بين رفض الزبونات دمقرطة الـ {هوت كوتير} ورغبة المصممين في عصرنتها

تصاميمها لخريف 2014 وشتاء 2015 تخاطب امرأة تحت الحب الزمن الجميل

ديور
ديور
TT

بين رفض الزبونات دمقرطة الـ {هوت كوتير} ورغبة المصممين في عصرنتها

ديور
ديور

هل لا تزال «الهوت كوتير» ضرورية مقارنة بعدد زبوناتها التي تشير الأرقام أنهن في أحسن الحالات، لا يتعدين الألف في العالم؟. وهل يمكن تطويرها وتفكيكها من طقوس تجاوز عمرها الـ150 عاما؟. وهل يمكن إنزالها من برجها العاجي وإدخالها مناسبات الأيام العادية؟ هذه، وأسئلة كثيرة غيرها، طرحها أسبوع الـ«هوت كوتير» لخريف 2014 وشتاء 2015 في أسبوع الموضة، فالخميس الماضي، آخر أيام الأسبوع، لم يضع نقطة النهاية عليه؛ حيث لا تزال أصداؤه تتردد إلى حد الآن، خصوصا أن عرض «رالف آند روسو»، كان مسك الختام.
فما نجحت فيه هذه الدار، التي كانت أول دار أزياء بريطانية تشارك في الأسبوع الباريسي بدعوة من غرفة الموضة الفرنسية منذ نحو قرن، أنها ذكرتنا بما تعنيه كلمة الـ«هوت كوتير» من فنية عالية وتصاميم غير عادية مغزولة بالأحلام التي تغذيها الأساطير ورغبة امرأة مقتدرة أن تعيش الحياة بكل المتع التي تتيحها لها إمكانياتها. كانت التصاميم فخمة تعبق بسحر الخمسينات من القرن الماضي، تخاطب امرأة تحن إلى الزمن الجميل من دون أي رغبة لها في التنكر لحاضرها أو مستقبلها. كل ما في الأمر أن هذه المرأة ترفض مفهوم الديمقراطية رفضا تاما، بالتالي لن تقبل بأزياء عادية، مهما حاول البعض تسويقها لها باسم الحداثة أو التطوير لمواكبة العصر، هذا التناقض بين ما تريد هذه الزبونة ورغبة بعض المصممين في تطوير و«عصرنة» مفهوم الـ«هوت كوتير»، طرح نفسه بقوة هذا الموسم، لا سيما مع محاولات بعض كبريات بيوت الأزياء مثل ديور، أن تنزل هذا الجانب من برجه العاجي لتدخله إلى العادي واليومي من خلال أزياء مبتكرة وأنيقة، لكنها تفتقد جانب الحلم. هذه المحاولة بدأها آخرون في مواسم سابقة، مثل كارل لاغرفيلد، عندما أدخل قماش الدينم والجينز ثم الأحذية الرياضية إليه، لكن ما يحسب له أنه دائما ينجح في الحفاظ على رموز «شانيل» وصياغتها بلغة شابة وحيوية تجعل من الصعب انتقاده حتى من قبل الجدات، فهناك دائما تايور من التويد مخصص لهن يسكتهن أو فستان سهرة طويل يجمع أناقة أيام زمان برموز الدار، لكن ليس كل المصممين يتمتعون بقدرات كارل لاغرفيلد على التلون مع كل التغييرات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وما ينجح فيه بسهولة، يجد آخرون صعوبة في ترجمته وإقناع المرأة به، فالمعادلة بين الكلاسيكي الحالم والعصري العملي تحتاج إلى الكثير من الإقناع والشجاعة، مثلما اكتشف راف سيمونز، مصمم دار ديور، الذي حاول أن يكسر الكليشيهات من خلال تشكيلة تعبق بروح مستقبلية مع نفحات خفيفة من الماضي. صمم متحف رودان، مكان عرضه، على شكل مستدير وكأنه مركبة فضائية بأرضية بيضاء نجحت الورود البيضاء التي غطت كل الجدران في التخفيف من برودتها المستقبلية والوظيفية وإضفاء بعض رومانسية زمان عليها، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن السيد ديور كان يعشق الورود ولا يستغنى عنها في عروضه.
