مدارس مدمَّرة وتسرُّب تلاميذ في الجنوب السوري

في أول موسم دراسي بعد سيطرة قوات النظام

طفلان سوريان داخل أحد الصفوف في مدرسة تعرضت للدمار بشدة وتحولت ملجأ للنازحين في بلدة حمورية (غيتي)
طفلان سوريان داخل أحد الصفوف في مدرسة تعرضت للدمار بشدة وتحولت ملجأ للنازحين في بلدة حمورية (غيتي)
TT

مدارس مدمَّرة وتسرُّب تلاميذ في الجنوب السوري

طفلان سوريان داخل أحد الصفوف في مدرسة تعرضت للدمار بشدة وتحولت ملجأ للنازحين في بلدة حمورية (غيتي)
طفلان سوريان داخل أحد الصفوف في مدرسة تعرضت للدمار بشدة وتحولت ملجأ للنازحين في بلدة حمورية (غيتي)

بعد سيطرة النظام السوري على مناطق جنوب سوريا، ينتظر الأهالي البدء بالخدمات الأساسية وفي مقدمتها قطاع التعليم، حيث تشهد القطاعات التعليمية سوءاً بالخدمات بعد تدمير معظم المدارس، والموجود منها يعاني نقصاً حاداً في المستلزمات والوسائل التعليمية.
يرى «جهاد» أحد المسؤولين السابقين في مؤسسة تعليمية مدعومة من منظمات المجتمع المدني، أن «المنظمات التعليمية سابقاً حاولت النهوض بالواقع التعليمي للطلاب، حيث عملت على إنشاء الروضات والمراكز التعليمة ومراكز الدعم النفسي الخاصة بالأطفال، وتأهيل بعض المدارس، ونشر وسائل التعليم المتقدمة، خصوصاً مع خروج عدد كبير من المدارس من الخدمة نتيجة القصف والعمليات العسكرية التي كانت تشهدها مناطق المعارضة سابقاً، إضافة إلى فصل عدد كبير من المدرسين من مدارس الدولة، الذين وجدوا في المراكز التعليمية التي تشرف عليها منظمات المجتمع المدني سبيلاً لاستمرار عملهم وتوفير الدخل».
لكنه يوضح أن «ما كان عليه القطاع التعليمي سابقاً يبقى محدوداً ومحفوفاً بمخاطر ولم يؤدِّ دوره الوظيفي على أكمل وجه، حيث إنه رغم سعي الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) فإنها لم تنجح في تحقيق اعتراف دولي بالشهادات الثانوية والتعليم الأساسي الصادرة عنها، وبقيت مراكز التعليم البديلة التي انتشرت خلال سيطرة المعارضة، مرهونةً باستمرار الدعم لهذه المجمعات التعليمية، ومراراً تعرضت مراكز تعليمية ومراكز دعم نفسي للتوقف عن العمل نتيجة توقف الدعم عنها، أو أنها أنهت برنامجها المحدد، وكانت للمؤسسات الداعمة سياسة أقرب للمزاجية في تقديم دعم ضخم لمناطق دون أخرى، يعتمد على عدد السكان ودرجة الخطر في المنطقة التي سينفّذ بها المشروع التعليمي، ما كان يعرّض مناطق للافتقار إلى مراكز التعليم والدعم النفسي».
وأكد أن العملية التعليمية في مناطق سيطرة المعارضة جنوب سوريا سابقاً، كانت تسير ضمن مؤسسة تعليمية مدنية، دون تدخل فصائلي أو عسكري فيها، مضيفاً: «النظام استهدف المدارس بالقصف في المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته في جنوب سوريا، بهدف الضغط على المدنيين وعلى المعارضة، للوصول إلى حالة من التفريق بين الماضي والحاضر، وإظهار ضعف مؤسسات المعارضة التي كانت غير قادرة على إثبات نفسها كمؤسسات بديلة عن مؤسسات الدولة في المنطقة، وغير قادرة على إدارة العملية التعليمية في المنطقة دون رعاية النظام».
وقال أحد المدرسين في مدارس النظام السوري في درعا إن «الواقع التعليمي في جنوب سوريا لم يشهد أي تحسن ملحوظ رغم بدء العام الدراسي الجديد وسيطرة النظام على المنطقة الجنوبية وتعهده بإدخال الخدمات ومؤسسات الدولة إلى المناطق التي سيطر عليها مؤخراً، حيث إنه لم يتم ترميم أي مدرسة تعرضت للقصف أو التدمير حتى الآن»، مرجحاً أن تبقى العملية التعليمية في المراكز السابقة التي كانت تديرها المعارضة والمدارس المتضررة بشكل جزئي في المدن والبلدات التي كانت تتعرض للقصف، مضيفاً أن مديرية التربية في منطقة درعا أكدت أنه سوف يتم تزويد المدارس بمقاعد جديدة، وبمادة الديزل في فصل الشتاء للتدفئة، ولوازم القرطاسية الخاصة بالمدرسة وليس بالطلاب، ورفع كتاب إلى الوزارة المختصة بعدد المدارس المدمَّرة والتي تحتاج إلى إعادة إعمار وتأهيل.
وأوضح أن «التحديات التي ستواجه الواقع التعليمي في جنوب سوريا تتجلى باكتظاظ الأقسام الدراسية وغياب اللوازم اللوجيستية في المؤسسات التربوية، ونقص المدارس والمراكز التعليمية، ما يولّد ضغطاً كبيراً في أعداد الطلاب بالمدرسة الواحدة، وهذا ما يؤثر على التلاميذ أنفسهم، حيث تجد في الصف الواحد ما يقارب من 50 إلى 70 طالباً في المرحلة الابتدائية، ومثلهم في الإعدادية والثانوية، إضافة إلى نقص الكوادر المختصة، أو ضعف التكوين البيداغوجي لكثير من المؤطرين التربويين سواءً كانوا أساتذة أو مفتشين تربويين أو مديري مؤسسات مدرسية، فمنهم من هاجر أو فُصل من وظيفته خلال السنوات السابقة».
