قد قال في مؤتمره الصحافي إنه يتحدّث كمفوّض أوروبي وأيضا بصفته من عائلة يهودية هاجرت من رومانيا هرباً من الفاشيّة. ونوّه بما جاء في خطاب رئيس المفوّضية جان كلود يونكير أمام البرلمان الأوروبي عندما قارن الوضع الحالي بالذي كان سائدا في أوروبا عشية الحرب العالمية الثانية، وأضاف قائلا «كل المشارب والاتجاهات السياسية الديمقراطية ممثلة في المفوضية الأوروبية التي كان موقفها من أزمة الهجرة نابعاً من القيم والمبادئ الأساسية التي قامت عليها وتشكّل جوهر هويّتها... ضد أولئك الذين يعتبرون أن أوروبا قلعة لا يسكنها سوى المسيحيين البيض».
واعتبر المفوّض الأوروبي أن المشكلة تكمن اليوم في كون «الكلمة الفصل تعود للدول الأعضاء التي ليست قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة بسبب من انقساماتها الداخلية وحساباتها الانتخابية». واستبعد موسكوفيتشي أن تفوز الجبهة الشعوبية في الانتخابات الأوروبية المقبلة، لكنه أعرب عن قلقه من أن صعودها المرتقب قد يفتح شهيّة بعض القوى والأحزاب المحافظة للتحالف معها لتقويض دعائم المشروع الأوروبي، وحذّر من «أن الاكتفاء بالتفرّج والتباكي على تمدد الأفكار المتطرفة في أوروبا، من شأنه أن يعيد التاريخ إلى الوراء في غضون سنوات قليلة».
ويُلفت أن تصريحات موسكوفيتشي تتزامن مع تخصيص مجلة «تايم» الأميركية غلاف عددها الأخير لوزير الداخلية الإيطالية ماتّيو سالفيني، الذي وصفته بأنه «وجه أوروبا الجديد»، وقيصر الهجرة المكلّف مهمّة تدمير المشروع الأوروبي. ويقول سالفيني في حديث خاص بالأسبوعية الأميركية «نعمل من أجل استعادة الروح الأوروبية التي خانها أولئك الذين يقودون الاتحاد»، ثم يضيف «تغيير أوروبا هدف دونه جهد كبير، لكن أعتقد أنه على حبل ذراعنا. يخطئ من يعتقد أن المواجهة هي بين اليمين واليسار في الاتحاد الأوروبي، أنها بين الشعب والنُخب الحاكمة».
ولا يتردد سالفيني بالقول «التاريخ أوكل إلينا مهمة إنقاذ القيم الأوروبية: الجذور اليهودية المسيحية والحق في الحياة والحق في العمل لكل مواطن»، ويدعو إلى إقامة شراكة متينة بين أوروبا والاتحاد الروسي، واصفاً الادّعاءات بأن روسيا تدّخلت في الانتخابات الرئاسية الأميركية بأنها «سخيفة». كما يعتبر أن الحملة العسكرية على ليبيا من أجل إسقاط نظام القذافي كانت خطأ فادحاً، لأن «تصدير الديمقراطية على النمط الغربي إلى البلدان التي لا تريدها أو ليست جاهزة لها، يحمل الكوارث إلى هذه البلدان وجوارها».
ويرى مراقبون أن التصريحات الأخيرة لرئيس المفوضية الأوروبية في جلسة البرلمان الأوروبي لدى مناقشة بند العقوبات على المجر، وتصريحات موسكوفيتشي، إضافة إلى المظاهرات الحاشدة التي شهدتها بعض المدن الألمانية مؤخرا ضد الأحزاب والقوى العنصرية، تندرج ضمن استراتيجية واسعة لتحجيم هذه القوى والأحزاب في الانتخابات الأوروبية التي ستجري في ربيع العام المقبل.
وعقب الجدل حول وقائع العنف المعادية للأجانب في مدينة كمنيتس وتصريحات رئيس الاستخبارات الداخلية بشأنها، تراجعت شعبية التحالف المسيحي، المنتمية إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لأدنى مستوى لها في استطلاع للرأي، أجري بتكليف من القناة الثانية في التلفزيون الألماني (زد دي إف). فقد حصل التحالف المسيحي في الاستطلاع الذي أجراه معهد «فالن» لقياس مؤشرات الرأي ونُشرت نتائجه أمس الجمعة على نسبة 30 في المائة فقط. وكان التحالف حصل مؤخرا على نسبة 28 في المائة و31 في المائة في استطلاعات أخرى. وفي المقابل، ارتفعت شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 2 في المائة، ليصل إلى 20 في المائة، وكذلك بالنسبة لحزب الخضر الذي بلغت شعبيته 16 في المائة. وتراجعت شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي بنسبة 2 في المائة لتصل إلى 15 في المائة، كما تراجعت شعبية الحزب الديمقراطي الحر بنسبة 1 في المائة لتصل إلى 7 في المائة. واستقرت شعبية حزب «اليسار» عند 8 في المائة.



ماكرون يدعو ترمب وزيلينسكي إلى «الهدوء والاحترام»

TT

ماكرون يدعو ترمب وزيلينسكي إلى «الهدوء والاحترام»

اجتماع سابق بين ماكرون وترمب وزيلينسكي في باريس (أ.ف.ب)
اجتماع سابق بين ماكرون وترمب وزيلينسكي في باريس (أ.ف.ب)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيرَيْه الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى «الهدوء والاحترام»، عقب المشادة الكلامية في البيت الأبيض التي أثارت مخاوف من انسحاب الولايات المتحدة من الملف الأوكراني وحدوث قطيعة مع حلفائها الأوروبيين.

وقال الرئيس الفرنسي لصحيفة «لا تريبون ديمانش» الأسبوعية، وعدة صحف أخرى تصدر الأحد: «أرى أنه بغض النظر عن الغضب، فإن الجميع بحاجة إلى العودة للهدوء والاحترام والتقدير، حتى نتمكّن من المضي قدماً بشكل ملموس؛ لأن ما هو على المحك مهم للغاية».

وذكر قصر الإليزيه أن ماكرون تحدّث منذ مساء الجمعة مع الرئيسَيْن الأوكراني والأميركي، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحذّر ماكرون من أنه إذا لم يتمّ إيقاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإنه «سيذهب بالتأكيد إلى مولدافيا، وربما أبعد من ذلك إلى رومانيا».

وقال ماكرون إن انسحاباً محتملاً للولايات المتحدة من الملف الأوكراني «ليس في مصلحة» واشنطن؛ لأن «ما تفعله الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات يتوافق تماماً مع تقاليدها الدبلوماسية والعسكرية».

وأضاف أنه إذا وافقت واشنطن على «توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار من دون أي ضمانات أمنية لأوكرانيا» فإن «قدرتها على الردع الجيواستراتيجي في مواجهة روسيا والصين وغيرهما سيتلاشى في اليوم نفسه».