روسيا: هروب الرساميل وتدني الروبل يثيران جدلاً «رفيع المستوى»

«ظروف السوق غير المواتية» تدفع لتأجيل مزادات السندات للمرة الثالثة خلال شهر

روسيا: هروب الرساميل وتدني الروبل يثيران جدلاً «رفيع المستوى»
TT

روسيا: هروب الرساميل وتدني الروبل يثيران جدلاً «رفيع المستوى»

روسيا: هروب الرساميل وتدني الروبل يثيران جدلاً «رفيع المستوى»

قال البنك المركزي الروسي إن تدفق رؤوس الأموال من سوق السندات المالية الروسية بلغ مستويات غير مسبوقة، وكشف في نشرة إعلامية عن تسارع وتيرة هروب رؤوس الأموال خلال الفترة الماضية، وأشار إلى أنه «إذا كانت قيمة رؤوس الأموال التي سحبها القطاع الخاص من السوق الروسية خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى يونيو (حزيران) 2018 قد بلغت 21.5 مليار دولار (مقابل هروب 8.7 مليار دولار فقط خلال الفترة ذاتها العام الماضي)، فإن حجم رؤوس الأموال الهاربة من السوق الروسية ارتفع خلال الفترة من يناير حتى أغسطس (آب) 2018 إلى 26.5 مليار دولار (مقابل هروب 9.6 مليار دولار خلال الفترة ذاتها العام الماضي)».
وبهذا يكون إجمالي حجم رؤوس الأموال الهاربة من السوق الروسية خلال ثمانية أشهر من العام الحالي أكثر بثلاث مرات تقريبا عن حجمها خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. وفي وقت سابق توقع «المركزي» نمو وتيرة هروب رؤوس الأموال حتى 19 مليار عام 2018 إلا أن العقوبات وتداعياتها على السوق الروسية جعلته يتجه نحو تعديل توقعاته حتى هروب 30 مليار دولار خلال العام الحالي.
«ظروف السوق غير المواتية» كانت السبب الرئيسي الذي دفع إلى تأجيل مزاد طرح سندات الدين العام يوم أمس، وفق ما أعلنت وزارة المالية الروسية، في بيان قالت فيه: «تبلغ وزارة المالية عدم إجراء المزاد المقرر يوم 12 سبتمبر (أيلول) لطرح سندات الدين العام، وذلك بسبب ظروف السوق غير المواتية». وهذه هي المرة الثالثة خلال شهر، التي تلغي فيها الوزارة طرح السندات، وكانت ألغت مزادا يوم 22 أغسطس الماضي، بسبب حدة التقلبات في السوق.
وفي المزاد التالي، يوم 29 أغسطس طرحت سندات بقيمة 13.22 مليار روبل، لكنها عادت وأعلنت في 5 سبتمبر أن «المزاد لم يتم» بسبب التقلبات الحادة في السوق. وفي اليوم التالي، 6 سبتمبر، قال مكسيم أوريشكين، وزير التنمية الاقتصادية، إن سبب إلغاء المزاد يعود إلى تغير نوعي في بنية الطلب على سندات الدين العام، وأوضح أنه «بعد أن كان المستثمرون الأجانب يشترون الجزء الأكبر من السندات الفيدرالية العام الماضي، فإن المصارف الروسية هي التي تشتري حاليا تلك السندات، فضلا عن السندات التي تخلى عنها المستثمرون الأجانب». وأكد أن السيولة المتوفرة لدى الدولة «تسمح لروسيا بعدم الاقتراض عاما كاملا من حيث المبدأ».
إلى ذلك كانت التوقعات حول سعر الروبل بعد التقلبات الحادة أكثر من مرة هذا العام، موضوعا رئيسيا ركز عليه المسؤولون الروس في تصريحاتهم على هامش «منتدى أقصى شرق روسيا الاقتصادي».
وفي هذا السياق عبر الوزير أوريشكين عن قناعته بأن «سعر الروبل المتوازن، في ظل توقف وزارة المالية عن شراء العملات الصعبة من السوق، ومع سعر 78 دولارا لبرميل النفط، هو 50 روبلا للدولار الواحد»، وقال إنه لا توجد أسباب لتغيير التوقعات بسعر 63 - 64 روبلا للدولار الواحد على المديين المتوسط والبعيد، وأشار إلى أن «ميزان المدفوعات لدينا قوي، وميزان الموازنة قرب 1 في المائة فائض، وديننا الخارجي عند مستويات مقبولة». وكرر موقفه بأن هبوط قيمة الروبل حاليا نتيجة ظاهرة قصيرة الأجل، هي هروب رؤوس الأموال من السوق الروسية، ودعا المواطنين إلى بيع العملة الأميركية وشراء الروبل الروسي.
إلا أن بورس تيتوف، مفوض الرئاسة الروسية لقطاع البيزنس والأعمال، لم يوافق على تقديرات الوزير أوريشكين بخصوص سعر الروبل، وقال في تصريحات أمس: «لا أتفق معه»، معبرا عن قناعته بأن تراجع سعر الروبل يستمر في ظل السياسة الحالية للبنك المركزي الروسي، بسبب ارتباط الاقتصاد الروسي بالنفط والعقوبات. وقال إن ربحية السندات الروسية حاليا تقف عند مستويات عام 2008 فضلا عن ذلك تفاقمت المشكلات البنيوية في الاقتصاد، ويتراجع الإنتاج، ولا يتم إنتاج القيمة المضافة.
وبناء على قراءته هذه للمشهد الاقتصادي، يرى مفوض الكرملين لقطاع الأعمال أنه «حتى الأسعار المرتفعة على برميل النفط لن تدعم ارتفاع سعر الروبل، وهناك أيضا العقوبات. والروبل يستحق السعر الحالي».
كما اعترض سيرغي غلازيف، معاون الرئيس الروسي على تقديرات الوزير أوريشكين حول أسباب تقلبات السوق، ويرى غلازيف أن السبب الرئيسي لهبوط الروبل هو «عدم تنفيذ المركزي الروسي واجباته الدستورية الخاصة بضمان استقرار سعر صرف الروبل»، واتهم المركزي بأنه «رغم احتفاظه باحتياطي عملة أكبر من القاعدة النقدية، ترك سعر الصرف تحت تحكم المضاربين، الذين يتلاعبون بالروبل بشكل تعسفي، ويجنون أرباحا طائلة عبر زعزعة استقرار وضع الاقتصاد الكلي، في ظل تواطؤ جلي من جانب السلطات المالية».
أما أندريه كوستين، رئيس مصرف «في تي بي»، فقد عبر عن موقف برز فيه توافقه مع تقديرات أوريشكين حول وضع الروبل نهاية العام، ورجح في تصريحات أمس أن «الوضع سيتضح نهاية العام وعندها سيستقر الروبل»، إلا أنه رفض الدعوة للتخلي عن الدولار وشراء الروبل، وقال «إنني لا أتفق معه نظرا لجملة عوامل جيوسياسية»، ودعا إلى «التريث في هذا الأمر حتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل» أي الوقت الذي يتوقع أن تحسم فيه الولايات المتحدة أمرها بالنسبة للعقوبات الجديدة - الأكثر تشددا - ضد روسيا.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»