وأشارت نهاد العبد الله باحثة في علم الاجتماع، من درعا، إلى أن أبرز المشكلات وأهمها التي تواجهها العملية التعليمية، هي «مشكلة التسرب المدرسي، حيث تعد هذه المشكلة إحدى المشكلات الدراسية الأكثر انتشاراً بين التلاميذ، منذ القديم، وتضاعفت خلال سنوات الحرب التي تمر بها البلاد، ولا تزال مستمرة رغم فرض الحكومة السورية قانون التعليم الإلزامي، لكن عدة ظروف مجتمعة في البلاد كانت سبباً في زيادتها أهمها النزوح الداخلي والنزوح المتكرر، واستهداف المدارس، وضعف الحالة المادية، وارتفاع الأسعار، ما تطلب وجود أكثر من معيل في الأسرة الواحدة، للمساعدة في مصروف العائلة، ومواجهة الظروف المعيشية الصعبة، حيث إن كثيراً من التلاميذ وجدوا أنفسهم خارج المدرسة والتعليم وانخرطوا في ورشات العمل للنهوض بواقع أسرهم المعيشي، أو لفقدان الأب، وغيرها من الأسباب التي فاقمت من المشكلة».
وأردفت: «أينما ولّيت النظر في شوارع سوريا، تجد أطفالاً بعمر الدراسة قد تركوا مدارسهم وانخرطوا في مجال العمل، حيث إن الشريحة العمرية التي ينبغي أن تكون في مرحلة التعليم الأساسي، هي المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة (التسرب المدرسي)، وبخاصة الذكور منها، حيث يعمل كثير منهم في الورشات الفنية (إصلاح المركبات، أعمال صيانة الميكانيكا، والحدادة) أو في المساعدة بأعمال البناء، وللأطفال الإناث نصيبهم من الظاهرة أيضاً، إذ يعمل عدد غير قليل منهن في الحقول وجني المحاصيل الزراعية، وتكثر هذه المظاهر في أرياف درعا والقنيطرة والسويداء».
وبدأ العام الدراسي الجديد، في جنوب سوريا، في ظروف مغايرة شهدتها المنطقة، وسيطر عليها النظام السوري، كما تزامن قدومه مع تحضيرات الأهالي لفصل الشتاء، وتجهيز المؤن.
يرى «جمال» أحد سكان ريف درعا جنوب سوريا، أن الأعباء لم تختلف عن السابق، حيث إن أسعار اللباس المدرسي ولوازم القرطاسية وغيرها من أدوات المدرسة لم تشهد أي هبوط بالأسعار، بل منها ما بقي على حاله أو ازداد سعره.
وأضاف أن الحكومة السورية طرحت قروضاً بقيمة 50 ألف ليرة سورية، لمساعدة العائلات لشراء اللوازم المدرسية كافة من صالات «السوق السورية للتجارة»، ويشترط سداد المبلغ على شكل دفعات شهرية لمدة عشرة أشهر، كما يشترط وجود كفيلين اثنين من الموظفين في إحدى مؤسسات الدولة، لضمان تسديد المبلغ في الوقت المحدد، واقتطاع المبلغ من أحدهما في حال تخلّف المستفيد عن الدفع بعد الإنذار. مشيراً إلى أن الحصول على القرض كان صعباً بالنسبة إلى الكثيرين بسبب إقبال الناس الكبير، والخوف من عدم قدرتهم على تأمين المبلغ الشهري إذا ما استمر الركود الاقتصادي في المنطقة.
وأوضح: «كحال اللباس المدرسي الذي فرضته وزارة التربية مؤخراً قبيل بدء العام الدراسي الجديد، فإن سعر الزي المدرسي الكامل صاحب درجة الجودة العادية يصل إلى 10 آلاف ليرة سورية، بينما الزي ذو الدرجة الجيدة يصل سعره إلى 20 ألف ليرة، ناهيك بأسعار الحقائب المدرسية التي وصل سعر الحقيبة الواحدة منها إلى 2000 - 5000 آلاف ليرة سورية، إضافة إلى ارتفاع أسعار القرطاسية كالدفاتر والأقلام وغيرها التي يصل سعرها مجتمعة من الدرجة عادية الجودة إلى 5000 ليرة سورية لكل طالب»، ومع انعدام فرص العمل ومحدودية الحركة التجارية، وغلاء الأسعار، وضعف أجرة اليد العاملة، وجد رب الأسرة نفسه أمام تحديات كبيرة تحول دون قدرته على تلبية كل احتياجات أولاده من اللوازم المدرسية، ومنهم من اضطر إلى إرسال أولاده إلى المدرسة وهي لا تملك أي مقومات التعليم ووسائله أو أنها تحمل النقص في وسائلها، مؤكداً أن معظم الأهالي استعانت باللوازم المدرسية القديمة المتوفرة سابقاً لدى أولادها كاللباس أو القرطاسية.
وشددت الباحثة نهاد العبد الله على أن «المنظومة التعليمية يجب توجيهها نحو تكريس ثقافة السلام وبناء المجتمع المدني، وهذه ليست مهمة الكتب المدرسية وحسب، بل هي مهمة على عاتق المدرسين في المدرسة وعلى الأهل في المنزل باعتبارها سمات تتطلب التأثير على السلوك وتعزيز أخلاق الطلاب، نحو حب العيش بسلام واحترام وقبول الآخر، وعدم الإحساس بالظلم أو الإقصاء أو التهميش، ويجب أن تلقى هذه الثقافة قبولاً من الحكومة وأن تتماشى معها، كي لا نصيب الطلاب بحالة الانفصام عن الواقع وفقد الثقة بالأنظمة السياسية، خصوصاً بعد المرحلة الجديدة التي باتت الحكومة السورية تدّعيها عن عودة الاستقرار والإصلاحات في مناطق سورية».



