تأجير الفساتين الراقية في مصر مشروع تتسابق الفتيات عليه والشركات على تمويله

غادة الطناوي تتذكر كيف كانت زبوناتها يخفين مساهماتهن خجلاً في البداية

TT

تأجير الفساتين الراقية في مصر مشروع تتسابق الفتيات عليه والشركات على تمويله

قبل أعوام قليلة مضت، لم تكن تتصور أي سيدة من الطبقات الراقية في مصر، تؤجر فستانها المصمم من قبل دار أزياء كبيرة فما البال بتأجيره؟. كان الأمر سيتحول إلى فضيحة بلا شك في حال تناهى الخبر إلى معارفها وأقاربها.
لكن المفاهيم تغيرت. فوسط عالم رقمي، تحوّل الاقتصاد من الشكل التقليدي القائم على رأس المال، إلى اقتصاد الفكرة، الأمر الذي أدى إلى ترسيخ مفاهيم اجتماعية جديدة من خلال خدمات لم تكن متاحة من قبل، تُعلي مبدأ العملية وتكسر القوالب التقليدية للفكر المجتمعي.
وهذا ما حدث عن طريق الصدفة مع غادة الطناوي، الشريك المؤسس لشركة رائدة في مجال الموضة تُعرف بلارينا «la reina»، وتقوم فكرتها على استئجار فساتين الزفاف والسهرات لكبار مصممي الأزياء، لمن لهن الرغبة في الاستثمار. وبالنتيجة تعم الفائدة عليها بكسب مبلغ من المال بتأجير فستان زفافها عوض ركنه في خزانة على أمل توريثه، وعلى أخرى تحلم بفستان بتوقيع عالمي وثمن مناسب.
غادة الطناوي التي حصل مشروعها على تمويل يُقدر بمليون دولار العام الماضي، تروي أن البداية كانت عندما واجهت مشكلة شخصية أثناء البحث عن فستان زفافها، فمثل كل فتاة، كانت تبحث عن فستان الأحلام، ولكن اصطدمت بواقع يؤكد أن هناك خيارين لا ثالث لهما «إما أن أحصل على فستان بتصميم يحاكي خيالي مقابل ثمن خرافي، أو أن أترك أحلامي جانبا وأكتفي بفستان أنيق ربما يشبه كثيراً من التصاميم الموجودة في الأسواق».
كان بإمكان غادة أن تدخر لتحقيق حلمها لكنها كانت عقلانية وعملية كما تقول. «أنا كأي فتاة عصرية، درست الهندسة وأعرف جيداً قيمة المال، لهذا كانت فكرة أن أصرف مبلغا ضخما لقاء الحصول على فستان لن ألبسه سوى لساعات معدودات يُركن بعدها داخل خزانتي ليشغل حيزاً منها مزعجة بالنسبة لي». بعد تفكير وصلت إلى حل لا بأس به. بدأت تبحث في الدوائر المحيطة بها عما يُرضي طموحها لفستان العمر وتفكيرها كفتاة عملية. خلال رحلة البحث، اكتشفت أنها ليست وحيدة، وأن العديدات من بنات جيلها يعانين من المشكلة نفسها. هكذا، وبكل بساطة، ولد مشروع «لارينا» للوجود.
وتقول غادة: «من هنا بدأت تُلح علي فكرة إعادة تدوير فساتين الزفاف. أدركت جيداً وقتذاك أن مجرد التفكير فيها يُعتبر وصمة عار بالنسبة للبعض لسبب مهم هو نظرة الآخر. لكن في قرارة نفس الأغلبية فإنها كانت فكرة عملية ونافعة لجميع الأطراف». وهكذا قررت أن تكون الخيط الذي يصل بين العروس التي تحلم بفستان راق، والمؤجرة التي لا ترى داعيا أن يبقى فستانها الذي صرفت عليه الآلاف طعما للغبار فقط. وبما أنها كانت الوسيط فإن لا واحدة منهما تعرف شيئا عن الأخرى الأمر الذي يزيل الحرج.
