غليان صامت في صنعاء من ضعف إدارة الحوثيين وفسادهم

زعيم الجماعة الانقلابية أطلق مبادرة اقتصادية تتنصل من الرواتب والتضخم

يمنية تحمل أمتعة بالمدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
يمنية تحمل أمتعة بالمدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
TT

غليان صامت في صنعاء من ضعف إدارة الحوثيين وفسادهم

يمنية تحمل أمتعة بالمدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
يمنية تحمل أمتعة بالمدينة القديمة في صنعاء (رويترز)

«رمتني بدائها وانسلت» هذا هو حال زعيم الميليشيات الحوثية كما يقول أحد سكان صنعاء واصفا زعيم الحوثيين وهو يحاول أن يتنصل من الجناية الكارثية التي تسبب بها انقلابه على الشرعية وفاقمت منها ميليشياته جراء طريقة إدارتها للموارد الاقتصادية ونهبها للمال العام وتجريفها للاقتصاد الوطني وإهدارها للاحتياطيات النقدية في البنك المركزي.
لا تكاد تمر في شارع من شوارع صنعاء أو أزقتها إلا وقابلتك نظرات البؤس المطلة من أعين السكان التي أنهكها واقع الحال في ظل سلطة الميليشيات التي احتكرت كل شيء لصالح قادتها ومشرفيها، في الوقت الذي يتضور الناس فيه جوعا، هناك غليان صامت، وسينفجر قريبا، كما يقول: «إبراهيم. ن» أحد الموظفين في التربية والتعليم.
قبل أيام في أحد خطاباته الأخيرة، خرج عبد الملك الحوثي بما سماه «مبادرة» لمعالجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، عارضا مبادرة وصفها سكان من صنعاء بأنها «مراوغة» يزعم فيها أن جماعته لا مانع لديها من تحييد الاقتصاد والبنك المركزي اليمني، وهي مبادرة، يرجح المراقبون أنها ليست إلا من باب «ذر الرماد في العيون» إذ إن الجماعة كما يقول «سعيد.ج» وهو تاجر مواد كهربائية، لا تجيد غير الكذب على البسطاء وبيع الأوهام لهم منذ انقلابها على الشرعية وحتى الآن.
ويؤكد «سمير. ح» وهو موظف في مكتب تخليص جمركي أن «الجهل» الذي يعيشه قادة الميليشيات اختلط مع عدم خبرتهم في إدارة المؤسسات، أحد العوامل المهمة في فشلهم في وضع حلول مناسبة للجوانب الاقتصادية، بل إن هذا الأمر - على حد قوله – لا يعني شيئا للجماعة بقدر ما يعنيها» جباية المجهود الحربي» من التجار وأصحاب المحلات.
ويتفق معه «وليد. د» وهو تاجر في سوق الإلكترونيات، في أن الميليشيات الحوثية وزعيمها، لا يفقهون في إدارة المؤسسات سوى جباية إيراداتها وتسخيرها لإثراء المشرفين وتمويل الجبهات واستقطاب الأتباع، كما أنهم - على حد تعبيره - مجرد «جماعة كهفية» تعيش خارج لغة العصر وأدواته من خلال خطابها الطائفي ومحاولة تحويل المجتمع إلى قطيع يلهج بتقديس زعيمها وترديد خزعبلات ملازمها الخمينية.
من جهته، يعتقد «ن. خ» وهو أستاذ جامعي، في جامعة صنعاء، أن السلاح الأكثر فتكا الذي يتربص بالميليشيات هو الميليشيات نفسها من خلال منسوب الغباء والتخلف الذي يتسم به قادتها لجهة إدارة الموارد ولجهة حصر التعيين في المناصب على منتسبي السلالة الحوثية بغض النظر عن مؤهلاتهم العلمية أو خبرتهم العملية.
ويرجح الأستاذ الجامعي أن صبر الناس لن يطول في مناطق سيطرة الجماعة أكثر من ذي قبل مهما حاولت الجماعة التنصل من مسؤوليتها في دفع رواتب الموظفين والبحث عن سبل تقود إلى إنهاء انقلابها وإحلال السلام، إذ إن «ثورة الجياع» - بحسب قوله - ستكون سيلا جارفا حين تتهيأ لها اللحظة المناسبة للانتفاض في وجه الجماعة لإزاحتها من صنعاء وبقية المناطق الخاضعة.
ويشكك الخبير المصرفي «علي. ك» في جدية الحوثي في تقديم تنازل يفضي إلى جمع موارد المؤسسات والضرائب والجمارك وتوريدها إلى البنك المركزي في عدن، إذ إنه - كما يقول - يحاول فقط أن يتنصل من المسؤولية في هذا التوقيت الذي بلغ في الاقتصاد حد الهاوية، وانهارت فيه العملة إلى القاع، وهي حيلة - بحسب تعبيره - لامتصاص غضب الشارع الذي بات في أوجه لجهة ارتفاع الأسعار المتسارع وعدم إدراك الجماعة لمعاناة السكان.
ويعتقد الخبير المصرفي أن الجماعة الحوثية، ضالعة في المقام الأول في تجريف الوضع الاقتصادي وانهيار سعر العملة، لجهة أنها المتحكم الفعلي بالسوق المصرفية ومحلات الصرافة فضلا عن المصارف المحلية التي تقع مقراتها الرئيسية في صنعاء، إلى جانب سعي قياداتها إلى المضاربة بالعملة واحتكار العملة الصعبة واكتنازها.
