تداعيات الأزمة المالية العالمية مستمرة بعد 10 سنوات من انهيار «ليمان براذرز»

الآثار تخطت المصارف إلى الحياة الاجتماعية والسياسية

آثار انهيار «ليمان براذرز» مستمرة إلى اليوم (رويترز)
آثار انهيار «ليمان براذرز» مستمرة إلى اليوم (رويترز)
TT

تداعيات الأزمة المالية العالمية مستمرة بعد 10 سنوات من انهيار «ليمان براذرز»

آثار انهيار «ليمان براذرز» مستمرة إلى اليوم (رويترز)
آثار انهيار «ليمان براذرز» مستمرة إلى اليوم (رويترز)

ذات يوم غادر المصرفيون ناطحة السحاب في نيويورك حاملين متعلقاتهم في صناديق تمت تعبئتها على عجل. وانتشرت صور سماسرة الأوراق المالية المذهولين في مختلف أنحاء العالم، وقد كانت بنوك الاستثمار مثل «ليمان براذرز» «أكبر من أن تفشل»؛ لكن في هذه الحالة لم تتدخل الدولة لإنقاذه.
منذ 10 سنوات، أثار انهيار بنك «ليمان براذرز» صدمة في أسواق المال ووضع الاقتصاد العالمي على حافة الانهيار. وهرع السياسيون والحكومات والبنوك المركزية لإنقاذ البنوك الأخرى ووقف مزيد من التدهور الاقتصادي عبر ضخ مئات المليارات من الدولارات من الاعتمادات الائتمانية الطارئة للمؤسسات والشركات المتعثرة وخفض أسعار الفائدة.
وبالفعل تم منع حدوث الأسوأ، لكن الثمن كان باهظا. فبعد 10 سنوات من الأزمة المالية ما زالت تأثيراتها الاجتماعية والسياسية قائمة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: «هل نحن مستعدون بصورة أفضل اليوم لمنع تكرار هذه الأزمة؟»؛ بحسب تساؤل طرحته وكالة الأنباء الألمانية. والحقيقة أن الأزمة التي تفجرت بإعلان إفلاس بنك «ليمان براذرز»، رابع أكبر بنك استثمار في الولايات المتحدة، يوم 15 سبتمبر (أيلول) 2008، تجاوزت القطاع المالي وكبدت الملايين وظائفهم.
وكان لنتائج الأزمة تداعيات مجتمعية، على خلفية حقيقة أنه في حين بالكاد واجه مديرو البنوك المسؤولون عن الأزمة المحاكمة، فإن الناس العاديين تحملوا الفاتورة الكبيرة، وأدى الغضب من الأزمة إلى تأجيج صعود التيارات السياسية الراديكالية.
لم يكن «ليمان براذرز» بنكا ضخما للغاية، لكن نظرا لتعدد فروعه ووحداته المتخصصة، فإنه كان نموذجا مثاليا لتشعب النظام المالي الذي تم فيه دمج القروض العقارية في صورة أوراق مالية. في ذلك الوقت كانت هذه الأوراق المالية المشكوك في تحصيلها قد حصلت على تزكية مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية، وهو ما ساهم في بيعها للمستثمرين في مختلف أنحاء العالم.
ومع تراجع الأسعار في سوق العقارات الأميركية، وتلاشي قيمة الرهون العقارية التي حصل عليها أصحاب المنازل المثقلون بالديون، فإن حالة التشابك بين أسواق المال الدولية أدت إلى اشتعال حريق مالي غير مسبوق وتفجرت أسوأ أزمة مالية واقتصادية في العالم منذ الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي.
وسرعان ما انتقلت عدوى الأزمة المالية من القطاع الخاص إلى المالية العامة للدول. وكانت اليونان من الدول الأشد تضررا من هذه الأزمة، خصوصا أن معدل الدين العام فيها تجاوز مستوى 130 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لها. وفي 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2008 قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير المالية في ذلك الوقت بيير شتاينبروك إن مدخرات الألمان آمنة. وكان هذا البيان غير المنقح بدرجة ما محاولة لمنع عمليات سحب واسعة للمدخرات المصرفية بما يمكن أن يهدد بانهيار القطاع المالي في ألمانيا. ورغم أن ميركل ذكرت أن الإجراءات التي تم اتخاذها لم تستهدف مصالح البنوك وإنما استهدفت مصالح الناس، فإن كثيرا من المواطنين شعروا بالعكس. وأصبح شعار ميركل في ذلك الوقت: «إذا انهار اليورو، فستنهار أوروبا»؛ ثم أعلنت عن مزيد من حزم الإنقاذ المصرفي في ألمانيا.
في الوقت نفسه؛ فإن الأزمة المالية وفرت أرضا خصبة لصعود نجم حزب «البديل من أجل ألمانيا». وبالنسبة لكثيرين من الألمان، فإنه جسد حالة عدم اليقين بعد الأزمة المالية. وفي الولايات المتحدة، مهدت تداعيات الأزمة المالية الطريق أمام صعود حركات سياسية راديكالية مثل «حركة حفلات الشاي» و«احتلوا وول ستريت». وبحسب تحليل أعده كريستوف تريبيش ومانويل فونكه من «معهد كيل للاقتصاد العالمي»، فإن الأحزاب اليمينية أصبحت بشكل عام أقوى بفضل الأزمة المالية. وإلى جانب حزب «البديل من أجل ألمانيا»، هناك حزب «الرابطة اليمينية» في إيطاليا، وحزب «التقدم النرويجي» في النرويج، وحزب «الفنلنديين» في فنلندا؛ وكلهم من «أبناء الأزمة المالية». وهذه الأحزاب كان لها تأثير مدمر على النظم السياسية. وبحسب مقال تريبيش وفونكه، فإن النظام السياسي القائم على وجود حزبين كبيرين يتبادلان السلطة والمستقر منذ عقود قد تلاشى، كما اضطرت الأحزاب العريقة في الحكم إلى التعامل مع حقيقة حصولها على أقل من 10 في المائة من الأصوات في الانتخابات، في حين ازداد الدعم السياسي للأحزاب الشعبوية.
وبعد 10 سنوات من الأزمة المالية العالمية، هناك شكوك في حصانة النظام المالي من تكرار مثل هذه الأزمة. ففي الولايات المتحدة، خففت إدارة الرئيس دونالد ترمب القواعد والقوانين المصرفية والمالية التي تبنتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في أعقاب الأزمة.
ويعتقد يورغ كرايمر، كبير خبراء الاقتصاد في «مجموعة كوميرتس بنك» المصرفية الألمانية، أن هيئات الرقابة المصرفية في منطقة اليورو تعين عليها التعاطي مع تداعيات الأزمة، لكنه ما زال يرى مشكلات في النظام. وتحبذ البنوك المركزية التضخيم في الأسواق المالية نتيجة السياسات النقدية فائقة المرونة التي تبنتها هذه البنوك.
ومن المخاطر التي لم يتم التخلص منها بعد 10 سنوات من انهيار «ليمان براذرز»، ضعف حالة المالية العامة في كثير من دول منطقة اليورو؛ فمعدل الدين العام في كل دول منطقة اليورو - باستثناء ألمانيا - ما زال أعلى منه قبل انهيار «ليمان براذرز». وفي إيطاليا وإسبانيا واليونان يزيد معدل الدين العام شدة على مستواه قبل 2009 قبل تفجر أزمة الديون السيادية، وهو ما يعني استمرار هشاشة الوضع المالي لهذه الدول.