القوات الدولية في غزة... تحفظات فلسطينية تلوّح بتعقيدات أمام الوسطاء

فلسطينيون يجلسون إلى جوار خيمة وسط الأنقاض بمدينة غزة يوم الاثنين (رويترز)
فلسطينيون يجلسون إلى جوار خيمة وسط الأنقاض بمدينة غزة يوم الاثنين (رويترز)
TT

القوات الدولية في غزة... تحفظات فلسطينية تلوّح بتعقيدات أمام الوسطاء

فلسطينيون يجلسون إلى جوار خيمة وسط الأنقاض بمدينة غزة يوم الاثنين (رويترز)
فلسطينيون يجلسون إلى جوار خيمة وسط الأنقاض بمدينة غزة يوم الاثنين (رويترز)

تواجه القوات الدولية المنتظر نشرها في قطاع غزة تحفظات من عدة فصائل فلسطينية، بينها حركة «حماس»، بشأن نزع السلاح، رغم كونه شرطاً أساسياً في اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه الحركة.

تلك التحفظات التي تأتي وسط خطوات لتنفيذ نشر تلك القوات، ووسط أحاديث عن ترتيبات مصرية - أميركية لاختيار العريش مركزاً للعمليات، تشي بأن هناك تعقيدات ستواجه الوسطاء فيما يتعلق بتلك القوات، خاصة صلاحياتها، مما يهدد اتفاق وقف إطلاق النار، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

وعن موقف مصر إزاء تلك التحفظات، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إنها «تتحرك بشكل مكثف»، وإنها «في قلب التطورات العسكرية والأمنية ولن تبتعد عن المشهد، ولديها تنسيق مستمر مع الولايات المتحدة».

