شركات روسية وإيرانية تريد «حصة الأسد» في إعمار سوريا

TT

شركات روسية وإيرانية تريد «حصة الأسد» في إعمار سوريا

داخل معرض دمشق الدولي، تتجمع شركات من أكثر من 15 دولة تحت سقف واحد، بينما تستقر تلك الوافدة من روسيا وإيران، أبرز حلفاء الحكومة السورية، في مبنى مستقل، طامحة باستثمارات ضخمة في مرحلة إعادة الإعمار، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من دمشق، أمس.
ويرفرف العلمان الروسي والإيراني أمام المبنى رقم واحد الخاص بالبلدين، في مدينة المعارض في ضاحية دمشق الجنوبية. وتسوّق شركات إيرانية لسيارات وسجاد يدوي ومواد بناء، بينما تعرض شركات روسية منتجاتها في مجال البناء والصناعة والنقل والتكنولوجيا، في المعرض السنوي الذي يأتي هذه السنة بعد تمكن دمشق من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، كانت خسرتها خلال سنوات النزاع الدامي المستمر منذ 2011.
قرب شاشة تعرض آخر مشروعات شركته، يشرح المسؤول الإقليمي لشركة المعامل الروسيّة «ليبينا أغرو»، رجل الأعمال اللبناني - الروسي ليبا شحادة، عمل شركته في صناعة الحديد وتدوير المعادن.
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «ثمة تهافت وتسابق بين الشركات الأجنبية لتستثمر في سوريا، لكن لروسيا أفضلية». ويضيف: «نحن من كنّا ندافع في السياسة والحرب، ولذا نتوقع حصّة الأسد في الاقتصاد ومرحلة إعادة الإعمار».
وقدّمت موسكو لدمشق منذ بدء النزاع دعماً سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، قبل أن يساهم تدخلها العسكري بدءاً من سبتمبر (أيلول) 2015 في قلب موازين القوى لصالح السلطات السورية.
على مدخل الجناح الروسي الذي يضم نحو خمسين شركة، وهو الجناح الأجنبي الأكبر في المعرض، تبدي شابات أنيقات يتحدثن الروسية بطلاقة استعدادهن للترجمة لأي رجل أعمال أو زائر يريد الاستفسار أو التحدث مع ممثلي الشركات الروسية.
ويقلّب شحادة الذي يتقن اللغة الروسية، كتيباً يلخّص نطاق عمل شركته في تصنيع تجهيزات الري، وآلات ذكية يُستفاد منها في إدارة المعامل وتجهيز مزارع الحيوانات، وقوالب الصب المستخدمة في البناء. ويجزم بأن «سوريا بحاجة إلى كل هذه المعدّات».
ويقول بنبرة واثقة: «لسنا هنا لنبيع أفراداً أو أسواقاً صغيرة... منتجنا هو على مستوى دول وحكومات»، قبل أن يتابع بحزم: «بصراحة ووضوح، نحن هنا لنرسم معاً خططاً لإعادة إعمار البلاد». وعدا عن الخسائر البشرية الكبرى، خلّف النزاع دماراً هائلاً، قدّرت الأمم المتحدة كلفته الشهر الماضي بنحو 400 مليار دولار.
وشدّد رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي باتت قواته تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد، في تصريحات أدلى بها في يوليو (تموز)، على أن إعادة الإعمار هي «أولى الأولويات». وأعلن مرارا أن بلاده ستعتمد على دعم «الدول الصديقة» في إعادة الإعمار.
خلال سنوات النزاع، استثمرت شركات روسية في مجالات النفط والغاز واستخراج المعادن في سوريا. كما فازت بعقود بناء مطاحن الدقيق ومحطات ضخ المياه. وخلال افتتاح المعرض الجمعة، وقعت وزارة الصناعة السورية مذكرة تفاهم مع نظيرتها الروسية للتعاون خلال السنوات المقبلة.
وتشارك روسيا في المعرض بوفد يضم ممثلين عن هيئات حكومية وصناعية وشركات، بينهم آرون ليفاشوف، وكيل شركة «رومكس» المتخصصة ببناء المستودعات والصوامع.
ويتحدث رجل الأعمال (وهو في الأربعينات من عمره) باللغة الروسية، بينما ينقل مترجم تصريحه إلى العربية: «السوق السورية جذّابة للاستثمار»، مضيفاً: «نجد فيها نافذة وبوابة لروسيا نحو البحر المتوسط، ومنه إلى أوروبا وأفريقيا».
وتستطيع الشركات الروسية، وفق ليفاشوف، العمل أكثر من سواها في سوريا: «لأننا مطلعون مباشرة على الوضع الميداني، ونعرف تماماً الأرض والسوق، وحجم الدمار وانتشاره».
ويشدد على أن روسيا «أثبتت نفسها بقوّة في المجال الحربي الجوي، وتواصل دعمها السياسي، وعلينا أن نستفيد من المساحة المتاحة لنا لنثبت دورنا الاقتصادي».
وبحسب المنظمين، تشارك في المعرض 23 دولة، حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، عبر سفاراتها، إضافة إلى 25 دولة أخرى عبر وكلاء وشركات اقتصادية، أي الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، أو فرضت عقوبات اقتصادية عليها.
وتحضر إيران في المعرض عبر «50 شركة، 32 منها متخصصة في إعادة الإعمار»، وفق ما يشرح مدير الجناح الإيراني محمد رضا خنزاد.
وتعمل بقية الشركات، وفق خنزاد، في «مجالات مختلفة كصناعة السيارات والأدوات المنزلية وتقنيات البرمجة والسجاد اليدوي والزراعة».
وعلى غرار موسكو، قدّمت طهران منذ بدء النزاع دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لدمشق. وبادرت في عام 2011 إلى فتح خط ائتماني بلغت قيمته حتى اليوم 5.5 مليار دولار، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم الجيش في معاركه.
ومنحت شركات حكومية سورية الشركات الإيرانية حصرية التقديم على مناقصات، وفق نشرة «سيريا ريبورت» الإلكترونية.
ووقع البلدان الشهر الماضي اتفاقية تعاون عسكرية، تنص على تقديم طهران الدعم لإعادة بناء الجيش النظامي والصناعات الدفاعية.
خلف طاولة صغيرة، يجلس رجل الأعمال مهدي قوّام محدّثاً ثلاثة رجال أعمال سوريين عن شركته «مسكن عمران» المتخصّصة بالبناء. ويقول قوام (38 سنة) الذي ارتدى لباساً رسمياً رمادياً، باللغة الفارسية، بحسب مترجمه: «سنستفيد من فرصة وجود الإيرانيين هنا لنعيد بناء سوق أقوى، ونصنع مساكن للسوريين المتضررين خلال الحرب».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.