تقول غادة إن مفهوم الاستئجار كان مرفوضاً تماماً حتى الوقت الذي أسست فيه وشريكها عمرو دياب منصة إلكترونية لإعادة تدوير فساتين الزفاف، منذ عامين. والطريف أن الفتاة المستأجرة لم تكن وحدها من يشعر بالحرج والخجل من العملية، بل حتى صاحبة الفستان. فهي «تشترط دائما عدم الكشف عن هويتها، خوفا من أن يعرف أحد من المقربين منها أنها تستثمر في فستان زفافها». وتتابع غادة: «كان الأمر يصل في بعض الأحيان إلى أن الزبونة إذا شعرت بقدوم شخص آخر لمقر الشركة خلال التفاوض تختبئ لأنها تشعر بالخجل». وتفسر غادة هذا الخوف إلى أن مفهوم الاستئجار مرتبط بتدني القدرة المالية، فكيف لفتاة أن تكشف بسهولة أنها غير قادرة على شراء فستان زفافها، أو أنها ترتدي فستانا مستعملا؟. الأمر نفسه يمكن قوله عن التي تستأجر فستانها».
بدأ مشروع «لارينا» كمنصة إلكترونية لها كيان واقعي محدود. حجرة داخل مكتب والد غادة، وفريق عمل يتكون منها وشريكها عمرو. بعد عامين فقط، تحولت الفكرة إلى شركة لها كيان اقتصادي مهم، حيث وصل عدد الفساتين المعروضة فيه إلى 500 فستان، ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 5000 بحلول العام القادم.
ولم يساعد نجاح المشروع في تحقيق أرباح ضخمة فحسب، بل «ساهم في تغيير نظرة المجتمع المصري إلى فكرة الاستئجار، وأصبحت الفكرة أكثر قبولاً».
الفضل في هذا التغيير يعود إلى ترحيب البعض بالأفكار الرائدة والخارجة عن السياق التقليدي، حسب رأي غادة الطناوي «فبعض العوامل ساهمت في تغيير النظرة السلبية لفكرة الاستئجار وتجريدها من مفهوم ضعف القدرة المالية إلى مفهوم العملية والاستثمار، أهمها أن الفئة المستهدفة للشركة هي الطبقات الاجتماعية الراقية. مع الوقت تخلصت العديد من الزبونات لمن عقدة الخجل بعد أن لمسن حجم المكاسب المادية. الأمر نفسه ينطبق على العروس، التي تتمكن من ارتداء فستان الأحلام من دون الحاجة إلى صرف مبالغ طائلة هي في أمس الحاجة إليها».
وتلخص الطناوي أن «الفئة العمرية المستهدفة من قبلها تبدأ من عمر 16 إلى 45 عاما، لأنهن أكثر عملية وأكثر اطلاعاً على حركة الموضة، وبأنها دائمة التغير. كما باتت لها اهتمامات أخرى، الأمر الذي ساهم في تقبل فكرة تدوير الفساتين، التي يمكن أن أشير إلى أنها اتجاه عالمي متداول حتى في الدول الكبرى التي تتمتع بمستوى اقتصادي أكثر استقراراً من مصر».
رغم أن أغلب زبائن «لارينا» من الطبقات الاجتماعية ذات الدخل الكبير، فإن فكرة المكاسب المادية كانت المشجع الأكبر لهن لتأجير فساتينهن. السبب، برأي غادة، يعود إلى أنهن وبعد اكتشافهن مدى الربح الذي يحصلن عليه، تخلصن من الخجل الأولي، وبتن يتباهين بالأمر أمام صديقاتهن لما فيه من استثمار. فقد تحصل الواحدة منهن على ما يقرب من 100 ألف جنيه مصري (5600 دولار) خلال 9 شهور، وهي مدة التعاقد بين الشركة ومالكة الفستان من دون جهد». في العام الماضي، حققت زبونات «لارينا» مكاسب مادية وصلت إلى نحو ثلاثة ملايين جنيه مصري (168.5 ألف دولار).
وتأمل غادة في تحقيق المزيد لمنصتها، لا سيما بعد حصولها مؤخرا على دعم مادي من صندوق رأس المال المخاطر «ألجبرا فينتشرز»، وشركة «500 Startups» قيمته مليون دولار، بعد «منافسة شرسة مع عدد من المشروعات الرائدة».