وأضاف أن مشاورات اختيار العريش مركزاً مؤقتاً لإدارة غزة أو عمليات القوات الدولية تجري منذ فترة، «وتؤكد الوجود المصري في جميع الملفات ذات الصلة حرصاً على أمنها أو دعماً للقضية الفلسطينية، لكن من المبكر الحديث عن الحسم في هذا الصدد في ظل العقبات التي تواجه الاتفاق».

فلسطينيون يسيرون تحت المطر بالقرب من مبانٍ مدمرة بشرق مدينة غزة يوم الأحد (إ.ب.أ)

وبحسب نص مشروع القرار الأميركي الذي عُرض على مجلس الأمن، الاثنين، تُشكَّل «قوة استقرار دولية مؤقتة» تعمل مع إسرائيل ومصر والشرطة الفلسطينية المُدربة حديثاً للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية ونزع السلاح من قطاع غزة.

تحفظات فلسطينية وإسرائيلية

ورغم أن مشروع القرار، وعلى عكس المسودات السابقة، يُشير إلى إمكان قيام دولة فلسطينية مستقبلية، أصدرت فصائل وقوى فلسطينية، الأحد، مذكرة حذّرت فيها من خطورة مشروع القرار الأميركي الخاص بإنشاء قوة دولية في قطاع غزة، وقالت إنه «يشكّل محاولة لفرض وصاية دولية على القطاع».

وقالت فصائل وقوى فلسطينية، في بيان نشرته حركة «حماس»، إن الصيغة المقترحة لمشروع القرار الأميركي تمهد لهيمنة خارجية على القرار الوطني الفلسطيني، مشددة على «رفض أي بند في المقترح الأميركي يتعلق بنزع سلاح غزة أو المساس بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة».

فلسطينيون يلوذون بالخيام في مواصي خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)

وأضافت أن أي نقاش في ملف السلاح «يجب أن يظل شأناً داخلياً مرتبطاً بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة»، لافتة إلى أنها «ترفض أي وصاية أو وجود عسكري أجنبي أو إقامة قواعد دولية داخل قطاع غزة».

هذا التحفظ استبق تصويت مجلس الأمن، الاثنين، على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة بدعم دولي وإسلامي وعربي لتبني خريطة الطريق الأميركية التي طرحها الرئيس دونالد ترمب بشأن غزة الشهر الماضي، بالتوازي مع مشروع قرار روسي مضاد يدعو الأمم المتحدة إلى تقديم اقتراحات بشأن إنشاء «قوة الاستقرار الدولية»، ويحذف الإشارة إلى «مجلس السلام» بقيادة ترمب.

وعن الجانب الإسرائيلي، تحدثت «هيئة البث»، الأحد، عن أن إسرائيل «تمارس ضغوطاً في اللحظات الأخيرة لتغيير صيغة الاقتراح الأميركي»، خوفاً من بنود منها تضمين التمهيد لمسار يقود إلى «تقرير المصير الفلسطيني»، وفقاً لما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الجمعة.

فلسطينية تحمل حطباً لإشعال النار للطهو في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وفي ظل هذه التحفظات، وتصويت مجلس الأمن، يعتقد أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي الدكتور طارق فهمي، أن «الأمر يزداد تعقيداً أمام الوسطاء».

وأضاف قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «حتى لو صدر القرار الأممي بنشر القوات، فإن ذلك لن يحل الإشكالية في ظل تحفظ فلسطيني على نزع السلاح وعدم تشكيل لجنة إدارة غزة للآن، واحتمال مراوغة في تنفيذ الاستحقاقات من جانب إسرائيل قد تقودها للدعوة لانتخابات مبكرة لتجاوز أي التزام لا يوافق رغبتها».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني عبد المهدي مطاوع أن الفصائل لم يعد لديها خيار «وعليها أن تتحمل المسؤولية وألا تعقد جهود الوسطاء لإنجاح الاتفاق».

وفي رأيه، فإن حركة «حماس» وإسرائيل «لا تريدان بدء المرحلة الثانية فعلياً لأن الحركة ترفض نزع السلاح، ودولة الاحتلال تريد استمرار سيطرتها وبقاءها على تقسيم غزة».