بيد أن الديكور، ببساطته وبياضه، مؤشرا على أن الأزياء نفسها ستكتسب روحا مستقبلية، وهو ما كان، خصوصا فيما يتعلق بمجموعة مستوحاة من ركاب الفضاء بسحابات وجيوب كبيرة.
ما يحسب لراف سيمونز أنه لم يتنكر تماما للماضي فقد عاد إليه في مجموعة فساتين درامية افتتح بها العرض، أخذتنا إلى القرن الثامن عشر، ظهر أيضا في مجموعة من المعاطف أخذتنا إلى السبعينات من القرن الماضي، وهكذا، كان هناك تنوع كبير لم ينقذه من التشتت سوى التطريزات الدقيقة والقناعة بإمكانيات الدار، وبأن كل قطعة تمت بحرفية عالية في ورشاتها في أفينو مونتين، على يد أناملها الناعمة والمتمرسة. تخرج من العرض وأنت معجب بشجاعة راف سيمونز ورغبته المحمومة في التطوير، لا سيما وأن التشكيلة قد تجد هوى في نفوس الجيل الجديد من زبونات الـ«هوت كوتير»، لكنه إعجاب ممزوج ببعض القلق على مفهوم الـ«هوت كوتير» كجانب يثير الحلم وكمختبر للبحث عن الجمال والأناقة، وليس مجرد مختبر للتطوير والبحث عن الجديد، أو تعلم لغات عصرية تفهمها زبونات الأسواق النامية، رغم أن لا أحد ينكر أهميتهن وقوتهن الشرائية.
ما قدمه راف سيمونز، باستثناء المجموعة التي افتتح بها عرضه والمكونة من فساتين طويلة بتنورات ضخمة تستحضر بلاطات القرن الثامن عشر والملكة ماري أنطوانيت، كان أقرب إلى الأزياء الجاهزة، بما في ذلك المعاطف التي شدت الانتباه، فهي لم تخرج عن نطاق الأنيق العادي، في موسم لا يحتاج أن تكون فيه الأزياء عملية، بقدر ما تكون مترفة، فنية وفخمة كما كانت دائما، أزياء تبقى بالنسبة للعامة حلما بعيد المنال أو وسيلة ترفيهية يتابعونها بانبهار واستغراب، لا علاقة لها بواقعهم، لأنها تخص أشخاصا ينتمون إلى عالم آخر.
وحتى زبونات هذا القطاع، تشعر من خلال متابعة ملامحهن والانطباعات المرسومة على وجوههن، بأن لا الزمن غيّرهن ولا تسارع إيقاع الحياة، فهن لا يزلن يطمحن إلى أزياء فنية وفريدة من نوعها، أقرب إلى الجواهر، يستثمرن فيها، وليس مجرد فساتين عصرية تذهب موضتها بعد موسم أو موسمين.
هذه الرؤى والرغبات المتناقضة، تضع المصممين تحت ضغط كبير، فهم يدركون بأن زبونتهم تتوقع منهم الجديد والاستثنائي، الذي يخاطب عصرها من دون أن يتنصل من الماضي الجميل تماما، بينما هم يرغبون في التطوير وفرضه على الساحة عوض الاستكانة إلى أمجاد الماضي، وهذا ما يحاول البلجيكي راف سيمونز القيام به منذ عامين تقريبا، عندما التحق بدار «ديور»، كان المطلوب منه إجراء عملية تجميل تضفي عليها المزيد من الجمال والحيوية من دون أن يغير ملامحها الأصلية، بل العكس يبني عليها ويبرزها بأسلوبه، وهو ما نجح فيه إلى حد كبير، أو على الأقل فيما يتعلق بالأزياء الجاهزة والإكسسوارات والـ«كروز» والـ«بريفول» وغيرها، بينما لا يزال يتلمس طريقه في الـ«هوت كوتير»، مشكلته أنه ينتمي إلى المدرسة البلجيكية التي تؤمن بأن الأناقة تعني الهدوء وليس البهرجة، وربما هذا هو السبب الذي يجعله لم يتمكن بعد من التحكم في لغة الـ«هوت كوتير»، أو لا يتقن ممارسة طقوسها التقليدية التي تقوم على عنصري الإبهار والحلم.