الصين تتوقع نمواً بنسبة 5% هذا العام

عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)
عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)
TT

الصين تتوقع نمواً بنسبة 5% هذا العام

عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)
عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)

قال نائب مدير اللجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية في الصين يوم السبت إن اقتصاد الصين من المتوقع أن ينمو بنحو 5 في المائة هذا العام. وأضاف هان وين شيو في مؤتمر اقتصادي أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيُسهم بنحو 30 في المائة من النمو العالمي. وأشار هان، الذي يشغل أيضاً منصب مسؤول كبير في الحزب الشيوعي الحاكم، إلى ضرورة تعزيز الاستهلاك واعتبار توسيع الطلب المحلي خطوة استراتيجية طويلة الأجل، حيث من المتوقع أن يصبح هذا الطلب القوة الدافعة الرئيسة للنمو الاقتصادي.

وأعلنت الصين يوم الخميس عن خطط لزيادة إصدار الديون وتخفيف السياسة النقدية للحفاظ على معدل نمو اقتصادي مستقر، استعداداً لمواجهة مزيد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة في ظل احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. كما أوصى مستشارو الحكومة بالحفاظ على هدف نمو يتراوح حول 5 في المائة للعام المقبل، وفقاً لتقرير «رويترز» الصادر الشهر الماضي.

وبينما تتوقع سوق الأسهم انتعاش الاستهلاك في الصين، يراهن مستثمرو السندات على استمرار التحديات الاقتصادية. وأكد هان أن سياسة مالية نشطة إلى جانب سياسة نقدية أكثر تساهلاً ستساعد الصين على التكيف بشكل أفضل مع العوامل غير المستقرة وغير المؤكدة في الاقتصاد، مما يوفر دعماً قوياً لتحقيق الأهداف السنوية.

وفيما يتعلق بالاحتياطات المالية، أوضح هان أن احتياطيات النقد الأجنبي في الصين من المتوقع أن تظل فوق 3.2 تريليون دولار هذا العام، مع الاستمرار في استقرار مستويات العمالة والأسعار.

على صعيد آخر، أظهرت البيانات الرسمية التي أصدرها بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) ارتفاعاً في القروض المقومة باليوان بمقدار 17.1 تريليون يوان (نحو 2.38 تريليون دولار) خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2024.

وأشارت البيانات، التي نقلتها وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، إلى زيادة في مؤشر «إم 2»، الذي يُعتبر مقياساً واسع النطاق للمعروض النقدي ويشمل النقد المتداول وجميع الودائع، بنسبة 7.1 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 311.96 تريليون يوان بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

في المقابل، بلغ مؤشر «إم 1»، الذي يغطي النقد المتداول والودائع تحت الطلب، 65.09 تريليون يوان بنهاية الشهر الماضي، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 3.7 في المائة على أساس سنوي.

أما مؤشر «إم 0»، الذي يعكس حجم النقد المتداول، فقد ارتفع بنسبة 12.7 في المائة مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 12.42 تريليون يوان بنهاية نوفمبر، وفقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي الصيني.

وفيما يخص القروض المستحقة باليوان، فقد بلغت 254.68 تريليون يوان بنهاية نوفمبر، بزيادة قدرها 7.7 في المائة على أساس سنوي.

كما أظهرت البيانات أن التمويل الاجتماعي المستحق بلغ 405.6 تريليون يوان بنهاية الشهر الماضي، مسجلاً زيادة بنسبة 7.8 في المائة على أساس سنوي.