تكثيف الجهود

يأتي ذلك وسط أحاديث عن عقد مصر والولايات المتحدة اجتماعاً مشتركاً، الاثنين، لمناقشة اختيار موقع في مدينة العريش بشمال سيناء لإدارة القوات الدولية التي ستنشر في قطاع غزة وفقاً لخطة وقف الحرب، وفقاً لتقارير صحافية.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كشفت صحيفتا «هآرتس» الإسرائيلية و«الغارديان» البريطانية عن وثيقة أعدها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، تتضمن تصوراً لإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، يقوم على إنشاء سلطة انتقالية ذات طابع دولي تمنح الفلسطينيين دوراً محدوداً في إدارة الشؤون اليومية، ويكون مقرها العريش المصرية.

وعن ذلك، قال مصدر مصري مطّلع لـ«الشرق الأوسط» وقتها إن «الأمر متروك للتفاوض» في ظل التدمير بالقطاع، لافتاً إلى أن «مصر مع أي موقف يُمكّن الفلسطينيين من حكم بلادهم دون تعدٍ عليهم أو تجاهل أو تجاوز لهم».

مساعدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

والعريش مدينة مصرية استراتيجية متاخمة للحدود مع غزة، وبالقرب منها يقع معبر رفح. وبعد اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر، استخدمت في استقبال المواد الإنسانية والإغاثية من كل أنحاء العالم لتيسير إدخالها القطاع.

وقال فهمي: «ما يثار بشأن إنشاء مركز في العريش يؤكد أن القاهرة حريصة على المشاركة في كل الترتيبات الأمنية والعمل على ضمان نجاح اتفاق غزة، خاصة أن أي فشل للجهود الدولية يعني استمرار تقسيم غزة، وهذا أمر مرفوض تماماً من جانب القاهرة»، متوقعاً زيادة الجهود المصرية لإنهاء تلك التعقيدات قبل أن تتفاقم.

ويعتقد مطاوع أن القاهرة «ستستمر في أدوارها لدعم اتفاق غزة، وستكون حريصة على سد أي ذرائع يمكن أن تهدد صمود الاتفاق. لكن بالأساس يجب على طرفي الحرب الالتزام أولاً بما سبق الاتفاق عليه».


اجتماع وزاري مصري - تشادي يناقش دفع التعاون ومكافحة الإرهاب بالساحل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره التشادي عبد الله صابر فضل خلال مؤتمر صحافي بالقاهرة الأحد (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره التشادي عبد الله صابر فضل خلال مؤتمر صحافي بالقاهرة الأحد (الخارجية المصرية)
TT

اجتماع وزاري مصري - تشادي يناقش دفع التعاون ومكافحة الإرهاب بالساحل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره التشادي عبد الله صابر فضل خلال مؤتمر صحافي بالقاهرة الأحد (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره التشادي عبد الله صابر فضل خلال مؤتمر صحافي بالقاهرة الأحد (الخارجية المصرية)

ناقش اجتماع وزاري مصري - تشادي سبل دفع التعاون بين البلدين، ومكافحة الإرهاب بالساحل الأفريقي، والتوافق على تدشين وتنفيذ عدد من المشروعات التنموية بينها «الربط الإقليمي الثلاثي مع ليبيا».

وشهدت القاهرة، مساء الأحد، اجتماعات مكثفة عقدتها «اللجنة المصرية - التشادية المشتركة»، التي ترأسها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره التشادي عبد الله صابر فضل، بمشاركة عدد من المسؤولين والوزراء من البلدين، وفق بيان لوزارة الخارجية المصرية.

وأكد عبد العاطي في إفادة رسمية، عقب اجتماع الأحد، حرص بلاده الدائم على دعم الجهود التشادية، باعتبارها «شريكاً محورياً لمصر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، وإحلال التنمية محل الصراع».

اجتماع مصري - تشادي يناقش دفع التعاون ومواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي (الخارجية المصرية)

كما شدد وزير الخارجية في إفادته على «أهمية استغلال الفرص المتاحة لتعزيز وتوثيق التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والاستثمار والبنية التحتية والنقل والزراعة والتعليم والاتصالات والبترول والثروة المعدنية والإسكان، فضلاً عن فرص تعزيز التبادل التجاري من خلال زيادة الواردات المصرية من اللحوم التشادية، وزيادة الصادرات الدوائية المصرية إلى تشاد».