ما يلفت الانتباه أكثر، أنه يصمم للدار التي أرست الكثير من جماليات ذلك الزمن، أي أن أرشيفها ورموزها الكثيرة تحت يديه، وكل ما عليه هو أن يغرف من إرثها وتجديده بشكل عصري، عوض محاولات تحديثها بشكل جذري وسريع. إذا كان هناك شيء يشفع له، فهو رغبته في أن يقدم للمرأة، بغض النظر عن عمرها، خزانة متكاملة لكل المناسبات، وإذا كان هناك شيء يؤاخذ عليه، فهو عدم فهمه سيكولوجية زبونة «الهوت كوتير»، فهي ليست مجرد امرأة مواكبة للموضة، وتجري وراء آخر صيحاتها، بل هي امرأة ترفض الديمقراطية ولا تقبل بالمنافسة، وبالتالي لا تريد أن يفقد هذا الجانب نخبويته، ويتحول إلى ناد تدخله أيا كانت، فهذه النخبوية هي ما تميزه وتبرر أسعاره وفنيته في عيونها.
إن رفضها للديمقراطية اتضحت معالمه منذ عام 2008، الذي تزامنت الأزمة الاقتصادية العالمية فيه مع انتعاش غير مسبوق للمنتجات المرفهة، بما فيها الأزياء الراقية التي تقدر أسعار القطعة فيها بمئات الآلاف من الدولارات، أو أكثر، السبب أن هذه الزبونة المقتدرة، لا تريد أن تظهر بفستان يمكن لغريمتها الوصول إليه بسهولة، بقدر ما تريد تحفا تثير الرغبة فيها من جهة، والحسد من جهة ثانية، فالتحدي بالنسبة لها أن تحصل على أزياء تجمع كل هذه العناصر.
دار «شانيل» فهمت هذا الاتجاه جيدا، وقدمت تشكيلة تضج بالبذخ الباروكي الممزوج بهندسية عملية وسهلة، لم يبخل فيها المصمم كارل لاغرفيلد بالتطريز السخي، ولا بأفكار جديدة تجسدت هذه المرة في استعماله قماش النيوبرين، الذي لم يستعمل من قبل في الأزياء الراقية، جاء اختياره لهذا القماش مثاليا لصياغة أشكال هندسية تليق بالمعماري السويسري الفرنسي، لو كوربوزييه، أحد رواد التصميم الوظيفي الحديث، الذي ألهم هذه التشكيلة، لأن هذا المعماري كان من مناصري الأسلوب الوظيفي العملي، فإن لاغرفيلد أخذه إلى قصر فرساي حتى يتيح لنفسه إمكانية التطريز السخي والبذخ الواضح في كل قطعة.
لاغرفيلد أكثر من يعرف بأن للـ«هوت كوتير» تقنيات وطقوس لا يمكن الخروج عنها باسم التجديد والتحديث، رغم أن الجيل الجديد من الزبونات بتن يفرضن أسلوبهن إلى حد ما، وإن كن لا يفرقن عن غيرهن من ناحية رغبتهن في تصاميم حالمة وفخمة تخضع لمقاييس الماضي، على أن يقتصر التحديث فيها على القصات والتفاصيل.