ويضيف: «هناك خمسة من كبار الصرافين في البلاد، يعرف الجميع أن الميليشيات هي التي تحميهم وهم الذين يتحكمون في سوق صرف العملة بالزيادة والنقصان، نظرا لوجود مئات المحلات غير المرخصة التي افتتحوها منذ الانقلاب لشراء العملات الصعبة والتلاعب بأسعار الصرف بإيعاز منهم».
ويؤكد عدد من الناشطين المناهضين للجماعة في صنعاء، أنها تسعى من خلال تجريفها للاقتصاد إلى إذلال الناس وتجويعهم من أجل تسهيل السيطرة عليهم واستقطاب أبنائهم في صفوفها مقابل الفتات الذي تمنحه للمجندين معها.
ويستدل الناشطون على ذلك بسلوك الجماعة في تجارة المشتقات النفطية واحتكارها، إذ إن عددا من كبار الموالين لها هم الذين يحتكرون سوق النفط عبر الاستيراد والتوزيع، وهم الذين يفرضون الزيادات المتتالية في الأسعار دون أن تحرك الجماعة ساكنا، على الرغم من أن حجتها الرئيسية للقيام بانقلابها كانت ارتفاع أسعار الوقود كما كانت تزعم.
وعن محاولة الجماعة إلقاء التهم بخصوص الأوضاع الاقتصادية على «الحكومة الشرعية» والتحالف الداعم لها، عبر تثوير الشارع وإقامة الفعاليات المنددة، أكد الناشطون أن هذا السلوك الحوثي المفضوح لا يخفى على أحد، إذ إن من تحشدهم في مظاهراتها واجتماعاتها ومسيراتها هم أتباعها الطائفيون وعناصر ميليشياتها الذين تحاول أن تتقمص عبرهم إرادة الشارع وما يغتلي في صدور السكان.
ولا يستبعد «جميل. ص» وهو ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي ومدرب في مجال التنمية البشرية، أن يكون العرض الحوثي هذه المرة بتحييد الاقتصاد جادا، بخاصة أن الجماعة استنفدت كل الحلول وباتت في مواجهة مع سكان المناطق الخاضعة لها، بل حتى مع كثير من أتباعها، الذين أصبحوا على يقين بأن الميليشيات لا يمكن أن تدير مؤسسات الدولة فضلا عن إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية المتفاقمة.
من جانبه يعتقد «و. ق» وهو موظف في مصلحة الضرائب، أن الجماعة الحوثية وزعيمها، يدركون أن حجم الأموال التي يتم جبايتها في صنعاء وبقية المحافظات كافية جدا لصرف رواتب الموظفين، لكنهم يناورون الآن من أجل التنصل من هذا الملف نهائيا عبر البحث عن توافق مع الشرعية لتحميلها مسؤولية هذا الجانب، دون ضمانات حقيقية تلزم الجماعة بالإيفاء بوعودها لتسليم الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن.
كثير من سكان صنعاء، من جميع الفئات الاجتماعية ممن تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، أكدوا بدورهم أن الميليشيات الحوثية وزعميها لا مشكلة لديهم في ارتفاع الأسعار أو انهيار الاقتصاد، وكل ما يعنيهم هو الجبايات التي يقومون بتحصيلها من التجار، تحت أسماء متعددة، وكلها في النهاية تذهب إلى جيوب المشرفين الحوثيين وإلى خزانة المجهود الحربي.
وبقدر ما يرى السكان أن الجماعة الطائفية، ليست في واردها أبدأ الالتفات إليهم، يرون أيضا أن الأوضاع المعيشية، باتت لا تحتمل، وأنه لا بد للحكومة الشرعية أن تضع اعتبارا لجميع أبناء الشعب، سواء عن طريق آلية معينة لصرف الرواتب وإيجاد الحلول الاقتصادية أو عن طريق التسريع بالحسم العسكري واستغلال فورة الغضب التي باتت تغلي في قلوب السكان ضد الوجود الحوثي.
يقول «نبيل. ب» وهو موظف في وزارة التجارة والصناعة: «قيادات الجماعة الحوثية لا تشعر بمعاناة الناس، بعض السكان في صنعاء باتوا يأكلون من النفايات، وكثير منهم، باتوا يعيشون على الخبز فقط، كما أن مسألة شراء علبة زبادي بالنسبة لكثير من الأسر باتت فوق طاقة ميزانية الأسرة».
وفي الوقت الذي لا يحمل فيه نبيل، التجار المسؤولية وحدهم عن ارتفاع الأسعار، يرى صديقه، أحمد أن الجماعة الحوثية بطريقة تفكيرها وإدارتها للموارد هي المتسبب الأول في الأوضاع الكارثية التي وصلت إليها المناطق التي تديرها.
ويضيف متسائلا: «ماذا يمكن أن تتوقع من جماعة تسمح لأساتذة الجامعة بأن يغادروا قاعات المحاضرات ليعملوا بالأجر اليومي في مهن أخرى بعضها يتطلب جهدا بدنيا شاقا، بل ماذا تتوقع منها أو تعول عليها وقد وصل بها الحال إلى اعتقال وتعذيب من يريد من الأكاديميين والموظفين أن يغادر إلى مناطق الشرعية للبحث عن راتبه!».


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.