وخلال الاجتماعات، وقع الجانبان المصري والتشادي على عدد من مذكرات التفاهم حول المشاورات السياسية بين الطرفين، والتعاون بين المعهدين الدبلوماسيين، والتعاون بين وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة ووزارة المياه والطاقة التشادية، والتعاون بين الهيئة العامة للاستثمار والوكالة التشادية للاستثمار.

«شراكة استراتيجية»

وترى مديرة «البرنامج الأفريقي» في مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، أماني الطويل، أن قرارات «اللجنة المشتركة» بين مصر وتشاد «تأخرت كثيراً»، وأن هذه خطوة «تحمل أهمية استراتيجية» على مستويات مختلفة.

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تعميق الشراكة الاستراتيجية بين مصر وتشاد يساعد الأخيرة في مواجهة خطر الإرهاب على أراضيها، ويدعم جهود مكافحة الإرهاب بالساحل الأفريقي، كما سينعكس أيضاً على العلاقات المصرية الليبية».

وتعتقد الدكتورة أماني الطويل أن تعزيز التعاون المصري - التشادي «يأتي في لحظة دقيقة من الحرب السودانية التي تؤثر على تشاد بأشكال مختلفة، ويمكنها أن تلعب دوراً مهماً في وقف إطلاق النار والمراحل التالية، باعتبارها دولة جوار».

وأكدت أن الشراكة بين مصر وتشاد تدفع باقتصاد البلدين، وتنعكس على جودة الحياة بهما، «خاصة أن تشاد بحاجة إلى دفع اقتصادها والاستفادة من ثرواتها الطبيعية»، مشيرة إلى أن «الطريق البري الذي يربط مصر وتشاد عبر ليبيا سيكون له تأثير بالغ الأهمية على حركة التجارة في أفريقيا، ويدعم خطط التنمية الأفريقية، كما أنه سيمكّن تشاد من تصدير منتجاتها الزراعية وثروتها الحيوانية، وسيفتح أسواقاً للمنتجات المصرية».

جانب من الاجتماع المصري - التشادي (الخارجية المصرية)

ويهدف مشروع الطريق البري الذي يربط بين مصر وليبيا وتشاد إلى تعزيز حركة التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث، وينقسم إلى ثلاثة قطاعات، ينطلق القطاع الأول من داخل مصر بطول 400 كيلومتر، والقطاع الثاني سيكون داخل الأراضي الليبية بطول 390 كيلومتراً، فيما سيكون القطاع الثالث داخل الحدود التشادية بطول 930 كيلومتراً، وفق وزارة النقل المصرية.

وأكد نائب رئيس الوزراء المصري ووزير النقل والصناعة كامل الوزير، في إفادة رسمية فبراير (شباط) الماضي، بدء تنفيذ المشروع في مرحلة القطاع الأول داخل الأراضي المصرية، من شرق العوينات، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم بين شركة «المقاولون العرب» المصرية والحكومتين الليبية والتشادية، للبدء في أعمال الدراسات المساحية والبيئية والتصميم المبدئي للطريق داخل ليبيا وتشاد.

وكانت شركة «المقاولون العرب» قد وقعت، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتفاقاً مع الحكومة التشادية لوضع دراسات تنفيذ طريق الربط البري مع الدول الثلاث. وسبق ذلك اتفاق مماثل مع الحكومة الليبية في أغسطس (آب) العام الماضي.

التنسيق الأمني

وفي رأي عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» السفير رخا أحمد حسن، فإن العلاقة بين مصر وتشاد «استراتيجية وممتدة».

وقال لـ«الشرق الأوسط»، «إن دعم استراتيجية العلاقة بين البلدين عبر أوجه الشراكة المختلفة يعزز التنسيق السياسي والأمني، خاصة ما يتعلق بالتعاون في مواجهة الإرهاب والجماعات المسلحة المنتشرة في شمال ووسط أفريقيا عبر التنسيق الأمني وتبادل المعلومات».

ومن بين الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، حسب حسن، ما يتعلق بالأمن في ليبيا، كون تشاد من دول الجوار الليبي وتعد بوابة لعبور المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما يحتم تعاوناً وتنسيقاً مع مصر.