هذا يعني أن تطوير تقنيات هذا الفن مطلوب على أن تبقى الطقوس نفسها، لا تتأثر بالعولمة أو تسارع إيقاع الحياة وانفتاح أسواق جديدة، ولا بظهور زبونات شابات، فقد يكون هذا القطاع، هو الوحيد الذي لا يتطلب السرعة ويكمن سحره في البطء والتأني الذي تستغرقه القطعة الواحدة من الألف إلى الياء، من مقابلة المصمم للتوصل إلى صيغة مناسبة للتصميم، ثم التفصيل على المقاس إلى إجراء البروفات وغيرها من الخطوات اللازمة لاكتمال أي زي، إضافة إلى كل هذا، فإن عدم توافرها في المحلات، بل في معمل المصمم يعطي التجربة ككل خصوصية تجعل المرأة تشعر بالزهو، وبأنها عضو لا يمكن الاستغناء عنه في هذا النادي النخبوي.
لو لم يتغير إيقاع الأسبوع مع جيورجيو أرماني، إيلي صعب، رالف آند روسو، ستيفان رولان، لقلنا إننا نعيش فترة انتقالية لمفهوم الـ«هوت كوتير» مع راف سيمونز، مثلما حصل في الستينات والسبعينات من القرن الماضي مع إيف سان لوران مثلا، فقد كادت ديناميكية الأسبوع أن تتغير، بأن تتحول تصاميمه من الاستثنائي والدرامي إلى العملي، وربما الوظيفي، وهذا أمر لا يعيب راف سيمونز أو يقلل من شأنه، بل العكس، لأن مجرد المحاولة خطوة شجاعة، إضافة إلى أن الموازنة بين الحداثة والفخامة لا تزال من المعادلات الصعبة، لأن الأول يتطلب الكثير من الواقعية مع نظرة مستقبلية، والثاني يتطلب التشبث بالماضي وسحر أساطيره. أما الوصفة الناجحة فهي المزج بينهما بجرعات متوازنة، لأن أي شيء يخرج عن حد ينقلب إلى ضده، بدليل أن عرض دار «فالنتينو» الذي كان درسا في الحرفية الإيطالية العالية والدقة في التفاصيل والفنية، افتقد عنصر الإثارة، لأن صوت الماضي طغى على كل شيء فيه.
كان العرض رومانسيا وراقيا وفنيا ذكرنا بأن الدار الإيطالية تريد أن تحافظ على إرثها وتحتفل بفنية روما وتاريخها الغني، من خلال إيحاءات من أعمال الفنانة ألما تاديما، وصور آلهة روما القديمة ملفوفة بأقمشة مترفة ومنسابة تتماوه مع لون الجسم أحيانا، لكن، على الرغم من كل هذا افتقد العرض إلى عنصر الحلم، الذي كان من الممكن أن يضيف إليه الكثير من الحيوية.
اعترف المصممان غراتزيا تشيوري وبيير باولو بيكيولي أنهما استلهما من الفن الكلاسيكي قبل الرافائيلي وترجماه في خطوط بسيطة استحضرت أحيانا إلهات الإغريق، خصوصا في الفساتين التي زينتها زخرفات مطرزة بالذهب وانسدلت على أقمشة الموسلين والتل، وحددتها أحزمة عريضة. في الكثير من الأحيان، حافظت هذه الأقمشة على شفافيتها، عندما تعمد المصممان ألا يبطناها.
هذه الشفافية تناقضت بتناغم مع بعض القطع ذات الياقات العالية والأكمام الطويلة، ما يجعلها مناسبة جدا لنساء الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن إغراقها في الفنية والاعتماد على فكرة واحدة لم يخدما الأزياء، لأنها بدت جامدة أحيانا مثل تماثيل روما، تبدو رائعة من بعيد أو لالتقاط صور تذكارية لها، لكنها لا تغري بامتلاكها. أما إذا كانت فكرة المصممين، التعبير عن ثقافة العصر باستضافة كيم كارداشيان، بفستانها الطويل والضيق وصدره المفتوح بشكل فاضح، فإنهما لم يتوفقا، لأنها بدت نشازا بين كل تلك الأزياء التي تقطر بالفنية وعبق التاريخ والحشمة.



تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.