التهميش يحيي دعوات لتشكيل «حكومة اتحادية» في ليبيا

دفعت الأحوال المعيشية المتردية في بعض مدن الجنوب الليبي شيوخ وحكماء قبائل ونشاط اجتماعيين للدعوة إلى تشكيل حكومة مستقلة، رداً على ما وصفوه بسياسة «التهميش والتجاهل»، التي تتبعهما حكومة طرابلس مع الجنوب، وذلك بعد ساعات من إعلان مناطقهم «منكوبة»، والتلويح بسحب الثقة من ممثليهم في الأجهزة التنفيذية والتشريعية.
وكان مقرراً الإعلان عن الحكومة المستقلة، أمس، تحت مسمى حكومة «فزان الاتحادية»، لكن المفاوضات بشأنها تعثرت على خلفية عدم الاتفاق على من يترأسها، فيما تباينت آراء المؤيدين لها والمعارضين في حديثهم إلى «الشرق الأوسط».
وعجلت أزمة انقطاع التيار الكهربائي، التي ضربت مدن الجنوب لخمسة أيام متتالية، بالتفكير جدياً في إعلان الحكومة الانفصالية، فضلاً عن أزمات متراكمة، وفي مقدمتها شح المياه، ونقص الوقود، وارتفاع أسعاره في السوق الموازية، إلى جانب عدم وجود خدمات حكومية كافية.
وعلل أعيان فزان اتجاههم لسحب الثقة من نوابهم بأن هناك «بعض الممثلين عن دوائرهم لم يزورا الجنوب منذ انتخابهم ولو مرة واحدة، وأخفقوا في توصيل أصواتهم إلى المسؤولين في الدولة، وبالتالي فإن سحب الثقة من كافة ممثلي الجنوب، سواء كانوا في الجهات التشريعية أم التنفيذية والإدارات الحكومية، جاء نتيجة فشلهم الذريع في تنفيذ آراء ومطالب ناخبيهم».
وأضافوا في بيان تلاه أحد الأعيان، مساء أول من أمس، أن «قرارهم جاء نتيجة الوضع المتردي، الذي وصل إليه الجنوب، بما في ذلك انقطاع الكهرباء لأكثر من خمسة أيام، ما تسبب في تلف المحاصيل الزراعية ونفوق الحيوانات».
وتحمّس الدكتور علي قلمة مرصدي، وزير العمل والتأهيل السابق في حكومة الوفاق الوطني، لفكرة الاتجاه إلى تشكيل حكومة اتحادية في الجنوب، وقال مؤيداً: «أنا شخصياً أعتقد أن الحكومات المركزية التي مرت على ليبيا خلال 8 سنوات فشلت في أداء دورها تجاه المواطنين».
وأضاف مرصدي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «كثير من دول العالم نجحت في هذا الاتجاه»، مشيراً إلى أن «النظام الفيدرالي يوفر العدالة الاجتماعية لجميع الأقاليم الثلاثة، الجنوب (فزان)، وطرابلس، وشرق البلاد (برقة)».
وأوضح مرصدي أن عوامل الجغرافيا في ليبيا، مثل المساحة وطبيعية الحياة، «تدفعنا إلى المضي في هذه الطريق، وبالتالي فإن الأفضل لبلادنا أن تتبع النظام الفيدرالي»، وضرب مرصدي على ذلك مثلاً ببعد المسافات بين المدن الليبية، وقال في هذا السياق «المسافة بين الجنوب الليبي المترامي في الصحراء، والعاصمة طرابلس تصل إلى 1200 كلم، وهذا ما يعيق تقديم أي خدمات للمواطنين، من بينها الوقود والسلع بكل أنواعها».
وفيما رأى البعض أن تشكيل حكومة مستقلة في الجنوب يفتح الباب للإثنية، وتفكيك أواصر الدولة، نفي قلمة ذلك، وقال موضحاً: «فزان بها تنوع من قبائل عربية وغير عربية، ومن حقهم أن يختاروا النظام الذي يحتكمون إليه... وهذا لا يخالف الوطنية. فأهل الجنوب مخلصون لوطنهم، وسبق أن تحملوا الويلات من أجله طوال السنوات الماضية، بعيداً عن صراع المصالح والسلطة».
وانتهى مرصدي إلى أنه «إذا توفرت إرادة (فزانية) بعيداً عن الأشخاص، فإننا نستطيع تحقيق هذه الفكرة، بما يصب في صالح مواطنينا... ففي الجنوب لدينا كل العوامل التي تحقق التنمية. فثلث البترول الليبي يستخرج من الجنوب، كما لدينا المياه، والثورة البشرية».
غير أن فكرة تشكيل حكومة مستقلة لاقت معارضة من ناحية أخرى، إذ عبر محمد إبراهيم تامر، عضو مجلس النواب، عن «رفضه القاطع» لتشكيل حكومة مستقلة في الجنوب، وقال لـ«الشرق الأوسط»، «نحن نسعى إلى توحيد المؤسسات والحكومات، ورفع المعاناة عن المواطن وإنقاذ ما تبقى منها».
وانتهى النائب عن الجنوب (بلدية تراغن) قائلاً إن تشكيل حكومة مستقلة في الجنوب «سيزيد الوضع سوءاً، ويكرس مبدأ تقسيم الدولة».
من جهته، استغرب عبد المنعم الحر، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، الدعوة إلى مثل هذه الأفكار، بقوله «هؤلاء يغردون خارج المجرة الكونية، وهي محاولة منهم للفت الانتباه، ويريدون القول نحن موجودون».
وأوضح الحر لـ«الشرق الأوسط»، أن مثل هذه الحكومات «لن تنال الاعتراف الدولي، وستبقى كحال ما عرف بحكومة الإنقاذ»، مشيراً إلى أن «الليبيين يعانون من أزمات أمنية واقتصادية وخدمية مشتركة، وهذا يدلل على أن همنا مشترك، ولا فرق بيننا أبداً باستثناء أننا نسكن الشمال، وهم يقطنون بالجنوب».
في السياق نفسه، عبر المحامي علي إمليمدي، من مدينة سبها التي تعد عاصمة الجنوب، عن رفضه للفكرة أيضاً، وقال إنه «لا يمكن القبول بها، فالجنوب من دون الشمال لا يمكن له العيش، فلا مطار ولا ميناء».
وبعد أكثر من سبع سنوات من الانتفاضة، التي أطاحت بالرئيس الراحل معمر القذافي، لا تزال ليبيا منقسمة بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب، ومصرفين مركزيين: الأولى في طرابلس وتحظى باعتراف دولي، والثانية موازية في شرق البلاد.
إلى ذلك، دعا حراك ما يسمى بـ«صوت الشعب» في ليبيا إلى مظاهرة عامة الأحد المقبل في كافة مدن ليبيا، ومنها طرابلس، على أن تنتهي بالاعتصام احتجاجاً على تردي الأوضاع في البلاد.
وقال الحراك في بيان، مساء أول من أمس، إنهم «سيطالبون بإسقاط كافة الأجسام السياسية الفاشلة والمنتهية الصلاحية، والمتمثلة في المجلس الرئاسي، والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة»، على حد تعبيرهم.