وأكد أن «ثمة خصوصية للدور الذي يمكن أن تلعبه تشاد في الأزمة السودانية، باعتبارها دولة جوار، إذ إنه يوجد تداخل سكاني بين تشاد والقبائل والعشائر في دارفور، وهو ما يعني وجود ممر لدخول الأسلحة إلى السودان، مما يتطلب تنسيقاً أمنياً مع مصر لدعم تحركات وقف إطلاق النار في السودان».

ولفت إلى أن «اتفاقات الشراكة مع مصر، وتنفيذ الطريق البري الذي يربط بين البلدين عبر ليبيا، سيعزز فرص التنمية في تشاد، ويفتح آفاقاً لتصدير سلعها؛ فهي دولة مغلقة ليس لديها موانٍ، ويجب أن تمر بضائعها عبر دولة ثالثة، حيث يُعتبر السودان بوابة رئيسية للسلع التشادية، لكن الحرب أثرت على ذلك».


إحباط مخطط حوثي لاغتيال قيادات أمنية وعسكرية في عدن ومأرب

حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)
حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)
TT

إحباط مخطط حوثي لاغتيال قيادات أمنية وعسكرية في عدن ومأرب

حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)
حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران شمال صنعاء (أ.ف.ب)

في خضمّ تصاعد الصراع بين الأجنحة الأمنية داخل الجماعة الحوثية على خلفية الاختراق الإسرائيلي، أعلنت السلطات الأمنية اليمنية عن إحباط مخططين «إرهابيين» في كلٍّ من عدن ومأرب، كانا يستهدفان قيادات أمنية وعسكرية بارزة في المدينتين الخاضعتين لسيطرة الحكومة الشرعية.

وكشفت التحقيقات عن أن العناصر المتورطة تلقّت تدريبات مكثفة على زراعة المتفجرات وتشغيل المسيّرات في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين شمال البلاد.

وقالت شرطة محافظة عدن، التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة، إنها أحبطت «مؤامرة إرهابية واسعة النطاق» كانت تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المحافظة. وأوضحت أنها ألقت القبض على عناصر تنتمي إلى خلايا «منظمة» جرى تجنيدها وتدريبها في مناطق سيطرة الحوثيين لتنفيذ عمليات استهداف موجّهة ضد قيادات أمنية وعسكرية.

خلايا حوثية مدربة على استخدام الأسلحة الآلية وقذائف الـ«آر بي جي» (إعلام حكومي)

وحسب بيان الشرطة، أظهرت التحقيقات «تفاصيل دقيقة» لعملية استقطاب ممنهجة شملت نقل شبان من عدن إلى معسكرات سرية في منطقة الحوبان شرق تعز، حيث تلقوا دورات قتالية مكثفة استمرت لأسابيع. وشملت التدريبات استخدام الأسلحة الآلية وقذائف الـ«آر بي جي»، وصناعة العبوات الناسفة وزرعها، والتدريب على الطيران المسيّر وتقنيات المراقبة الجوية.

وأفاد المقبوض عليهم في اعترافاتهم بأن تلك الدورات لم تقتصر على التدريب العسكري، بل شملت أيضاً تعبئة فكرية «متطرفة»، تضمنت خطاباً تحريضياً يستهدف قوات الجيش والأمن في عدن. كما تم أخذ العناصر في زيارات «جهادية» إلى معقل الحوثيين في صعدة ومناطق أخرى ضمن برنامج يهدف إلى تعزيز الولاء للجماعة وتهيئتهم لتنفيذ مهام نوعية داخل المناطق المحررة.

تفجير واغتيالات

وأوضحت الشرطة في عدن أن التحقيقات كشفت عن مخطط واسع لاستهداف قيادات أمنية وعسكرية، عبر تشكيل خلايا قادرة على تنفيذ عمليات تفجير واغتيالات، ورصد تحركات مسؤولين أمنيين بارزين، خصوصاً في مديريّة دار سعد، والحزام الأمني والقوات البرية.

كما أظهرت الأدلة أن قائمة الاستهداف شملت المقدم مصلح الذرحاني، قائد شرطة دار سعد، والعميد جلال الربيعي، أركان قوات الحزام الأمني وقائد حزام عدن، والنقيب كمال الحالمي، قائد وحدة حماية الأراضي، والعميد أوسان العنشلي، أركان حرب القوات البرية، والعقيد إسماعيل طماح، مسؤول استخبارات الحزام الأمني، والملازم آدم داؤود، ضابط التحقيق في شرطة دار سعد.