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
TT

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)
ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)

في منتصف القرن الماضي، كان فن الـ«آرت ديكو» والقطع المصنعة من البلاتين تُهيمن على مشهد المجوهرات الفاخرة. في خضم هذه الموجة التي اكتسحت الساحة، ظلت دار «بولغري» وفيّة لأسلوبها المتميز بالجرأة، واستعمال الذهب الأصفر والأحجار الكريمة المتوهجة بالألوان.

رغم أن عقداً واحداً يكفي فإن استعمال أكثر لا يؤثر بقدر ما يزيد من الفخامة (بولغري)

في هذه الفترة أيضاً ابتكرت تقنية خاصة بها، أصبحت تعرف بـ«توبوغاس»، وتستمد اسمها من الأنابيب التي كانت تستخدم لنقل الغاز المضغوط في عشرينات القرن الماضي. ففي تلك الحقبة أيضاً بدأ انتشار التصميم الصناعي في أوروبا، ليشمل الأزياء والديكور والمجوهرات والفنون المعمارية وغيرها.

ظهر هذا التصميم أول مرة في سوار ساعة «سيربنتي» الأيقونية (بولغري)

في عام 1948، وُلدت أساور بتصميم انسيابي يتشابك دون استخدام اللحام، تجسَّد في سوار أول ساعة من مجموعتها الأيقونية «سيربنتي». أدى نجاحها إلى توسعها لمجموعات أخرى، مثل «مونيتي» و«بارينتيسي» و«بولغري بولغري».

في مجموعتها الجديدة تلوّنت الأشكال الانسيابية المتموجة والأجسام المتحركة بدرجات دافئة من البرتقالي، جسَّدها المصور والمخرج جوليان فالون في فيلم سلط الضوء على انسيابية شبكات الذهب الأصفر ومرونتها، واستعان فيه براقصين محترفين عبّروا عن سلاستها وانسيابيتها بحركات تعكس اللفات اللولبية اللامتناهية لـ«توبوغاس».

بيد أن هذه التقنية لم تصبح كياناً مهماً لدى «بولغري» حتى السبعينات. فترة أخذت فيها هذه التقنية أشكالاً متعددة، ظهرت أيضاً في منتجات من الذهب الأصفر تُعبر عن الحرفية والفنية الإيطالية.

ظهرت تقنية «توبوغاس» في مجوهرات شملت أساور وساعات وعقوداً (بولغري)

لكن لم يكن هذا كافياً لتدخل المنافسة الفنية التي كانت على أشدّها في تلك الحقبة. استعملتها أيضاً في مجوهرات أخرى مثل «بارينتيسي»، الرمز الهندسي المستوحى من الأرصفة الرومانية. رصَّعتها بالأحجار الكريمة والألماس، وهو ما ظهر في عقد استخدمت فيه «التنزانيت» و«الروبيت» و«التورمالين الأخضر» مُحاطة بإطار من الأحجار الكريمة الصلبة بأشكال هندسية.

بعدها ظهرت هذه التقنية في ساعة «بولغري توبوغاس»، تتميز بسوار توبوغاس الأنبوبي المرن، ونقش الشعار المزدوج على علبة الساعة المصنوعة من الذهب الأصفر والمستوحى من النقوش الدائرية على النقود الرومانية القديمة. تمازُج الذهب الأصفر والأبيض والوردي، أضفى بريقه على الميناء المطلي باللكر الأسود ومؤشرات الساعة المصنوعة من الألماس.

من تقنية حصرية إلى أيقونة

تزينت بمجوهرات الدار نجمات عالميات فكل ما تقدمه يُعدّ من الأيقونات اللافتة (بولغري)

«بولغري» كشفت عن مجموعتها الجديدة ضمن مشروع «استوديو بولغري»، المنصة متعددة الأغراض التي تستضيف فيها مبدعين معاصرين لتقديم تصوراتهم لأيقوناتها، مثل «بي زيرو1» و«بولغري بولغري» و«بولغري توبوغاس». انطلق هذا المشروع لأول مرة في سيول في مارس (آذار) الماضي، ثم انتقل حديثاً إلى نيويورك؛ حيث تستكشف الرحلة الإرث الإبداعي الذي جسدته هذه المجموعة من خلال سلسلة من أعمال التعاون من وجهات نظر فنية متنوعة.

قوة هذه التقنية تكمن في تحويل المعدن النفيس إلى أسلاك لينة (بولغري)

بين الحداثة والتراث

قدّم الفنان متعدد المواهب، أنتوني توديسكو، الذي انضم إلى المنصة منذ محطتها الأولى ترجمته للأناقة الكلاسيكية بأسلوب امتزج فيه السريالي بالفن الرقمي، الأمر الذي خلق رؤية سردية بصرية تجسد التفاعل بين الحداثة والتراث. منح الخطوط المنسابة بُعداً ميتافيزيقياً، عززته التقنيات التي تتميز بها المجموعة وتحول فيه المعدن النفيس إلى أسلاك لينة.

تطورت هذه التقنية لتشمل قطعاً كثيرة من مجموعات أخرى (بولغري)

ساعده على إبراز فنيته وجمالية التصاميم، الفنان والمصمم الضوئي كريستوفر بودر، الذي حوَّل الحركة اللامتناهية وتدفق اللوالب الذهبية في «بولغري توبوغاس» إلى تجربة بصرية أطلق عليها تسمية «ذا ويف» أو الموجة، وهي عبارة عن منحوتة ضوئية حركية تتألف من 252 ضوءاً يتحرك على شكل أمواج لا نهاية لها، تتكسر وتتراجع في رقصة مستمرة للضوء والظل، لكنها كلها تصبُّ في نتيجة واحدة، وهي تلك المرونة والجمالية الانسيابية التي تتمتع بها المجموعة، وتعكس الثقافة الرومانية التي تشرَّبتها عبر السنين.