لبنان: الفساد يستنزف الدولة... ثلث الموازنة للرواتب و10 % من موظفي الدولة عاطلون

TT

لبنان: الفساد يستنزف الدولة... ثلث الموازنة للرواتب و10 % من موظفي الدولة عاطلون

لم تمر دعوة رئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود لطرد نصف الموظفين في الإدارات الرسمية «بتهم الفساد»، من دون جدل على المستوى الشعبي، إثر إضاءته على تنامي ظاهرة الفساد في الإدارات الرسمية، وعزوف قسم من الموظفين عن العمل، رغم التشكيك بالنسبة التي تحدث عنها، والإقرار، في سياق آخر، بأن هذه الظاهرة متفشية، وتحميها منظومات مرتبطة بالولاءات السياسية والحزبية.
وتستهلك رواتب وأجور موظفي القطاع العام أكثر من ثلث موازنة الدولة سنوياً. وتحمّل مصادر لبنانية، الدولة نفسها مسؤولية تحويل بعض العاملين إلى عاطلين عن العمل في الإدارات، إثر التعيينات الإدارية، ومن ضمنها في القطاعين العسكري والأمني.

أزمة متوارثة
وليس الإعلان الأخير لرئيس هيئة التأديب، إلا كشفاً عن جزء من أزمة «سوء إدارة» تعتري المؤسسات الرسمية، وتمتد من زمن الحرب، حتى باتت ثقافة متفشية في الدولة اللبنانية، كما هو الحال في دول أخرى تعد من الدول النامية، أو عاشت تفلتاً إدارياً وسياسيا لمدة طويلة، كما قال وزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا التويني لـ«الشرق الأوسط».
ولا يخفي موظفون في القطاع الرسمي أن زملاء لهم يغيبون، أو أنهم لا يعرفون زملاء آخرين يتفاجأون بأنهم مسجلون في قوائم الرواتب والأجور، لكنهم لا يحضرون إلى وظيفتهم. ويقول أحد هؤلاء لـ«الشرق الأوسط» بأنه يحضر مرة في الأسبوع، ويقوم بواجباته خارج الإدارة، فيما يقول آخر بأن زميلاً له كان يوقع قانونياً على حضوره بدلا منه، قبل أن تتغير الظروف إثر اعتماد بصمة اليد.
ووجد معظم الإدارات الرسمية منذ سنوات حلولاً لهؤلاء عبر إلزامهم بالحضور شخصياً عبر إثبات الحضور من خلال بصمة اليد، لتأكيد حضورهم، بدلاً من البطاقة أو التوقيع على الحضور.
وتبلغ أجور الموظفين في الإدارات الرسمية اللبنانية نحو 8 مليارات دولار سنوياً، موزعة بين موظفين عاملين بمبلغ 6.1 مليار دولار، وللمتقاعدين بمبلغ 1.9 مليار دولار، وهو «ما يمثل نحو 60 في المائة من دخل الدولة السنوي البالغ 12.5 مليار»، بحسب ما يقول الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين.
وإذ يؤكد أن هناك هدراً كبيراً نتيجة عدم مداومة الموظفين في وظائفهم، يقول بأنه «لا أرقام دقيقة لحجم الهدر، ولو أن هناك تقديرات تتحدث عن أن كلفة الهدر والفساد تبلغ 10 في المائة من الناتج المحلي، أي تبلغ نحو 4 مليارات دولار».
وكان القاضي عبود أعلن أن هناك انهياراً وتدنياً في مستوى الخدمات وسوء تصرف من قبل الموظفين العموميين، مشدداً على وجوب عدم انتظار الحكومة. ولفت في حديث تلفزيوني إلى أن «ثلثي الدولة معطوب»، موضحاً «ثلث يقبض، وثلث لا يعمل، والثلث الثالث من الاوادم». واعتبر عبود أنه يجب طرد نصف الموظفين في الدولة اللبنانية بتهم الفساد.
لكن تويني، يشكك في الأرقام التي تحدث عنها «رئيس هيئة التأديب»، قائلاً بأنه «مبالغ فيها»، وأن الأرقام «غير دقيقة»، مضيفاً: «مع احترامنا لصديقنا القاضي عبود الذي كانت له مساهمات فعالة جداً في تعاون بيننا، لا يمكن لأحد أن يفتي بحجم الحالة من الناحية العلمية، بغياب أي إحصاء دقيق». وقال: «ما هو ثابت لدينا أن 10 في المائة من الموظفين على الأقل، لا يحضرون إلى وظائفهم». وعما إذا كانوا محميين من أطراف سياسية أو حزبية، قال تويني بأن هؤلاء «يتبعون الطرق القانونية، عبر التحايل على القانون، لتبرير غيابهم، لأنهم يتذرعون بمهمات خارج الوظيفة، أو يحضرون تقريراً طبياً مزوراً بذريعة توعكهم صحياً، أو بحالات عائلية وغيرها من الطرق التي يستفيدون فيها من قانون يتيح الغياب لأمور طارئة، وطبعاً هي تقارير أو ذرائع غير صحيحة، وذلك لأنه من دون مبرر للغياب، سيتعرضون للعقوبة».
ويذهب تويني أبعد من قضية الحضور والفاعلية في الإدارات الرسمية، إذ يتوقف عند بعض الموظفين الذين يلتزمون بالحضور إلى المؤسسات، مضيئاً على قضية فساد من نوع آخر، تتمثل في الرشى، وهي وجه من وجوه الفساد المستشري. ويقول: «لا سر نبوح به عندما نتحدث عن رشى موجودة في الإدارات الرسمية، والمواطن شريط فيه»، موضحاً أن هناك «علاقة جدلية بين الراشي والمرتشي، أي بين المواطن والموظف»، مشدداً على ضرورة «معاقبة الموظف، ومعاقبة المواطن الذي يستفيد من الرشوة والتي يعتادها لأنها مربحة بالنسبة له كونه يوفر 10 أضعاف ما يجب أن يدفعه بالمقابل للدولة»، لافتاً إلى أن هذه المعضلة «مرتبطة بثقافة عامة، متعلقة باللصوصية تجاه المال، واعتبار التلاعب على القوانين تشاطر للاستفادة من المداخيل غير الشرعية». وزاد: «نمت هذه الثقافة منذ أيام الحرب، وتم توارثها، ولا تزال قائمة في الإدارات الرسمية».
وأثار تنامي نسبة العاطلين عن العمل في الإدارات الرسمية، جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية اللبنانية. ومع محاولات الحكومة اللبنانية لتطويقها، تحمل مصادر لبنانية واسعة الاطلاع الدولة اللبنانية نفسها مسؤولية عنها، وتقول بأن ما يتم كشفه «هو جزء من معضلة التدخل السياسي في الوظائف العامة والتي تنسحب على معظم الإدارات الرسمية».