خلية الحوثيين في مأرب خططت لاغتيال وزير الداخلية ورئيس الأركان (إعلام حكومي)

وحسب الشرطة، تبيّن أن أمجد خالد فرحان، قائد لواء النقل السابق المطلوب للحكومة الشرعية، يقف وراء جزء كبير من عملية التمويل والإشراف اللوجيستي على الخلايا، بعد انتقاله إلى مناطق سيطرة الحوثيين عقب قرار عزله.

وأكدت الشرطة أن فرحان كان يوفّر رواتب شهرية ثابتة لأفراد الخلية ويغطي كامل تكاليف تنقلاتهم وإقاماتهم، عادَّة أن ذلك «يؤكد وجود تمويل خارجي ضخم ومستمر يقف خلف المخطط».

كما تتهمه الشرطة بإصدار توجيهات لعناصر الخلية عقب انتهاء تدريبهم بالعودة إلى عدن وتسليم أنفسهم للسلطات عبر وساطات، وذلك جزءاً من «عملية تمويه مدروسة» تهدف لتسهيل حركتهم مستقبلاً عند بدء تنفيذ المهام الموكلة إليهم.

وأكدت شرطة عدن أنها مستمرة في تنفيذ عمليات «نوعية» لملاحقة كل من يحاول تهديد أمن المدينة، وأنها تعمل على تفكيك الشبكات المرتبطة بالحوثيين داخل مناطق سيطرة الحكومة.

خلية مأرب

في محافظة مأرب، أعلنت وزارة الداخلية اليمنية عبر مركزها الإعلامي إحباط مخطط «خطير» أعدَّه ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، كان يستهدف قيادات أمنية وعسكرية، على رأسهم وزير الداخلية ورئيس هيئة الأركان العامة. وأكدت الأجهزة الأمنية أنها ألقت القبض على أفراد الخلية المتورطين وكشفت عن تفاصيل المخطط عقب التحقيق معهم.

وحسب البيان الأمني، فإن عناصر الخلية تلقّوا تدريبات على تصنيع العبوات الناسفة داخل مصنع سري للمتفجرات أنشأه الحوثيون في حي ذهبان شمال صنعاء، داخل تجمعات سكانية مدنية، في إطار سياسة تستخدم الأحياء السكنية غطاءً لأنشطة عسكرية حساسة.

الحوثيون أنشأوا مصانع للمتفجرات في وسط التجمعات السكانية بصنعاء (إعلام حكومي)

وأفادت التحقيقات بأن الخلية كانت تعمل بإشراف مباشر من القيادي الحوثي أبو إدريس المؤيد، ومن رئيس الأركان محمد الغماري قبل مقتله في غارة إسرائيلية. وأوضح أحد عناصر الخلية أنه كان مكلّفاً تصوير معدات وسيارات عسكرية وجمع معلومات حساسة عن شخصيات مدنية وعسكرية في مديرية الوادي بمأرب، إلى جانب رفع تقارير دورية حول التحركات والاجتماعات والتعزيزات.

وأكدت أجهزة الأمن اليمنية أن إحباط هذه العملية شكّل ضربة جديدة لقدرات الحوثيين على تنفيذ هجمات نوعية داخل المناطق المحررة، وأن العمليات الاستباقية ستستمر لمنع أي نشاط معادٍ يستهدف القيادات أو البنية الأمنية والعسكرية.

محاربة المخدرات

في سياق آخر يتعلق بجهود مكافحة الجريمة، أعلنت شرطة عدن تنفيذ عملية «نوعية» في مدينة كريتر، أسفرت عن ضبط شخصين متهمين بترويج وتعاطي مواد مخدرة.

وقال العقيد نبيل عامر، مدير الشرطة، إن العملية نُفذت بعد تحرٍّ دقيق ورصد متواصل؛ إذ تم ضبط المتهمين متلبسين وبحوزتهما كميات من الحشيش وحبوب «بلاك بارين» المخدرة. وأشار إلى أن أحدهما من سكان حي القطيع والآخر من مديرية المنصورة، مؤكداً أن كليهما من أصحاب السوابق في ترويج الحبوب والحشيش.

وأوضح مدير الشرطة أن هذه العملية تأتي ضمن خطة شاملة «لاستهداف العناصر التي تعبث بأمن المجتمع وتسعى لتدمير الشباب عبر المخدرات»، مؤكداً استكمال الإجراءات القانونية وإحالتهما لإدارة مكافحة المخدرات لاستكمال التحقيقات قبل عرضهما على القضاء.