موظفون عاطلون
وتقول المصادر بأن الدولة في بعض التعيينات «تحول الموظفين إلى عاطلين عن العمل قبل بلوغهم سن التقاعد». وتوضح: «في التعيينات الأمنية الأخيرة، على سبيل المثال لا الحصر، تم تعيين قائد للدرك، ولأن القانون لا يسمح بأن يكون رئيساً على ضباط أعلى منه بالرتبة، أو أكثر أقدمية منه بحسب القانون، تم وضع 13 ضابطاً بتصرف المدير العام، بمعنى أنهم باتوا بلا موقع بانتظار تعيينهم في موقع آخر أو بانتظار بلوغهم سن التقاعد، وبذلك تكون الدولة قد وضعت هؤلاء الذين يتقاضون رواتب في موقع البطالة رغم أنهم لا يزالون على قوائم العاملين». وقالت المصادر بأن هذه التعيينات «غالباً ما يتم اللجوء إليها، ولا تقتصر على هذه الحادثة، وهو بات معمولاً به، وموجوداً في الأجهزة الأمنية والعسكرية».

العسكر
وتواجه الأجهزة الأمنية والعسكرية تضخماً في عدد الضباط برتبة عمداء، وتبلغ 800 عميد في القوى العسكرية والأمنية، بحسب ما يقول الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، يتقاضى كل منهم نحو 6 ملايين ليرة، عدا عن الحوافز الأخرى. وينتج التضخم عن الترقيات، حيث يترقى الضابط كل 3 سنوات حتى يصل إلى رتبة «رائد»، ثم يترقى كل أربع سنوات من رتبة «رائد» إلى رتبة «عقيد»، قبل أن يترقى خلال 5 سنوات من رتبة عقيد إلى عميد.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.